يبدو العالم على مشارف أزمة غذاء جديدة، بعدما تسبب الطقس الجامح الذي ضرب مساحات واسعة من دول العالم في تدمير ملايين الأفدنة المزروعة بمحاصيل استراتيجية، وسط استمرار تفاقم متحورات كورونا، التي استنزفت الكثير من طاقات الحكومات. وقلصت من فرصها في الاستعداد لأسوأ موجة أمطار منذ سنوات.
فيضانات
تواصل الفيضانات للشهر الثاني على التوالي ضرب عدة دول منتجة للغذاء في العالم. وآخرها كوريا الشمالية التي تعرضت للغمر الكامل مع تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية. خاصة بعد انهيار عدة سدود تشبع التربة وعجزها عن التصريف.
وضربت الفيضانات أيضا عدة دول مثل ألمانيا وبلجيكا وسويسرا. نتيجة ارتفاع منسوب مياه الأنهار، كما أسفرت عن خسائر في الهند والصين. وتسببت في انزلاقات التربة والرياح العاتية في اقتلاع أشجار الفاكهة، وتقليل نوعية الأراضي وإمكانيات الإنتاج وإصابة الأراضي الزراعية بالملوحة.
وبينما تضرب الفيضانات أجزاء من العالم، تشهد مناطق أخرى ارتفاعا كبيرًا في درجات الحرارة واشتعال الحرائق، فالولايات المتحدة الأمريكية شهدت أكثر من 80 حريقًا ضخمًا للغابات في ولايات الغرب المعروفة بالنشاط الزراعي، أسفرت عن تدمير حوالي 1.4 مليون فدان من الأراضي، كما اندلعت حرائق شبيهة في قرى تركيا ومناطق في إيطاليا واليونان.
تأتي موجات الطقس المتطرف، وسط تزايد معدل الإصابات بفيروس كورونا ومتحوراته عالميًا والتي يتوقع أن تؤدي أيضًا إلى المزيد من نقص الغذاء عالميًا، وارتفاع عدد الجوعى، وغير القادرين على الوصول للطعام إلى 3 مليارات نسمة على مستوى العالم.
وأكدت منظمة الصحة العامية أن المتحور «دلتا» من فيروس كورونا الشديد هو السلالة الأكثر هيمنة خلال الأشهر المقبلة. وأصبح مسئوًلا عن أكثر من 75% من الإصابات الجديدة في عدد من الدول الكبرى بين 124 دولة وإقليماً. مقابل 180 دولة يتفشى فيها “ألفا” الذي ظهر في بريطانيا و130 دولة لـ”بيتا”. الذي ظهر بجنوب إفريقيا، و”جاما” الذي انتشر في 78 دولة وظهر للمرة الأولى في البرازيل.
وحسب مقر الإغاثة الصيني من الفيضانات، فإن ولاية جيانجشي تضرر بها 1.7 مليون فدان من المحاصيل. بخسائر اقتصادية مباشرة بلغت 1.04 مليار يوان “حوالي 160.68 مليون دولار”.
ارتفاعات كبيرة
ووفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الأسعار ترتفع سريعًا عبر قطاعات واسعة في الدول النامية. مع ارتفاع معدلات التضخم في الدول الأعضاء بالمنظمة التي تضم 28 دولة. لأعلى معدل منذ عام 2008 أبان الأزمة الاقتصادية المالية العالمية بصدمة هائلة للاقتصاد العالمي.
وفي أمريكا، ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 4.2% بأبريل مقارنة مع 2.6% في مارس. بينما تسارع معدل التضخم في كندا إلى 3.4% من 2.2%، فيما شهدت أوروبا زيادات متواضعة في أبريل. حيث ارتفع التضخم إلى 1.6% في بريطانيا و2% في ألمانيا و1.2% في فرنسا و1.1% في إيطاليا.
وقفزت أسعار الغذاء عالميًا بأكثر من %34 خلال النصف الأول من العام الجاري مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. بينما تسود تخوفات عالمية من تراجع محاصيل استراتيجية كالشوفان في أمريكا. الذي سجل أدنى مستوى له منذ عام 1866 بسبب ظروف الجفاف وارتفاع درجة الحرارة. كما شهدت الأسعار الآجلة للقمح عند أعلى مستوى لها في تاريخها.
