تتقدم العلاقات بين الرياض وطهران بمقدار توترها مع واشنطن. ففي الوقت الذي تشير المواقف إلى مزيد من التضاغط بين السعودية والولايات المتحدة، مدفوعًا بقرار “أوبك+” الأخير فيما يتعلق بالنفط، تكشف التصريحات المتبادلة بين السعودية وإيران تطورًا في التقارب بينهما.
وقد بدأت المحادثات المباشرة بين طهران والرياض منذ عام تقريبًا. واستضافت بغداد 5 جولات من هذه المحادثات، آخرها في إبريل/ نيسان الماضي.
لكن مؤخرًا، تسارعت وتيرة التصريحات الإيرانية الرامية إلى مزيد من التقارب. فدعا كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني علي أكبر ولايتي الأسبوع الماضي إلى إعادة فتح السفارات بين البلدين. وأكد “نحن جيران للسعودية ويجب أن نتعايش من أجل حل مشاكلنا بطريقة أفضل”.
اقرأ أيضًا: قرار أوبك+ بخفض الإنتاج.. حين يكون النفط لاعبا رئيسيا في الجغرافيا السياسية
وهو ما جاء متزامنًا مع آخر تصريحات للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أشار فيها إلى تطور في المفاوضات التي ترعاها العراق بين البلدين. إذ قال: “نعتقد أن البلدين يتخذان خطوة جديدة في اتجاه تحسين العلاقات بينهما، وسيقدم البلدان المصالح المشتركة لهما وللإقليم”. وهو ما يأتي متزامنًا مع تصريحات سعودية بشأن الترتيب لجولة محادثات سادسة.
تقارب على مائدة الخلاف
يقول د. محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، إن إيران والسعودية في تقارب حقيقي وهو يأتي على مائدة الخلاف مع واشنطن، خاصة بعد قرار مجموعة “أوبك+” الأخير بشأن خفض إنتاج النفط، الذي سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار عالميًا، ومن ثم تحقيق مكاسب اقتصادية لكلا الدولتين بحكم كونهما من أهم الدول المصدرة للنفط عالميًا.
ودفع قرار “أوبك+” بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا، أي ما يعادل تقريبًا 2% من الطلب العالمي على النفط، بمزيد من الضغط على العلاقات الأمريكية السعودية. حيث أصدر البيت الأبيض بيانًا حول ضرورة “إعادة تقييم العلاقات مع السعوديين“.
كما أصدر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب مينينديز، بيانًا قال فيه إن “الولايات المتحدة مطالبة بتجميد فوري لجميع جوانب التعاون مع السعودية، بما في ذلك أي مبيعات أسلحة وتعاون أمني”.
وقدم عضو الكونجرس الديمقراطي “توم مالينوفسكي” تشريعًا يقضي بسحب الجنود الأمريكيين من السعودية والإمارات.
وقد برزت العديد من نقاط الخلاف بين الرياض وواشنطن مؤخرًا، لا سيما في القمة الخليجية الأمريكية، وكذلك رفض قادة الخليج طلبات أمريكا والاتحاد الأوروبي بزيادة إنتاج النفط من أجل تخفيف الضغط على الاقتصاد العالمي في مارس/ آذار الماضي، عندما قفزت أسعار النفط نحو 130 دولارًا للبرميل.
الفترة الأسوأ في العلاقات
ظلت السعودية والإمارات في مكانة الحليفين الأكثر أهمية للولايات المتحدة بعد إسرائيل في الشرق الأوسط، خاصة في عهد الريس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قبل أن تسوء في عهد الرئيس الحالي جوزيف بايدن وتصنف كأسوأ فترات العلاقات بين البلدين.
وقد قررت إدارة بايدن التخلي عن الشرق الأوسط. فكان من نتائج هذه السياسة أن فشلت واشنطن في الدفع بالبلدين نحو زيادة إنتاج النفط وتهدئة الأزمة الاقتصادية العالمية التي أعقب الحرب الروسية الأوكرانية.
