كتب- عاطف سعد
تعاني منظومة التعليم في مصر نقصًا حادًا في أعداد المدرسين، يقدر بمئات الآلاف (أكثر من 300 ألف معلم)، حسب تصريحات للوزير السابق الدكتور طارق شوقي. في وقت يخرج أكثر من 50 ألف معلم سنويًا للمعاش، وفق تصريحات سابقة لخلف الزناتي نقيب معلمي مصر ورئيس اتحاد المعلمين العرب. وهي أزمة تتفاقم في ظل وقف التعيينات منذ أكثر من عشر سنوات (تم تعيين 30 ألف معلم منذ العام 2015)، في مقابل الاعتماد على مسكنات التطوع والعمل بالحصة واللجوء إلى الموجهين، حتى شارفت منظومة التعليم في مصر أن تتحول إلى “تعليم بلا معلمين”.
ويبلغ عدد الطلاب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي أكثر من 24 مليون طالب، نحو 90% منهم في المدارس الحكومية، وما يقرب من نصفهم تقريبًا في المرحلة الابتدائية. ذلك في مقابل ما يقرب من مليون معلم يعملون في مجال التعليم، أكثر من 40% منهم يدرّسون في المرحلة الابتدائية. ويضيف العاملون من غير المعلمين، بما في ذلك إدارة المدرسة والمشرفون وأطقم الصيانة 500 ألف شخص آخر إلى النظام.
اقرأ أيضًا: التعليم في مصر.. هل الأزمة طارق شوقي؟ (تقرير مدعوم بالبيانات)
وقد سجل آخر عجز في عدد المدرسين حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي 363 ألفًا و510 مدرسين، وفق تصريحات للأمين العام للنقابة العامة للمعلمين محمد عبد الله في أغسطس/ آب الماضي. وهو رقم يوضح نسبة العجز في المنظومة التعليمية، التي إلى الآن تواجه صعوبات في حل حقيقي بلا مسكنات.
ترشيد يضر
في أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اشتكى الوزير السابق الدكتور طارق شوقي وقف التعيينات، خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، حيث أبدى رغبته في استثناء الأطباء والمعلمين من عدم التعيين في الجهاز الإداري، الذي أقرته الحكومة ووافق عليه النواب ترشيدًا للنفقات.
وأمام هذا القرار حاول الوزير إمساك العصا من منتصفها، فلجأ إلى الإعلان عن تعاقدات بالحصة، ولكن دون حقوق للمعلم في التعيين أو المطالبة به بعد فترة، وبحد أقصى لعدد الحصص أسبوعيًا لا يتعدى الـ24 حصة، ليكون إجمالي دخل المعلم حوالي 1900 جنيه بعد استقطاعات تأمينية. وهو الاقتراح نفسه الذي لجأ إليه وزير التربية والتعليم الحالي رضا حجازي، أحد أهم معاوني شوقي الوزير السابق. رغم اعترافهما بأن التطوير في المنظومة التعليمية يكتمل بتحسين أحوال المعلم وزيادة الموارد المالية.
وقد حذر البنك الدولي من تراجع حجم الإنفاق على التعليم في مصر. وذكر أن هذا التراجع سيؤدي إلى نقص أعداد المعلمين والفصول. كما أشار إلى أن نقص المعلمين واكتظاظ الفصول الدراسية أديا إلى انخفاض جودة التعليم.
ويبلغ متوسط نسبة المعلمين إلى الطلاب في المدارس الابتدائية الحكومية حاليًا واحد إلى 32، وتنخفض إلى 17 في المدارس الثانوية. ولا تحتوي النسبة المثالية بين الطلاب والمعلمين على عدد محدد ومقبول عالميًا، لكن يتفق عديد من الخبراء على أن النسبة المثالية بين المعلمين والطلاب هي واحد إلى 18. إذ تمكن هذه النسبة المعلمين من تعزيز بيئة تعليمية إيجابية وتقديم مساعدة متخصصة. كما أن التحصيل لدى الطلاب يتحسن في الفصول الأصغر ومع النسب الأقل بين الطلاب إلى المعلمين.
البداية المشروطة
وضع كتاب وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني الصادر عن “قطاع الأمانة العامة” تعليمات خاصة لسد العجز في المؤهلات العليا التربوية، بالعمل بنظام الحصة، وبما لا يتجاوز قيمة 20 جنيهًا للحصة الواحدة، استعدادًا للعام الدراسي 2022/ 2023 في المرحلتين الابتدائية والإعدادية.
وقد تضمن نظام العمل بالحصة اشتراطات قاسية، مثل أن يكون المتقدم للعمل حاصلًا على مؤهل عالي تربوي أو مؤهل عالي، بالإضافة إلى دبلوم تربوي في التخصص المراد العمل به. وتقديم ما يفيد بأن المتقدم لديه خبرة في التدريس، ويفضل من لديهم خبرة عمل سابقة، مع تقديم شهادة الخدمة العسكرية بالنسبة للذكور وشهادة الخدمة العامة للإناث. ذلك إلى جانب شرط آخر غريب، وهو الإقرار كتابة بعدم المطالبة مستقبلًا بالتعيين أو التعاقد على الموازنة العامة للدولة، وذلك لغرض تفويت الفرصة على العاملين بالحصة في المطالبة بالتعيين لاحقًا.