ارتفعت أسعار القمح والذرة بنسبة 16% و60% على الترتيب. بينما صعد زيت فول الصويا بنسبة %124 والذرة %62 والسكر %47 واللحوم %21 واللبن البودرة %20 والأرز حوالي %8. كما تسببت أزمة الشحن العالمية أيضًا في ارتفاع تكاليف واردات الغذاء على الدول المستوردة إلى 1.7 تريليون دولار. فيما أكدت منظمة “الفاو” أن كورونا عرت الطبيعة غير المرنة لاستهلاك الغذاء وارتفاع الأسعار منذ أواخر عام 2020.
قفزة للزيوت
وأكد تقرير “الفاو” أن متوسط ارتفاع أسعار الزيوت النباتية سجل أعلى مستوى له، بسبب انخفاض الإنتاج. وزيادة الطلب لزيت النخيل والصويا ودوار الشمس، وانحسار المعروض من دول أميركا الجنوبية. وتراجع الإنتاج في الاتحاد الأوروبي، وفرض رسوم على التصدير في إندونيسيا.
وتستورد مصر 98% من احتياجاتها لسد العجز بين الإنتاج والاستهلاك من زيت الطعام. وتصل احتياجات مصر من الزيوت سنويًا لنحو 2.6 مليون طن سنويا. نستورد منها ما يقارب 2.1 مليون طن من الزيت.
ويقول خبراء اقتصاد إن مصر ستتأثر بارتفاعات أسعار الغذاء عالميا باعتبارها من الدول المستوردة للعديد من السلع الاستراتيجية. وبدأت بالفعل التحوط بالتعاقد على شراء شحنات كبيرة من القمح أخرها 60 ألف طن قمح روماني. يتم شحنها في الفترة من 24 سبتمبر إلى 4 أكتوبر المقبل. كما أعلنت عن مناقصة عالمية جديدة للشحن في 24 سبتمبر إلى 4 أكتوبر 2021.
يقول الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد، إن الصدمات الخارجية الأسعار الغذاء لها انعكاسات على الأسعار عالميًا باعتبارها تقلل المعروض من المحاصيل وبالتالي ترفع أسعارها.
وأضاف أن الدولة تعتمد على سياسة الإحلال حاليا لمواجهة ذلك الارتفاع عبر الاهتمام بالزراعة ووضع خطط لتقليل الاستيراد من المحاصيل الاستراتيجية. بجانب ترشيد الدعم الذي انعكس على حجم الاستهلاك المحلي وبالتالي يقلل من حجم الواردات الكلية.
إنشاء الصوامع
وتوسعت مصر خلال السنوات الأخيرة في إنشاء الصوامع التي وصلت طاقتها التخزينية حاليًا إلى 3.4 مليون طن مقابل 1.2 طن عام 2014. واستهدفت استلام حوالي 4 ملايين طن قمح محلى خلال موسم الحصاد الذي انتهى في 15 يوليو الماضي. بينما ما تم توريده فعليًا 3.6 مليون طن.
وبلغت واردات مصر من الذرة نحو 946 مليونًا و424 ألف دولار في أبريل الماضى، مقابل 746 مليونًا و930 ألف دولار في نفس الشهر عام 2020. بزيادة بلغت 199 مليونًا و494 ألف دولار. كما قفزت واردات فول الصويا لتبلغ 266 مليونًا و933 ألف دولار مقابل 123 مليونًا و910 آلاف دولار خلال فترة المقارنة. بزيادة قدرها 143 مليونًا و23 ألف دولار.
تستورد مصر 5 ملايين طن ذرة صفراء وفول صويا سنويا للقطاع الداجني والحيواني. وعقدت اتفاقات مع المزارعين على شراء إردب الذرة الصفراء بمبلغ 450 جنيهًا ما يوازي 3200 جنيه للطن. خلال العام الحالي لتشجيعهم على الزراعة وتقليل فاتورة الاستيراد من الخارج.
وزرع الفلاحون المصريون نحو 3 ملايين فدان ذرة في 2019. لكنها لا تصل إلى مرحلة التصنيع مع إتباعهم أسلوب جديد بطحن الأعواد مع الثمار كاملة. لتقليل تكلفة أسعار الأعلاف.