وأفسحت هذه السياسة المجال للتوسع الروسي وسد الفراغ. ما منح دول الخليج استقلالية اتخاذ القرار. لا سيما مع عودة العلاقات مع قطر وتركيا وكذلك إيران المتوقع مستقبلًا.
كذلك، أكدت الحرب الروسية الدور التوظيفي للطاقة في الحرب والسياسة، كما تجلى بوضوح في ورقة الغاز الروسي، والضغط على الأوروبيين.
وظهر بجلاء ووضوح كذلك في قرار “أوبك+”، ضاغطًا على العلاقات الأمريكية السعودية، والرئيس بايدن، خاصة لتوقيته الذي يسبق بأسابيع فقط انتخابات التجديد النصفي الأمريكية.
سبق أن طلبت الولايات المتحدة تأجيله لمدة شهر، لتمرير هذه الانتخابات.
كذلك، حمل بيان وزارة الخارجية السعودية المؤيد لقرار الحكومة الأسترالية بإلغاء اعتراف الحكومة السابقة بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، دلالة أخرى عن طبيعة الوضع الراهن بين السعودية وإسرائيل، التي تقع في قلب العلاقات السعودية الأمريكية.
تجمدت الجهود التي تبذلها شركات الدفاع الإسرائيلية للدخول في أعمال تجارية مع المملكة. ما يرجح احتمالية تعليق جهود التطبيع بين البلدين. وهذا يمنح فرصة ثمينة لإيران، في توظيف هذه المسألة المحورية لصالحها.
ميل خليجي نحو حليف إيران
اتخذت السعودية موقفًا حياديًا من الحرب الروسية الأمريكية، وهو ما كان مدفوعًا بشكل العلاقات الأمريكية السعودية منذ تولي الرئيس جو بايدن.
ومع نشوب الحرب في أوكرانيا، رفضت دول الخليج قطع العلاقات مع روسيا. بل تنامت العلاقات الخليجية الروسية، وظهرت دلالات تعميق الروابط بين موسكو والرياض في توسط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في صفقة مفاجئة في سبتمبر/ أيلول الماضي لإطلاق سراح أسرى الحرب الأجانب المحتجزين في روسيا، بما في ذلك قدامى محاربين من الولايات المتحدة وبريطانيا.
وقد جاء قرار “أوبك+” ليحيد تأثير الحظر الغربي على النفط الروسي، وليدعم ارتفاع أسعار النفط الميزانية الروسية.
اقرأ أيضًا: حوار إيران والسعودية.. “فرصة تقارب” يبعدها الجمود الإيديولوجي
تخفيف الضغط الخارجي على إيران
يرى د. محمد محسن أبو النور أن السبب الأول وراء المساعي الإيرانية نحو إعادة العلاقات مع طرف عربي بحجم السعودية تخفيف الضغط الخارجي على إيران. فهي لا تتخذ هذا المنحى إلا إذا كانت تعاني من ضغوط خارجية، وعلى رأسها الأوروبية والأمريكية، والعقوبات المستجدة بعد مظاهرات مهسا أميني.
وقد فرضت بريطانيا والاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة على إيران، بسبب تزويدها روسيا بمسيرات لضرب أوكرانيا، والدفع بخبراء من الحرس الثوري الإيراني لتدريب الجنود الروس على استخدامها.
ومن المحتمل ان تختتم الجولة القادمة من المفاوضات الإيرانية السعودية بنتائج منها اتجاه البلدين نحو فتح سفارتيهما على غرار الإمارات، وكذلك التفاهم في بعض الملفات لاسيما الصراع في اليمن.
ومع ذلك، يرى رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية أن التقارب بين السعودية وإيران بحاجة إلى هيكلة الملفات العالقة بين البلدين لتطويره إلى مراحل أكثر تقدمًا. لا سيما ملف المباحثات التي بدأت في بغداد منذ إبريل/ نيسان 2021، والتعاون المستدام ما بين البلدين فيما يتعلق بالحدود البحرية، ومسائل الحج والعمرة، والترتيبات الأمنية في الإقليم.