في عام 2013 رصدت الحملة الشعبية المجتمعية للرقابة علي الآثار والتراث، والمعنية برصد الانتهاكات و التعديات على المواقع الأثرية، مقطع فيديو على موقع “يوتيوب” يظهر فيه (دومينيك جورتز) أحد الباحثين الألمان، داخل غرفة الدفن الكبرى بالهرم الأكبر، وهو بأخذ عينة من “خرطوشة الملك خوفو”. وهي عبارة عن شكل بيضاوي مكتوب عليه اسم الملك خوفو بالحبر الأحمر.
ادعت الحملة آنذاك أن الباحث الألماني سرق العينة وسافر بها لتحليلها في محاولة لإثبات أن الهرم الأكبر ليس من بناء المصريين.
على إثر هذه الواقعة، تقدم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ببلاغ للنائب العام ضد كل من: وزير الدولة لشؤون الآثار, رئيس قطاع الآثار المصرية، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مدير منطقة الهرم الأثرية، وزير الداخلية، رئيس قطاع شرطة السياحة والآثار، مأمور قسم الهرم. حيث اتهمهم البلاغ بالتراخي في ممارسة واجبهم القانوني والوطني بتوفير الحماية اللازمة لأهم المواقع الأثرية المصرية.
وتساءل البلاغ عن كيفية دخول الباحث الألماني لغرفة الدفن، علمًا بأنها غرفة الدفن الخامسة في قمة الهرم، و يلزم لدخولها وجود سلم وحبل يصل طوله إلي 10 أمتار كما يلزم لدخول تلك الغرفة تصريح من وزارة الآثار وموافقات من الأمن الوطني، وهي ممنوعة عن الباحثين في أغلب الحالات، فكيف استطاع الباحث الألماني أن يصل إليها بمعدات تسلق وبحث وتصوير وفريق عمل كامل ليقوم بسرقة العينة؟
تكشف هذه الواقعة عن اهتمام المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذي تأسس في العام 2009، بواجب آخر من واجبات الدفاع عن حقوق الإنسان، وهو الحق الثقافي وحماية التراث والآثار، وعدم الاكتفاء فقط بالدفاع عن الحقوق التقليدية كالصحة والتعليم والسكن والتقاضي، والتصدي للانتهاكات، كما هو مشاع عن أداء المنظمات الحقوقية.
الحقوق الثقافية وحماية التراث والآثار هي الأخرى ظلت حاضرة على أجندات المنظمات الحقوقية في مصر، خاصة خلال العقدين الأخيرين. وهي القضايا التي تبنى المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أغلب الدعاوى القضائية التي رفعت فيها.
“فيلا أجيون”.. سجل الجمعيات الأهلية في حماية التراث
الإسكندرية كان لها نصيب كبير من انتهاكات الحقوق الثقافية والمباني التراثية والأثرية، خلال السنوات الماضية، ففي فبراير من عام 2014 تقدم محامو المركز المصري بطعن على قرار حذف ڤيلا “أجيون” من قائمة المباني الأثرية بمدينة الإسكندرية, على الرغم من صدور قرار سابق في 2008، يعتبر المبنى من المباني الأثرية.
أدى القرار الذي أصدره وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية, رقم 577 لسنة 2013 بحذف المبنى من قائمة المباني التراثية بالمدينة, إلى رفع حظر الهدم المترتب على اعتباره مبنى أثري.
القرار أحدث آنذاك، صدمة كبيرة داخل الأوساط الثقافية في الإسكندرية، لما تمثله ال“ڤيلا” التي صممها المعماري الفرنسي “أوجوست بيريه”، من مكانة ثقافية وفنية كبيرة.
الصدمة امتدت إلى المؤسسات الفرنسية حيث أصدرت القنصلية الفرنسية في الإسكندرية، آنذاك، أعربت فيه عن حزنها من بدأ هدم ڤيلا “أجيون” متمنية أن لا يكون قرار محافظ الإسكندرية بوقف عملية الهدم. قد صدر بعد فوات الأوان، وأن يساهم في إنقاذ الڤيلا.
