تسعى إسرائيل إلى تعاون عسكري أكبر مع دول الخليج العربي، والوصول إلى تشكيل تحالف عسكري يوازي حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط. وذلك كجزء من استراتيجيتها للتحسب لقوة إيران في المنطقة. ولاحتواء ما تعتبره تهديدًا إيرانيًا، طورت علاقات أمنية ثنائية مع البحرين وعمان وقطر والسعودية والإمارات لبعض الوقت. وقدّم مسئولون إسرائيليون ووسائل إعلام إسرائيلية زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في يوليو / تموز، على أنها تأييد لتحالف عسكري عربي إسرائيلي- خليجي.
وعلى الرغم من سطوع الصورة الدعائية لدرجة ترقب الجميع اتفاق وشيك على نظام دفاع جوي مشترك. لكن، يبدو أن طموح الدولة العبرية يذهب بعيداً بالنسبة لدول الخليج، التي رفضت إعطاء دفعة لرسالة إسرائيل. فبالنسبة لعواصم النفط، تخاطر الطموحات الإسرائيلية بالكثير ولا تقدم سوى القليل.
تشير كل من آنا جاكوبس محللة دول الخليج بمجموعة الأزمات. ولور فوشير، محللة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / أوروبا بذات المجموعة. إلى رعب تل أبيب من برنامج إيران النووي، حيث تخشى إسرائيل في حال إحياء اتفاق 2015 الذي يقيد النشاط النووي لطهران، أن يحصل نظام الملالي “رجال الدين في ايران” على أموال جديدة كبيرة لإبراز قوتهم في المنطقة.
وإذا انهار “الاتفاق”، فإنه سيعزز احتمالية حصول إيران على قنبلة نووية، الأمر الذي من شأنه زعزعة التوازن العسكري في المنطقة. أمام قدرات إسرائيل -التي لم تعترف بها علنًا أبدًا- وهي الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضا: الشرق الأوسط.. صراعات بامتداد الجغرافيا ومستقبل ينذر بالأسوأ
يقول التحليل: دقت إسرائيل ناقوس الخطر مرارًا وتكرارًا بشأن النفوذ الإيراني المتزايد في الشرق الأوسط. خاصة تعاونها مع الجهات المسلحة غير الحكومية، مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وقوات الحشد الشعبي شبه العسكرية في العراق. لكن، الحديث عن تحالف يجمع عرب الخليج وإسرائيل يبدو أنه سابق لأوانه في أحسن الأحوال.
ضغط إسرائيلي
تزداد العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج قوة. حيث قامت الإمارات والبحرين بتطبيع علاقاتهما مع إسرائيل بشكل سريع، منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم في عام 2020.
زار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، البحرين في فبراير/ شباط، والإمارات في يونيو/ حزيران. وقبلها، أبرمت إسرائيل أول اتفاقية للتجارة الحرة مع دولة عربية هي الإمارات في مايو/ أيار، بينما بدأت محادثات التجارة الحرة مع البحرين. كان السائحون يسافرون في كلا الاتجاهين. ووافقت إسرائيل على بيع نظام دفاع جوي للإمارات، وطائرات بدون طيار وأنظمة مضادة للطائرات بدون طيار للبحرين.
أيضا، أكد مسئول كبير في وزارة الخارجية البحرينية أن الموساد الإسرائيلي “موجود” في المملكة، ومنخرط في تعاون استخباراتي.
رغم كل هذا، تشارك أبو ظبي والمنامة في وجهة نظر عواصم خليجية أخرى. تقضي بأن التحالف العسكري مع إسرائيل ضد طهران سيحمل مخاطر كبيرة للغاية، بفوائد محدودة “ومن ثم، فهم ينأون بأنفسهم صراحةً عن أي شيء من شأنه أن يضعهم في صراع مع إيران. من المرجح أن يستمروا في هذا المسار، سواء نجحت محادثات الاتفاق النووي أو فشلت”.
يشير التحليل إلى أن التحالف العسكري مع دول الخليج العربية هو الركيزة الثالثة لاستراتيجية إسرائيل لمواجهة بروز القوة الإيرانية في الشرق الأوسط. الأولى، هي تطوير خيار عسكري لتوجيه ضربة لمنشآت برنامج إيران النووي بالتنسيق مع الولايات المتحدة. تضغط إسرائيل من أجل دعم هذا الاقتراح، حيث أوضحت إدارة بايدن -حتى الآن- أن الولايات المتحدة لن تستخدم القوة إلا كملاذ أخير.
