تقف أمام المرآة تنظر لجسدها. تمر بعينيها حتى تصل إلى ذلك الخط الفاصل أسفل البطن. تتحسسه بيدها. تتلمس معه شعور الألم الذي عايشها، ويذكرها بلحظات الإجبار على ولادة قيصرية. لم يستشرها أحد أو يشركها في قرار كانت الوحيدة المتضررة منه.
سارة علي، تبلغ من العمر 38 عامًا، وضعت طفلها الأول في تجربة وصفتها بأنها “غير محببة”. ما نتج عنه عزوف تولد لديها لـ 8 سنوات عن فكرة الإنجاب.
“في المرة الأولى لما حملت كان عندي 28 سنة. تابعت مع دكتور نسا زي أي ست في بداية الحمل. للأسف الدكتور كان بيتعامل معايا على إني جماد. يكشف عليا ويكتب الدوا وخلاص. أنا كنت فاكرة إن ده العادي”.
ولادة قيصرية بالإجبار
متاعب الحمل التي عاشتها سارة خلال 9 أشهر، أضيفت إليها متاعب جديدة. “في الشهر التاسع لما روحت للدكتور كشف عليا وحدد ميعاد للولادة بعد أسبوع. طلب مني أجي في الوقت المحدد مع تحاليل معينة أعملها. وقتها خرجت من عنده مش فاهمة حاجة. بسأل جوزي: هو ليه مسألنيش أحب أولد طبيعي ولا قيصري؟ وليه قرر من نفسه؟ فرد عليا جوزي: ده دكتور وأكيد عارف شغله كويس”.
ذهبت سارة للمنزل، وحاولت الاتصال بالطبيب لسؤاله عن إمكانية الولادة الطبيعية. “رد عليا وهو بيشخط فيا وبيقول لي: أنت هتعرفي أكتر مني. وقتها تخيلت إن ده العادي، وإن أنا اللي أسئلتي كتيرة. قررت أرضخ للأمر الواقع”.
في اليوم المحدد للولادة، ذهبت سارة صحبة زوجها ووالدتها. بدأت تشاهد الوافدين على المستشفى الخاص بالطبيب. “كانوا كمن يتحركون بشكل أوتوماتيكي. كنت بشوف السيدات داخلة للولادة القيصري على طول وكأن ده الأصل والأساس”.
أجرت سارة الولادة، وغادرت بطفلها الأول، وجرح أسفل بطنها، تتحسسه يوميًا وتشعر بألمه. “بعد الولادة فضلت أسبوع مش بتحرك والجرح بيألمني بشكل فظيع. بدأت أسال صحباتي اللي ولدوا قبل ده: هو ده عادي وطبيعي إن الدكتور ميسألنيش أحب أولد طبيعي ولا قيصري؟ اكتشفت إن ده حقي والدكتور حرمني منه. كمان حرمني من فرصة ولادة طبيعية”.
تنهي الولادة القيصرية أي أمل جديد في إجراء ولادة طبيعية. لذلك، ظلت سارة لمدة 8 أعوام لا ترغب في الحمل والولادة مجددًا. “فضلت 8 سنين مش عاوزة أخلف. كل ما أدخل أخد شاور أو أغير هدومي وأشوف الخط اللي مش بيروح من تحت بطني أحس بالخوف وقلبي يتقبض، لحد مواحدة صحبتي أقنعتني أروح لدكتور تاني. روحت فعلاً وكانت المعاملة مختلفة مع حد بيسألني في أدق التفاصيل وبيشركني فيها، وبيعرفني على كل حقوقي”.
اقرأ أيضًا: “الولادة القيصرية” في مصر.. حل طبي أم “سبوبة”؟
نسبة مرعبة للولادة القيصرية بمصر
تضاعف معدل الولادات القيصرية على مستوى العالم في الفترة ما بين عام 2000 وعام 2015. وتخضع النساء في جمهورية الدومينيكان للجراحة في 50% من حالات الولادة، في حين تصل هذه النسبة إلى 32.6% في الولايات المتحدة، و26.2% في المملكة المتحدة. أما في غرب أفريقيا، فلا يتعدى معدل الولادات القيصرية 4.1% من إجمالي الولادات، وفقًا لتقرير نشرته “بي بي سي” في 2019. وترفض بعض النساء في نيجيريا إجراء هذه العملية حتى لو كانت ستنقذهن من الموت.
وذكرت منظمة الصحة العالمية أن معدل الولادات القيصرية في الدولة لا ينبغي أن يقل عن خمسة في المئة، للحيلولة دون وقوع وفيات لدى الأمهات اثناء الولادة، وذلك لأن الولادة القيصرية قد تكون طوق النجاة في حالة تعسر الولادة، سواء بسبب ضيق الحوض، أو كبر حجم الجنين أو إذا كان الجنين في وضع مقلوب، وفي هذه الحالة، يصبح التدخل الجراحي ضروريا لمنع تمزق الرحم، أو تشقق الأنسجة أو الأوعية الدموية التي قد تسبب نزيفًا حادًا قد يودي بحياة الأم، لكنها تنتشر في مصر بنسب تتعدى 63% وفق تقرير لصحيفة “الجارديان” في 2018.
وأوضحت دراسة أعدها الدكتور طارق توفيق، نائب وزيرة الصحة والسكان لشؤون السكان شملت مسحاً لمعدلات الولادة القيصرية خلال الفترة ما بين 2008 و2017، وفقاً لمعدلات المسح السكانى، إن معدلات الولادة القيصرية فى مصر زادت 4 أضعاف المعدلات العالمية.
اقرأ أيضًا: الحوامل في زمن كورونا.. قلق وغضب وامتناع عن النوم
وأثبتت الدراسة أن نسبة الولادة القيصرية بين السيدات الحاملات لشهادات عليا 58.5%، بينما وصلت النسبة بين السيدات الحاملات لشهادات تعليم متوسط 46.4%، فيما بلغت النسبة بين السيدات الحاملات لشهادة التعليم الأساسى 43.5%، أما السيدات غير المتعلمات وصلت النسبة إلى 37%، كما أن الحالة الاقتصادية للمرأة تلعب دوراً مهماً فى موضوع الولادة القيصرية، فوفقًا للدراسة فإنه كلما زادت الحالة الاقتصادية للمرأة، زاد نسب لجوئها للولادة القيصرية.
منى عبد التواب، تبلغ من العمر 42 عامًا، تعرضت لتجربة مشابهة. “أنا عندي طفلين، ولدتهم طبيعي، والدكتورة اللي بتابع معاها كانت بتشاركني القرار وتستناني لحد ميعاد الولادة، بس للأسف، لأنها سافرت بره مصر، لجأت لدكتور تاني من ترشيحات قرايب ليا، وفي البداية كان يبدو كويس وبيسمع ومتفهم للحالة”.
أبلغت منى الطبيب، انها ترغب في الولادة الطبيعية، وقال لها إن حالتها ستحدد الولادة المناسبة لها. “أنا بترعب من الولادة القيصرية وفتح البطن، ومقدرش أتخيل أن ممكن حد يفتح بطني ويخيطها، علشان كده أكدت على الدكتور إنه عاوزة أولد طبيعي، وقالي ماشي، وهنشوف لو ينفع، وأنا كنت متأكدة إنه هينفع لأن أنا ولدت مرتين طبيعي فإيه اللي هيمنع”.
بمشرط الاستسهال شقوا طريق الصغير
مرت شهور الحمل بسلام مع منى، مع أعراض وأوجاع عادية.
“في أول الشهر التاسع، روحت المتابعة العادية، الدكتور طلب مني أجي الأسبوع الجاي ومعايا تحاليل، فقلت إجراء عادي وبنتطمن، روحت في الميعاد، قالي يالا هتولدي وكلمي حد من أهللك يكون معاكي، استغربت جدا وقلت له أنا لسه مش حاسة بطلق، ولسه في أول التاسع، قالي ما هو انت هتولدي قيصري، علشان الحوض بتاعك ضيق”.
تلقت الأم صدمة، وانتابتها مشاعر خوف وقلق. “اتصلت بجوزي وحماتي واخواتي وجم وكلهم كأنوا بيأيدوا فكرة الولادة القيصرية ويالا نفتح ونخلصن ولقيتهم بيتكلموا مع الدكتور في الأتعاب، وأنا كأني مش موجودة، وكأن مش جسمي ده اللي هيمشوا فيه مشرط يتفتح”.
أجرت الأم الولادة بعد ضغط من الطبيب والأسرة. “أنا مكنش قدامي حل، مكنتش أقدر أدور على دكتور تاني لأن الحمل يعني متابعة وحد يكون متابع الحالة، بس أنا أجبرت على حاجة مش عاوزاها، أجبرت بطني تتفتح برغبة من الدكتور علشان ياخد فلوس أكتر، وعلشان الموضوع عنده بيزنس، وفلوس زيادة، مع إن الأصل الولادة الطبيعية وده في العالم كله. لكن في مصر الحل السهل للدكاترة هو فتح البطن”.
الدراسة، التي أعدها نائب وزيرة الصحة والسكان لشؤون السكان، أوضحت أن نسبة الولادات القيصرية تبلغ أعلى معدلاتها فى حضر الوجه البحرى بنسبة 70.6% مقابل 57.8% فى ريف الوجه البحرى، بينما بلغت نسبة الولادات القيصرية بين السيدات فى حضر الوجه القبلى 50.8% مقابل 35.9% فى ريف الوجه البحرى، كما بلغت نسبة الولادات القيصرية فى المناطق الحدودية 41%.
ولادة بدون ألم
مصير مختلف واجهته سعاد الهادي (30 عامًا)، في حملها الأول. إذ إنها بعد زواجها وحملها رغبت في التعرف أكثر عن الولادة بدون ألم. “بعد الحمل سألت كتير عن دكاترة نسا كويسين أتابع معاها، وبالفعل صاحبتي رشحت لي طبيب كويس قريب من بيتي، وروحت له، واتكلمنا عن بداية الحمل، وكشف عليا، وسألته عن الولادة بجون ألم، وقتها بص لي بصة بسخرية كده، وقالي هو انت جاية من بره مصر ولا إيه”.
اطلعت سعاد على العديد من الأبحاث والكتابات حول الولادة بدون ألم، والتي تطبق في مناطق مختلفة، وهي ولادة طبيعية تحقن خلالها الأم بالبنج حتى لا تشعر بالألم، لكنها تتمكن من الولادة الطبيعية.
“للأسف أنا لفيت على دكاترة كتير، وكلهم كان الخيار الأول عندهم أولد قيصري لأنه أسهل وأريح، بس أنا مش عاوزة ده، أنا عاوزة الأصل، وفصلت كده لحد ملقيت فعلا دكتورة بتطبق النظام ده في مصر، بعد لف كتير، بس أنا قررت إن الولادة تكون بإرادتي والشكل اللي أنا عاوزاه”.
طبيب: طريقة الولادة من حقوق المريض
الدكتور حسن جعفر أستاذ النساء والتوليد، قال إن قرار الولادة قرار مشترك بين الأم والطبيب، ولا يمكن للطبيب أن يأخذه منفردًا، مشيرًا إلى أنه هناك العديد من الحالات تحتاج التدخل الطبي والولادة القيصرية، ولكن هناك حالات أخرى يمكن اللجوء خلالها للولادة الطبيعية.
ويستنكر جعفر اعتبار العديد من الأطباء الولادة بأنها عملية تجارية، واللجوء للولادات القيصرية دون الحاجة، لأن تكلفتها المادية أكبر من الولادة الطبيعية، كما أنها تختزل الوقت، مضيفًا أن من حق المريضة أخذ فرصتها كاملة في الولادة، وتحديد الشكل المناسب لها، لافتًا فهناك سيدات يرغبن من البداية في الولادة القيصرية خوفًا من الألم. وهنا لابد من شرح نوعين الولادة للسيدة الحامل، وتوضيح الأمر لها جيدًا، ثم ترك حرية الخيار لها.