لا أمنيات القنصلية الفرنسية، ولا طعن المركز المصري استطاعا إيقاف هدم فيلا “أجيون” فقد تمكن مالك الفيلا، من هدمها بشكل كامل رغم صدور قرار بنزع ملكيتها للمنفعة العامة، وقرار آخر بوقف الهدم.
قصر “عزيزة فهمي”
في 2016 نجح المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في الحصول على حكم بعدم قبول الدعوى المرفوعة من أحد ملاك قصر “عزيزة فهمي” والشهير بقصر قاصد كريم أو قصر جليم لحذف القصر من مجلد المباني والمنشآت المحظور هدمها.
وهي الدعوى التي قام برفعها أحد ملاك القصر لدى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، وتدخلت فيها شركة “إيجوث” للسياحة والفنادق انضماميًا، بغية حذف القصر من المجلد، حيث كانت وقعت الشركة “إيجوث” اتفاقًا مع الشركة القابضة للسياحة والفنادق لتحويل قصر “عزيزة فهمي” بالإسكندرية لفندق سياحي.
ولقصر “عزيزة فهمي” أهمية كبيرة من الناحية الفنية والتاريخية، ومن الناحية الثقافية لسكان الإسكندرية، وأنشئ القصر عام 1927 على يد المهندس المعماري الإيطالي (جرانتوا) أثناء الإنشاء الأول لكورنيش الإسكندرية، ما يجعل القصر من أقدم المنشآت المطلة على كورنيش الإسكندرية.
ردم المقابر الأثرية
وفي نفس العام 2016، ردمت إحدى شركات المقاولات مقابر أثرية بالإسكندرية، تعود للعصر الروماني، تبلغ مساحتها 1288مترًا، وهي تندرج تحت قائمة المقابر الشرقية الموجودة على ساحل الإسكندرية، واكتشفت عام 2014، وخضع الموقع عقب الاكتشاف لوزارة الآثار والتي انسحبت منه بعد عامين دون إبداء أسباب، فقامت شركة مقاولات بردم المقابر وتحطيم جزء كبير منها لبناء عقار سكني على كورنيش الإسكندرية.
وهو ما دفع محامو المركز المصري، بتوجيه إنذار على يد محضر لوزير الآثار ومحافظ الإسكندرية، ورئيس حي وسط و مدير الإدارة الهندسية بحي وسط ، لمسؤوليتهم الجنائية والمدنية عن الواقعة.
قصر شامبليون.. المركز المصري يتدخل لحماية التراث
كما رفع المركز المصري موكلًا عن سالي صلاح الدين، وهي من العاملين بمجال الإرشاد السياحي، دعوى أمام القضاء الإداري، ضد رئيس مجلس الوزراء، ووزير الثقافة، ووزير الداخلية، ومحافظ القاهرة، (بصفتهم)، للإهمال في صيانة وحماية، قصر الأمير سعيد حليم والمعروف بـ”قصر شامبليون” والموجود بشارع شامبليون بوسط القاهرة.
حيث ذكرت الدعوى أن القصر والمسجل بوزارة الآثار، يتعرض لتعدي بعض الأفراد واستخدامه كمخزن لعمال الورش المحيطة به، وهو ما أدى لحدوث تلفيات في مبنى القصر ومحتوياته ما يهدد بقائه كأثر.
وحملت الدعوى رئيس مجلس الوزراء، ووزير الثقافة، ووزير الداخلية، ومحافظ القاهرة، (بصفتهم)، مسؤولية هذا الإهمال لامتناعهم عن اتخاذ الإجراءات الضرورية لحمايته وصيانته، ما يعتبر قانونا قرارًا سلبيًا بالامتناع عن حماية هذا الأثر وجب الطعن عليه.
و”قصر شامبليون” الذي يعد من التحف الفنية، تعود ملكيته لسعيد باشا حليم، الابن الأكبر للأمير محمد عبد الحليم، ابن محمد علي الكبير، وبدأ بنائه في عام 1896، وصممه المهندس الإيطالي “أنطونيو لاشيال” على مساحة 445 مترًا تقريبًا.
وهو يتكون من مبنى رئيسي وجناحان، المبنى مكون من طابقين وبدروم، والجناحان عبارة عن طابق واحد وبدروم ويحيط بالقصر سور حجري به أشرطة من زخارف نباتية، ويتخلل السور ثلاثة أبواب بالجهات الجنوبية والشرقية والغربية.
هناك عدة دعاوى قضائية أخرى حركها المركز المصري أمام القضاء الإداري من بينها دعوى لإلزام الحكومة باعتبار قصر فؤاد سراج الدين أثرًا. ودعوى لإلزام الحكومة بإصدار قرار باعتبار أرض “إخلاء المقاولين العرب” المعروفة تاريخيًا باسم أرض الفسطاط، أرضًا أثرية، وما يترتب على ذلك من أثار مثل: نزع ملكية الأرض للمنفعة العامة، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأرض، وإزالة كافة التعديات الموجودة عليها، وإجراء أعمال الحفر اللازمة للبحث عن الآثار الموجودة بها.
اقرأ أيضا:
من الاحتلال إلى “الوهابية”.. كيف تأثرت الهوية المصرية؟
نقل الكباش
آخر هذه الدعاوى، كانت الدعوى التي أقامها محامو المركز المصري، في ديسمبر من العام الماضي 2019، نيابة عن الدكتورة مونيكا حنا أستاذ علم المصريات، والنائب هيثم الحريري عضو مجلس النواب السابق، وطارق العوضي المحامي، ضد كل من رئيس مجلس الوزراء، ووزير السياحة، للمطالبة بإلغاء قرارهما السلبي بالامتناع عن وقف عملية نقل ٤ من تماثيل الكباش من الفناء الأول “صالة الاحتفالات” خلف صرح “نختانيبو” بالكرنك بغية استخدامها في تزيين ميدان التحرير بالقاهرة: “نظرا لخطورة ذلك علي هذه القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن ونظرًا لأن ذلك يخل بطبيعة المعلم الأثري الذي سيتم اقتطاع هذه التماثيل منه”.
كما طالبت الدعوي بإلغاء قراري رئيس الوزراء ووزير الآثار السلبيين بالامتناع عن تنظيم مسابقة لتصميم مستنسخات للقطع المراد نقلها عوضًا عن اقتطاعها من مكانها الأصلي أسوة بما تم من مسابقات لتزيين ميادين العاصمة الإدارية الجديدة.
حماية الثراث والآثار جزء أصيل من حقوق الإنسان
المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، محمد سيد الطنطاوي، يقول لـ”مصر 360″، إن الحقوق الثقافية وحماية التراث والآثار، هي جزء أصيل من حقوق الإنسان، حيث من حق المواطنين أن توفر الدولة، الحماية والصيانة والاستغلال الجيد للآثار، فالحفاظ على القيمة التاريخية والحضارية للآثار، والمعالم التراثية والثقافية، يمثل أهمية معنوية للموطنين الذين ينتمون إلى تلك الحضارة، وهم ورثتها الشرعيون، فضلًا عن القيمة المادية لتلك المعالم، وما تمثله من مصدر للدخل القومي، والذي من المفترض أن يصب في تحسين أحوال المواطنين.
ويضيف الطنطاوي، أن الدستور المصري ألزم الدولة بحماية وصيانة الآثار، حيث نصت المادة (49)، على أنه: “تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استولى عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه”. ويحظر إهداء أو مبادلة أي شيء منها. والاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم.”
كما نصت المادة (50) من الدستور: “تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافي المعاصر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته، والاعتداء علي أي من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتولي الدولة اهتمامًا خاصًا بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية في مصر”.