في التاسع من فبراير عام 1956 بمحافظة طنطا وُلد نبيل فاروق، تعلّم نظاميًا حتى حصل على بكارليوس الطب والجراحة عام 1980. لكنه اعتزل الطب كمهنة بعد أن امتص دم التفكير العلمي الذي يسببه تعليمها، كان ذلك بعد نجاح سلسلتي الرجل المستحيل وملف المستقبل،
تفرّغ فاروق للكتابة تمامًا وقدمّ الكثير من القصص حول الأدب البوليسي والخيال العلمي بشكلٍ أساسي، وقبل أيام قليلة من نهاية عام 2020 غيّبه الموت عن عمر يقارب الـ 64 عامًا.
سنتحدث عما حدث بين هذين التاريخين ليس بالتفصي،ل بل لاستخلاص عصارة الخبرة التي يمكن أن تتركها لكن كان لا بد من ديباجة عادية غير ملفتة للنظر كتلك التي تحمل رحلته سريعًا.
بينما يظل ثمة تساؤل مؤسس شديد التكثيف يمكننا الانطلاق من خلاله للحديث ضمن كتابات كثيرة حول رحلة نبيل فاروق: ما الذي يميّز نبيل فاروق عن غيره من الكتاب ليجعله ضمن مصاف كتّاب “نجوم” يُشار إليهم بالبنان دون غيرهم؟ هل تحمل كتاباتهم ما لم يستطع كتابته آخرين لا يزال يجهلهم الجمهور؟
هل يصدق عليه ما قاله في آخر جملة كتبها في العدد الأخير من سلسلة الرجل المستحيل التي بروزت وجوده حتى كاد نجاحها يخنقه كما ادعى كثيرًا عندما وصف بطله الأشهر أدهم صبري قائلًا: أمثال أدهم لا يموتون… فأدهم صبري ليس مجرد رجل، إنه أسطورة. هل تحوّل نبيل فاروق هو الآخر كبطله لأسطورة؟ وإن كان حدث ذلك فما الذي أدّى إليه؟
اقرأ أيضًا: “العراب” المُختلف عليه.. أحمد خالد توفيق بعيدًا عن “ما وراء الطبيعة”
في التعليقات التي جاءت عقب وفاة نبيل فاروق لم نر جديدًا يُذكر عن التعليقات ذاتها التي طالت تلميذه أحمد خالد توفيق الذي رحل أيضًا قبل وقت ليس كبيرًا ربما احترامًا لمعلّمه؛ وُصف الأخير بالعراب الذي علم الأجيال تقرأ، تمامًا كما وصف أستاذه نبيل فاروق، بينما فوجئ عدد كبير بمدى تأثيره على زملاء أجيالهم، من هؤلاء من كان يقرأ ولم يشغله كثيرًا نبيل فاروق ومنهم من لم يقرأ ويستنكر تعلّق القارئ بكاتب إلى الدرجة التي تستدعي البكاء؛ انقسمت التعليقات بين مركزية وجود كاتب كنبيل في حياتهم وبين مجهولية معرفته أو القراءة له بالقدر الذي يجعل رحيله فاجعة.
النقاش ذاته أُعيد مرة أخرى بالمصطلحات نفسها ربما دون جدوى مما جعلنا نتساءل هذه المرة لماذا نجح الأستاذ قبل أن ينجح تلميذه؟ ولماذا استمر ذلك ليخلق “أسطورة”؟
لماذا حدث ذلك؟ وكيف؟
في كتابه “أسطورة النبوءة” يستهل التلميذ النجيب أحمد خالد توفيق كلماته بقوله: لأن يسأل الناس لماذا توقف عن الكتابة خير من أن يسألوا لماذا يكتب. تعلّم التلميذ -كما سيقول لاحقًا في ندواته- ذلك من الأستاذ نبيل فاروق، تعلم الأخير منذ اللحظة الأولى متى يكتب ومتى تتوقف، متى يعلّق الجمهور بشيء ومتى تخطفه منه، ليظل دائمًا الجمهور معلق بكتابته.
