شهدت الساحة الأفريقية اهتماما ملحوظا من جانب القوى الإقليمية والدولية، لتحقيق جملة من الأهداف، أولها تقوية النفوذ، والاستفادة من ثروات القارة غير المستغلة. بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي المطل على المحيط الهندي والبحر الأحمر. الأمر الذي يجعلها أحد أهم معابر التجارة العالمية. كذلك إيجاد حلول لأزمة الطاقة التي تضرب العالم الآن. خاصة مع بلوغ احتياطيات الغاز الطبيعي الأفريقي المؤكدة 625 تريليون قدم مكعب في عام 2021.
وفي السياق جاءت جولة وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” في أفريقيا أغسطس/ آب الماضي، لتحمل العديد من الدلالات. خاصة في ظل متغيرين، الأول التنافس الخليجي الإيراني في القارة السمراء، والثاني موقف إيران في مباحثات الاتفاق النووي. مركز المستقبل للأبحاث والدراسات أصدر مؤخرا دراسة بعنوان “كسر العزلة: دلالات جولة وزير الخارجية الإيراني في أفريقيا” للوقوف على أبعاد وآفاق زيارة المسئول الإيراني رفيع المستوى.
اقرأ أيضا.. عقيدة بوتين في أفريقيا.. ساحة جديدة للصراع مع الغرب
استراتجية إيران في أفريقيا: تعاون اقتصادي وأمني
ترى الدراسة أن جولة عبد اللهيان في أفريقيا تمثل سابقة من حيث الدلالة والتوقيت. إذ أنها الأولى لوزير الخارجية الإيراني منذ توليه منصبه. كما أنها ترجمة حقيقة للاستراتيجية الإيرانية المعلنة حديثا بشأن توجيه الاهتمام نحو آسيا ودول الجوار وأفريقيا. لذلك شاركه في الجولة وفد إيراني كبير من مختلف المجالات وخاصة مسئولي الشركات التجارية الكبرى، ما يعكس الأهمية الاقتصادية للزيارة.
وارتكزت الدراسة على تحديد أبعاد الجولة في نقاط محددة، منها حرص إيران على تقوية علاقاتها بمالي، وخاصة رئيس المجلس العسكري الانتقالي “عاصمي جويتا” في مسار مخالف للاتجاه الغربي الذي وقع عقوبات على المجلس العسكري. كما شهدت الزيارة عقد الدورة الأولى من “اللجنة المشتركة الإيرانية المالية” بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. بالإضافة إلى تحركات إيران في غرب أفريقيا منذ سنوات لنشر المذهب الشيعي من خلال جهود بناء المعاهد الشيعية.
وعن زيارته لتنزانيا كمحطة ثانية، استهدف عبد اللهيان التوجه إلى دار السلام العاصمة التجارية والصناعية للدولة، لإعلان نواياه المتعلقة بتوجيه استثمارات إيرانية في مجالات التعدين، ومصايد الأسماك، ومزارع الحيوانات. كما تعد تنزانيا مركز ثقل شيعي في شرق أفريقيا.
واختتم عبد اللهيان زيارته الأفريقية في زنجبار، وأعلن تقديم بلاده الدعم لتلك الجزر الواقعة على المحيط الهندي. يأتي ذلك في ظل سعي طهران لتوسيع حضورها في تلك المنطقة، على غرار النفوذ الإيراني في جزر القمر.
أهداف الزيارة الإيرانية
وتلتقي تلك التحركات الإيرانية في شرق وغرب القارة مع جملة من الأهداف، في ظل مفاوضات إيران مع الغرب على بنود الاتفاق النووي. كما تحاول طهران الالتفاف على العقوبات الغربية، من خلال خلق شركات جديدة لتخفيف حدة العقوبات الاقتصادية. كما تبين في هدفها الرامي إلى إنشاء معرض للتكنولوجيا الفائقة في بوماكو لعرض منتجاتها المتقدمة، إلى جانب طموحات فتح 7 مراكز إيرانية تجارية جديدة في أفريقيا لزيادة التبادل التجاري مع القارة إلى نحو 6 مليارات دولار بحلول عام 2026.
وتمثل ساحة غرب أفريقيا في الظرف الراهن، نقطة تغيير توازنات وإعادة هيكلة للتحولات الاستراتيجية، في ظل التراجع الفرنسي لصالح النفوذ الروسي. ما يعمل لصالح إيران كما حدث في سوريا.
سوق للسلاح وبحث عن اليورنيوم
كذلك تعتبر مالي سوق أسلحة متنامية في ظل خضوعها لحكم المجلس العسكري، وهنا تحاول إيران عرض خدماتها العسكرية، من خلال خبراء عسكريين أو مسيرات إيرانية بدون طيار.
أيضا يعتبر اليورانيوم الأفريقي هدفا استراتيجيا بالنسبة للدولة النووية، وطبقا لبعض التقارير الغربية، التي تؤكد أن دار السلام تمثل نقطة مرور لليورانيوم المهرب إلى إيران، لذلك يمكن اعتبار الزيارة في إطار السعي الإيراني لتأمين طرق النقل والشحن.
تأمين النشاط التجاري
وبرزت أهمية المحيط الهندي في السياسية الخارجية الإيرانية، في زيارة عبد اللهيان لزنجبار، حيث تسعى إيران إلى ترسيخ موطئ قدم في هذه المنطقة، وإيجاد طرق شحن بديلة للتجارة الإيرانية، من خلال توظيف قناة موزمبيق التي تشكل طريقا أخرى للعبور التجاري، أي توسيع خيارات إيران للضغط على الدول الغربية.
وانتهت الدراسة بالتأكيد أن سياسة إيران النشطة في أفريقيا خلال الآونة الأخيرة، كانت لتعويض الغياب الذي حدث خلال فترة الرئيس السابق “حسن روحاني”، وإعادة تموضع أفريقيا على أولويات السياسة الخارجية الإيرانية.
توزيع النفوز بمسار أفريقي
وفي السياق ذاته، أصدر مركز “إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية” تقريرا بعنوان “المسار الثاني: لماذا تهتم إيران بتطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية؟” لاستعراض أهداف زيارة عبد اللهيان لأفريقيا في عدة نقاط.
وبحسب المركز تسعى إيران أولا إلى تأمين موقفها في حال فشل مفاوضات الاتفاق النووي مع الغرب، من خلال إيجاد مسار أخر مع دول جديدة، وتفعيل الشراكات القائمة خارج المعسكر الغربي. وحشد قاعدة أفريقية داعمة لإيران في المنظمات الدولية، باعتبار تلك المنظمات منصات محتملة لإدارة الازمات العالقة في حال أخفقت إيران في الوصول إلى توافق مع الدول الغربية.
ثانيا، في ظل التنافس الاقتصادي إقليميا ودوليا على الفرص الأفريقية، استقبلت إيران 400 وفد تجاري من أفريقيا منذ مارس/ أذار الماضي. كما تستهدف إيران مد خط ملاحي جوي وخطوط بحرية مع جنوب أفريقيا في إطار صعود اقتصاد الموانئ واللوجستيات. كما تتطلع إيران إلى رفع مستوى التعاون الزراعي مع غانا إلى مليار دولار.
ثالثا، تعتبر مالي بؤرة اهتمام دولي في ظل قدرتها على ردع فرنسا على التواجد على أرضها من خلال انسحاب قوة بارخان. ومحاولة طهران توظيف تلك الورقة، باعتبار الدولتين واقعتين تحت وطأة العقوبات الغربية، وربما تنخرط إيران في تفاهمات روسيا مع النظام المالي.
الأبعاد الدينية في السياسة الخارجية الإيرانية
رابعا، تمثل سياسة نشر التشيّع نقطة رئيسية في علاقات إيران الخارجية، وهو ما تقوم عليه المؤسسات الدينية والخيرية الإيرانية المنتشرة على امتداد القارة. الأمر انعكس عبر القنوات الإعلامية الإيرانية مؤخرا التي ركزت على الترويج لمشاركة أفارقة في مناسبات شيعية لاسيما احتفالات عاشوراء.
وينتهي التقرير بتأكيد أن إيران ترسم سياسة طويلة الأمد لتطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية إلى أعلى مستوى، لتعظيم مكاسبها السياسية والاقتصادية، كمسار موازي لتغطية التوترات مع الدول الغربية.