الأزمة أساسها مادي
يقول محمد عبد الله، الأمين العام للنقابة العامة للمعلمين إن أساس أزمة المعلمين في مصر يرتكز على الجانب المادي، والوزير رضا حجازي يعلم تفاصيل المشكلة كاملة لأنه كان معلمًا، ولعل هذا ما دعا أبناء المهنة إلى الابتهاج بتعيينه.
ويشير عبد الله إلى الضغوط التي يفرضها العجز الرهيب في العدد على المعلمين، فيضيف: “منهم من يتحمل أكثر من طاقته، فيدرّس في الأسبوع أكثر من 30 حصة، بزيادة 10 حصص عن قدرته، ما يعني استنفاد قدرات المعلم”. وهو يرى أن الحل ليس في التعاقد بالحصة، بل بإجراء تعيينات للمميزين عن طريق مسابقات فعلية بشروط مناسبة.
أحمد دياب عبد المولى، 24 سنة، حاصل على بكالوريوس تربية، وهو ضمن آلاف من الخريجين غيره، راغبون في العمل بالتدريس، لكنهم بفعل قرار وقف التعيين يضطرون إلى العمل ولو بالحصة. لكنهم لا يخفون رغبتهم بالاستقرار الوظيفي.
تقول شيماء فهمي عبد المطلب، 28 سنة، بكالوريوس تربية طفولة، في حديثها لـ”مصر 360″: “حتى العمل بالحصة بات أمرًا شاقًا وغير مجد ومقابل أجر بخس ودون استقرار.. الموضوع كله عبارة عن الذهاب للمدرسة للعمل بأجر زهيد (ببلاش) وتجربة الحظ وسط الطلاب، يمكن شرحي يعجب كام طالب فيطلب أولياء أمورهم إعطائهم دروسًا خصوصية”.
توضح “شيماء” طريقة حساب مكافأة العاملين بالحصة، فتقول: “عدد الحصص شهريًا يضرب في 20 ويضاف إليه 17.25 جنيه مزايا تأمينية، لأن الحد الأدنى للتأمينات 1400 جنيه والصرف يتم بحوالات بنكية”.
تحذير البنك الدولي
يرى البنك الدولي ضرورة مراجعة كيفية تحقيق مستهدفات الإنفاق على التعليم. إذ تعتمد عملية تخصيص الأموال في موازنة التعليم بشكل كبير على مقدار الأموال التي جرى إنفاقها في السنوات الثلاث الماضية. وهذا يجعل تمويل القطاع غير فعال، لأن عدد الطلاب، وعدد المعلمين المطلوب، والتقدم المحرز في استراتيجيات تعليمية محددة لا يؤخذ في الاعتبار، ويجعل هذا النهج من الصعب للغاية مطابقة أولويات التعليم الوطني وأهدافه مع الموارد غير الكافية.
وفي تقريره الأخير، أشار البنك إلى أن زيادة الاستثمار في التعليم الابتدائي وتدريب المعلمين المؤقتين يجب أن يكون على رأس قائمة الأولويات.
وفي نشرته السنوية حول التعليم قبل الجامعي للعام الدراسي 2019/2018، كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد التلاميذ بلغ 24.2 مليون تلميذ بمراحل التعليم قبل الجامعي في 2018/ 2019 مقابل 23.2 مليون تلميذ في 2017/ 2018 بزيادة 4.3% من إجمالي التلاميذ، بينما على الجانب الآخر بلغ عدد المدرسين نحو 1.21 مليون مـدرس عام 2018/ 2019 مقابل 1.19 مليون مدرس عام 2017/ 2018 بزيادة 1.0% من إجمالي المدرسين.
اقرأ أيضًا: “التعليم”.. باب الخروج الأول من أزمة مصر الراهنة (1 – 2)
وبحسب النشرة، فإن أعداد المعلمين لا تتناسب مع زيادة أعداد الطلاب الكثيرة. وقد أشار الجهاز إلى ضرورة توفير الميزانية التي نص عليها الدستور، وتبلغ 4% من إجمالي الناتج القومي بإجمالي 150 مليار جنيه، بما يساهم في حل مشكلات عدة متعلقة بالعملية التعليمية، وعلى رأسها عجز التخصصات. خاصةً في مواد اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم (باللغة الإنجليزية)، لمراحل رياض الأطفال والابتدائي والإعدادي.
تقدم فايز بركات عضو لجنة التعليم بمجلس النواب سابقًا (فبراير/ شباط 2020) بطلب إحاطة موجه إلى وزير التربية والتعليم والتعليم الفني طارق شوقي آنذاك، بشأن أزمة العجز في المدرسين التي تتجدد كل عام.
وتضمنت الإحاطة البرلمانية وقتئذ الحديث عن سوء توزيع المعلمين على الإدارات المختلفة، ما يؤدي إلى وجود أزمة في عدد من المدارس، وفائض في أخرى، ما يؤثر على سير العملية التعليمية بشكل عام.
وكان من أبرز الحلول ضرورة عودة تكليف خريجي التربية نظرًا لتأثير توقف تكليف خريجي التربية على تدني نوعية الخريج، لأن التوظيف كان يدفع ببعض المتميزين إلى المهنة والرقي بها وسد العجز في أعداد المعلمين.