هذه أشياء أقدم عليها نبيل فاروق وعلّمها لتلميذه دون التنظير لها، ستلاحظ مثلًا كثرة لقاءاتهما التلفزيونية في آخر أيامهما مقارنة بظهورهما الخفيف في البدايات؛ كان الظهور التلفزيوني تعويض عن قلة أو لنقل الانقطاع عن إنتاج الجديد، ولّد انقطاع الكتابة إعادة إحياء القديم في الجمهور مثلما ولّد الإنتاج الأدبي تجنب الظهور تلفزيونيًا وحرق الأعمال، وربما نجح في ذلك.
أيضًا ستجده يؤكد مثلًا للمذيعة التي تسأله عن النجاح على جانب مؤسس لشخصيته كما في ندوات متكررة “لو رجعتي لزملاء طفولتي، تلاقي أكتر حاجة مشهور بيها إني مُغامر”. تلك المغامرة جعلته يتخذ مسار غير معهود في نوعية الكتابة التي اختار، الظرف التاريخي الزماني والمكاني ساعد على اعتباره من روادها وهي الأدب البوليسي الذي لم يكن معهود.
بعكس تلميذه اختار نبيل فاروق الانخراط في العمل السياسي ولم يظل طوال حياته في طنطا الإقليم البعيد انتقل للالتحام قاهريًا في المدينة بانتقاله من طنطا وظهرت آرائه السياسة وتداخله مع المجتمع الذي جعله أكثر تواجد وكثف من نظرته التي أصبحت أكثر تركيبًا وتعقيدًا.
اقرأ أيضًا: ما وراء الطبيعة.. أحمد خالد توفيق يحقق حلم طال انتظاره 20 عاما
طرح روايات وكتب تفرض قصتها الإثارة والنهاية السريعة قبل أن يمل القارئ. لغة بسيطة تصل لقطاع أكبر من الجمهور وكان على وعي ربما بقلة القراء العرب وإغراء روايات الجيب الصغيرة التي لا تحتاج مجهود كبير، ونجح في استقطاب قطاع واسع منهم والترسيخ مرة بعد أخرى للتعلق بهذا النوع غير المعهود من الكتابة، وربما كما وُصف وليام شكسبير على أنه جزء من تكوين الرجل الإنجليزي فإن نبيل فاروق جزء من تكوين العديد من القرّاء المصريون لجيل الثمانينات والتسعينات؛ غزارة الإنتاج ربطت تواجده بالجمهور أطول فترة ممكنة.
هذا ما يجعل تجربته مهم الوقوف أمامها في سياقها التاريخي ولأن يكون المرء بقلب جامد أمام كاتب أصيل كنبيل فاروق ربما ذلك كذنب من تلك الذنوب التي تطعن الخير في العالم.
أستاذية الكتابة
لم يعد لدينا كتّاب أساتذة سوى القليل منهم، في كتابات نبيل فاروق إذا كنت قرأته ستجمع زادًا من اللغة، تدرك أن أول مباديء القصة هو الحركة، وأول مباديء الوصف هو الوضوح، وأول مباديء الدراما هو الصراع، وهي أشياء علمها ضمنيًا عن وعي أو ربما غير وعي ليكتب بناءً عليها. ليس علينا أن نسأل عن التلمذة الأدبية لكن ربما السؤال الأكثر أهمية من الأساتذة التي يجب أن يتجه إليهم التلميذ.
الفنان لا يجد المجتمع إنه يمكّن الناس من أن يجدوا أنفسهم، وذلك ربما على المستوى الإيجابي والسلبي لو جاز لنا الحكم الأخلاقي على التصرفات بعد ذلك، على سبيل المثال جيل المؤامرة الكبير كما يعلق البعض، أو الجيل الأول الذي تعلّم صغيرًا كيف يمكن أن تحدث مؤامرة متفق عليها، كيف يُسقط على حياته أن هناك من يسيّرها ويتمنى خرابها دون أن يدرى. كان نبيل فاروق من أوائل من فعلوا ذلك.