الركيزة الثانية تشمل الجهود المبذولة لتقويض برامج طهران النووية والصواريخ الباليستية. بما في ذلك من خلال الضغط الاقتصادي الدولي المنسق، والهجمات الإسرائيلية السرية والإلكترونية على المنشآت الإيرانية. فضلاً عن اغتيالات الموظفين الإيرانيين الرئيسيين.
تعاون عسكري مشروط
بالنسبة الركيزة الثالثة، وهي إقناع دول الخليج بالانضمام إلى تحالف عسكري، فترى تل أبيب أنها تخدم أغراضًا متعددة. من خلالها، ستهدف إسرائيل في المقام الأول إلى إنشاء نظام دفاع جوي جماعي، والبناء على القدرات العسكرية المجمعة للحلفاء، وتقديم ثلاث مزايا محددة.
على المستوى العسكري البحت، ستتمكن من الوصول إلى أجهزة استشعار موجودة في دول الخليج. مما سيتيح للقادة الإسرائيليين مزيدًا من الوقت للرد على أي هجوم إيراني. كما أنه من شأن تشكيل التحالف أن يعزز فكرة أن الخيارات العسكرية لإسرائيل تتضاعف، مما يعزز موقفها الرادع.
نقل التحليل عن مسئول أمني إسرائيلي قوله: “تحتاج إيران “القصد مجابهة إيران” إلى رؤية إسرائيل وحلفائها الإقليميين يتقدمون مباشرة إلى حدودها. ورؤيتنا أكثر اتحادًا، بما في ذلك مع الغرب. سيساعدنا التعاون العسكري الإقليمي في هذا الأمر”.
بالفعل، انتهز المسئولون الإسرائيليون فرصة زيارة بايدن ليعلنوا -في تصريحات تضخمت في وسائل الإعلام المحلية- أن دول الخليج ستبدأ قريباً في بناء نظام دفاع جوي مشترك. كانت السياسات المحلية قد أضافت قوة دافعة إلى هذا النهج. فمع اقتراب موعد الانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني، يريد رئيس الوزراء المؤقت يائير لابيد -الذي وصفته المعارضة بأنه غير كفء ناحية الدفاع والأمن- تصوير نفسه على أنه قادر في هذا المجال.
أيضا، لابيد لديه المزيد من الأسباب للتعبير عن آفاق التعاون العسكري الإقليمي. لأن منافسه الرئيسي، بنيامين نتنياهو، لم يتمكن من إبرام مثل هذه الصفقة عندما كان رئيسًا للوزراء من 2009 إلى 2021.
لكن، على هامش رحلة بايدن إلى السعودية، قال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات: “نحن منفتحون على التعاون. ولكن ليس التعاون الذي يستهدف أي دولة أخرى في المنطقة.
وفي مؤتمر صحفي، رفض وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، فكرة “الناتو العربي”. وقال إن المملكة “لم تشارك في أي مداولات حول مثل هذا التحالف”. وأضاف في وقت لاحق أن المملكة مدت يدها لإيران “وأن المحادثات حتى الآن كانت إيجابية، حتى لو لم تسفر عن نتائج بعد”.
اقرأ أيضا: “اقتصاد إبراهيم”.. إسرائيل وشركاؤها العرب الجدد
المصالح دون الضرر
بينما يحاول قادة دول الخليج خفض حدة التوتر مع إيران، لا يرون أن الانضمام إلى تحالف عسكري مع إسرائيل يتماشى مع مصالحهم. يؤكد التحليل أنهم “قلقون حقًا من أن ذلك يمكن أن يلحق بهم ضررًا خطيرًا”.
يقول: إنهم قلقون بشكل خاص من أن ما يرونه نهجًا تصادميًا لإسرائيل تجاه طهران، سوف يستدعي انتقامًا إيرانيًا، قد يصبحون فيه ضحايا جانبية. من جانبها، أوضحت طهران أنها بينما تتسامح مع تطبيع دول الخليج العربية للعلاقات مع إسرائيل. فإنها ستعمل عسكريا، إذا سمحت لإسرائيل باستخدام أراضيها، في عمليات عسكرية أو استخباراتية تستهدف إيران.
وتوضح الباحثتان أن هناك أيضًا اعتبارات سياسية داخلية لدى حكومات دول الخليج. الذين يخشون رد فعل داخليا عنيفا، إذا اقتربت من إسرائيل بسرعة كبيرة. فالتأييد العام لتوطيد العلاقات مع إسرائيل منخفض إلى معدوم، وفقًا لاستطلاع الرأي الأخير الذي أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
كتبتا: على هذه الخلفية، فإن النهج المفضل للإمارات هو موازنة علاقاتها مع إيران وإسرائيل. وبالتالي، ستبني أبو ظبي علاقات اقتصادية وتكنولوجية وأمنية أقل من تحالف عسكري مع تل أبيب، وفي الوقت نفسه ستعزز التعاون الاقتصادي مع طهران. بالفعل، شهدت السنة المالية الإيرانية الأخيرة-المنتهية في 31 مارس/ أذار- أن الإمارات حلت محل الصين كأكبر مصدر للسلع المصنعة. حيث زودت إيران بنسبة 68% من وارداتها غير النفطية.
أيضًا، تحاول السعودية موازنة علاقاتها الأمنية والاقتصادية غير الرسمية مع إسرائيل بجهود الحوار مع إيران.
عند سؤاله عن التطبيع مع إسرائيل خلال زيارة بايدن في يوليو/ تموز، ربط وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، التطبيع بحل القضية الفلسطينية، مستشهداً بمبادرة السلام العربية التي رعتها الرياض عام 2002.
وبينما يقال إن الملك سلمان يعارض التطبيع. لكن في مارس/ آذار/ اتخذ ولي عهده الأمير محمد -الذي يشغل الآن منصب رئيس الوزراء- موقفًا أكثر ليونة إلى حد ما، حيث قال في تصريح صحفي: “نحن ننظر إلى إسرائيل كحليف محتمل ولكن قبل ذلك يجب أن تحل مشاكلها مع الفلسطينيين”.
إصرار تل أبيب
على الرغم من تحفظ الخليج، لا تنفك إسرائيل عن ملاحقة ما تسميه “حلف أطلسي في الشرق الأوسط”. ترى الباحثتان أن عددًا كبيرًا من كبار المسئولين الإسرائيليين يعتقدون أن دول الخليج ستغير موقفها بمرور الوقت، خاصة إذا زاد التهديد الإيراني.
تقولان: يبدو أنهم عازمون على مساعدة هذه العملية، من خلال محاولة إقناع الإماراتيين -وغيرهم- بأن الجمع بين وسائل الدفاع. مثل منح الجيوش الخليجية إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا الرادار الإسرائيلية كجزء من نظام دفاع جوي مشترك، سيكون ذا فائدة مشتركة.
أكد المسئولون الإسرائيليون أنهم لا يسعون إلى جر دول الخليج إلى صدام عسكري مع إيران. لكن ما يقلق قادة الخليج هو أن الصراع بين إسرائيل وإيران قد يكون له تأثير سلبي عليهم سواء أرادت إسرائيل ذلك أم لا. كما تتشاطر دول الخليج القلق من أن الناتو الشرق أوسطي المزعوم سيجعل إسرائيل أقل عزوفًا عن الصراع، وإيران أكثر عدوانية، وتزايد تعرضهم للانتقام الإيراني.
في حديث لبعض المسئولين الإسرائيليين للباحثتين. أعربوا عن انطباعهم بأن حكومات الخليج تشارك إسرائيل مخاوفها بشأن القوة العسكرية المتنامية لإيران، لكنها تفتقر -على حد تعبير أحد المسئولين- إلى “أي بديل سوى متابعة الحوار مع طهران”. وأشاروا إلى أن دول الخليج معوقة بشكل خاص، لأنها لا تملك القدرة الخاصة بها لردع إيران عسكريًا.
وعلقتا: يدرك هؤلاء المسئولون أن التحالف الإقليمي لن يساعد بالضرورة دول الخليج في هذا الصدد. لأن لا إسرائيل ولا حلفاؤها الغربيون سوف يمنحوهم قدرات ردع كافية. خاصة في غياب تغيير في عقيدة التفوق العسكري النوعي طويلة الأمد، التي لا تزال الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية ملتزمة بها. وتفترض أن هذه القوى ستدعم إسرائيل في الحفاظ على ميزة عسكرية وتكنولوجية على جيرانها.