وتسببت موجة ارتفاع الأسعار عالمًيا في قفزة غير مسبوقة بأسعار الأعلاف محليا في مصر. ليسجل “كُسب” الصويا 8 آلاف جنيه، وكٌسب العباد المستورد (بروتين %36) 6300 جنيه. وطن الردة 4800 جنيه (وهي أفقر أنواع الأعلاف في البروتين)، ما يرفع معه أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء.
تستورد مصر نحو 75% من احتياجاتها من الفول في ظل مساحة مزروعة منه تكفي فقط لإنتاج 70 ألف طن بينما يبلغ الاستهلاك 400 ألف طن. لكن تراهن وزارة الزراعية على مشروعات الدلتا الجديدة. والمليون ونصف المليون فدان في الاقتراب من الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية.
مشروعات جديدة
وبحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار لمجلس الوزراء وإنجازات الحكومة لعام ٢٠٢٠، حققت مصر نسبة ١٠٠٪ من الاكتفاء الذاتي للخضروات بإنتاج بلغ ٢٠،٥ مليون طن. والفاكهة بنسبة اكتفاء ذاتي ١٠٠٪ بإنتاج ١٠،٧ مليون طن، والأرز بنسبة اكتفاء ذاتي ١٠٠٪ بإنتاج بلغ ٦،٥ مليون طن. والألبان بنسبة اكتفاء ذاتي ١٠٠٪ بإنتاج بلغ ٧ ملايين طن. وبيض المائدة بنسبة اكتفاء ذاتي ١٠٠٪ بإنتاج بلغ ١٣ مليار بيضة. ودواجن التسمين بنسبة اكتفاء ذاتي ٩٦٪ بإنتاج بلغ ١،٤ مليار طائر، والأسماك بنسبة اكتفاء ذاتي ٩٠٪ بإنتاج بلغ ٢ مليون طن.
وسجلت مصر زيادة في صادرات السلع والفاكهة خلال السنوات الماضية، خاصة الفاكهة بحجم الإنتاج منها 10.7 مليون طن. ويبلغ الفائض التصديري لها 2.1 مليون طن. والتمور ويبلغ حجم الإنتاج منها 1.7 ملايين طن ويبلغ الفائض التصديري لها 45 ألف طن. والخُضر يبلغ حجم الإنتاج منها 25.5 مليون طن ويبلغ الفائض التصديري لها 1.1 مليون طن.
كما تصدر مصر محصولي البصل والثوم بحجم إنتاج 4 ملايين طن للأول ويبلغ الفائض التصديري لها 580 ألف طن، و700 ألف طن للثاني بفائض تصديري 30 ألف طن.
الدلتا الجديدة
يقول حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن الدلتا الجديدة ستعيد الريادة الزراعية لمصر مع زيادة الرقعة لنحو 2 مليون فدان على الأقل. بطرق زراعة حديثة وطرق ري متطورة وتكاملية، متوقعا أن يتغير وضع الاستيراد بمصر مع ضخامة المشروعات الزراعية الجديدة بمصر. لتحقيق أقصي استفادة من وحدتي الأرض والمياه لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية ومواكبة التضخم السكاني الكبير، والحد من استيراد السلع الغذائية الزراعية.
تستهلك مصر 2.6 مليون طن من الأرز سنويًا في حين تم إنتاج نحو 5.7 مليون طن خلال عام 2020 من محصول الأرز. على أن يتم تصدير نحو 3 ملايين طن من الفائض أو تخزينه، حيث يبدأ الموسم الجديد في سبتمبر من كل عام.
توقع تقرير حديث صادر عن منظمة التجارة العالمية، أن يصل إجمالي حجم إنتاج مصر من السكر 3 ملايين طن خلال العام الجاري. مقابل استهلاك نحو 3.4 مليون طن عن الفترة ذاتها.
لكن وزارة التموين والتجارة الداخلية، توقعت تحقيق اكتفاء ذاتي كامل من السكر خلال عام 2022. بفضل الاستثمارات العربية في مجال زراعة البنجر واستخراج السكر.
يقول نقيب الفلاحين إن أزمة الزيوت في طريقها للحل أيضًا بعد نجاح استزراع نبات “الكانولا” غرب المنيا. ويحتل المرتبة الأولى في استخدامات الزيوت في كندا وثاني أكثر الزيوت استخدامًا في أمريكا. ويستطيع تحمل العطش والجفاف مع قابلية الزراعة في المناطق الجديدة.