في العام 1964، بمدينة بوينس آيرس الأرجنتينية، اقترب كاتبٌ أعمى من موظف مكتبة عمره ستة عشر عامًا ليسأله عن إمكانه العمل بدوام جزئي كقارئ بصوتٍ مرتفع له، كان الكاتب الأعمى هو خورخي لويس بورخيس، أحد أبرز كتّاب القرن العشرين وأكثر العقول الأدبية قوة في عصره.
أما الفتى فقد كان ألبرتو مانغويل، الذي أصبح لاحقًا مؤلفًا مشهورًا ومترجمًا ومحبّا للكتب ومولعًا بالقراءة، لدرجة أن شهرته كقارئ تفوق شهرته كمؤلف أو مترجم! فقد ألّفَ ثلاثة كتب عن القراءة نفسها، وهى “تاريخ القراءة” و”يوميات القراءة” و”المكتبة في الليل”، وقد حظيت جميعها بالترجمة إلى عدة لغات من بينها العربية.
يوصف بورخيس من وقتها بكونه علّم كثيرين كيف يقرأون وهكذا يمكن وصف نبيل فاروق بأنه علّم الناس كيف يقرأون وقدم لهم نماذج كالعراب وغيره الذين ساعدوا على سهولة القراءة لكثيرين يملّوا القراءة ربما، والتأسيس مصريًا لنوع شبه جديد عليه، والإنتاج المستمر على مدار سنوات تساعد ترسيخ الفكرة تمامًا في عقول قراءة الصغار والكبار.
قائمة بإصدارات الدكتور نبيل فاروق.. 630 عمل أدبي:
– سلسلة رجل المستحيل، 160 عددًا، (آخرها “الوداع” 160).
– سلسلة ملف المستقبل، 160 عددًا، (آخرها “نهاية العالم” 160).
– سلسلة الأعداد الخاصة، 28 عددًا، (آخرها “قلعة الشر” 28 رجل المستحيل).
– سلسلة (ع×2)، 57 عددًا، آخرها “قضية الدقائق الأخيرة”.
– سلسلة (زهور)، صدر له فيها 30 عددًا.
– سلسلة كوكتيل 2000، 51 عددًا، (آخرها “صدمة” 51).
– سلسلة زووم، 11 عددًا، (آخرها “لغز كرة الثلج” 11).
– سلسلة زهور، 118 عددًا، (آخرها “ملك النار” 118).
– سلسلة فارس الأندلس، 10 أعداد، (آخرها “سر الأمير” 10).
– سلسلة روايات عالمية للجيب، صدر له فيها 6 أعداد.
– أرزاق رواية اجتماعية من 4 أجزاء صدر منها 3 أعداد.
– سلسلة (أوسكار)، شارك في إصدار العدد الأول منها (لعنة التابوت).
– سلسلة سيف العدالة، 6 أعداد، (آخرها عدد “فوق القمة” 6).
– سلسلة بانوراما، 7 أعداد، (آخرها عدد “التائه” 7).
– سلسلة حرب الجواسيس، 11 عددًا، (آخرها “المنشق” 11).
– سلسلة (الأعداد الخاصة – حرب الجواسيس) 6 أعداد.
– كما شارك في سلسلة فلاش باب “شيء من العلم”، وبعض السلاسل للناشئة مثل: (مغامرات كتاكيتو)، والعميل (صفر صفر صفر) وغيرها.
– سلسلة “المتخصصون” 3 أعداد، عن دار ليلى.
– سلسلة مسرح الجريمة صدر منها عددان.
– رواية (ظل الأرض) عن دار ليلى.
– سلسلة “قصص مجانين” وأصدر منها سلسلة كاملة، وكانت قصة ساخرة.
– كتاب بعنوان ليه لأ؟
– رواية “الثورة” عن دار ليلى.
– شارك في كتاب 7 وجوه للحب، عن دار ليلى.
– كتاب رجل المستحيل وأنا، عن دار ليلى.
– المسلسل الإذاعي رجل المستحيل العملية شبل.
– مسلسل العميل 1001 التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني.