بعد ساعات قليلة من التوتر والتضارب في المعلومات الذي شهده السودان منذ فجر أمس. إثر إعلان مقتضب للمتحدث باسم مجلس السيادة الانتقالي، محمد الفكي سليمان عن وجود محاولة انقلابية داخل الجيش ومطالبته للشعب السوادني بحماية الانتقال السلمي، قائلاً: “هبوا للدفاع عن بلادكم وحماية الانتقال”. رصدت كاميرات القنوات والصحف المحلية عودة الحياة لطبيعتها في معظم شوارع الخرطوم تحديدا محيط مقر سلاح المدرعات الذي قاد محاولة الانقلاب المحدودة. التي انتهت بالفشل بعد السيطرة عليها والقبض على 21 من الضباط المتورطين بعد أقل من 6 ساعات.
قبل الإعلان عن السيطرة على محاولة الانقلاب واحباطها. اجتمع رئيس المجلس السيادي، الفريق عبد الفتاح البرهان وقادة الأجهزة الأمنية لبحث الموقف. فيما عقد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك – ممثل المكون المدني في المرحلة الانتقالية- اجتماع طارئ آخر مع تحالف قوى الحرية والتغيير لبحث تداعيات المحاولة الانقلابية. حيث أعلن حمدوك أن “الانقلاب جرى بالتنسيق بين عدة جهات، من داخل الجيش وخارجه. سيتم محاسبة العسكريين والمدنيين المسؤولين عن هذا الانقلاب الفاشل”.
في حديثه خلال اجتماع الحكومة دعا حمدوك الشعب السوداني إلى الالتفاف حول السلطات الانتقالية في البلاد. خاصة بعد محاولات تحريض مستمرة ضد الحكومة. معتبراً أن وحدة قوى الحرية والثورة والتغيير هي الضمان لتحقيق أهداف الثورة السودانية.
لواء و22 ضابطا
في الساعة الثامنة من مساء أمس، أعلن مجلس الأمن والدفاع بعد اجتماعه الطارئ برئاسة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان. أن الانقلاب تم بقيادة اللواء ركن عبد الباقي الحسن عثمان ( بكراوي) ومعه عدد 22 ضابط آخرين برتب مختلفة وعدد من ضباط الصف والجنود.
حيث أعلن وزير الدفاع في تصريح صحفي أن التحريات والتحقيقات الأولية للمحاولة الانقلابية. أشارت إلى أن الهدف منها كان الاستيلاء على السلطة وتقويض النظام الحالي للفترة الانتقالية. إلا أنه تم إجهاض المحاولة في زمن وجيز دون حدوث أي خسائر في الأرواح والممتلكات.
فلول النظام السابق
دائما ما يكون فلول النظام السابق وأعوان المؤتمر الوطني هما الشماعة الرئيسية للسلطة الانتقالية الحاكمة لتعليق أي خلل أمني أو محاولة انقلاب عليهم منذ إزاحة نظام البشير عن السلطة.
ففي الساعات الأولى وقبل القبض على المتورطين استبق وزراء في الحكومة التحقيقات مؤكدين أن الفاعل الرئيسي وراء محاولة الانقلاب هم فلول النظام السابق. وأكد وزير الإعلام أن الأجهزة المختصة تواصل ملاحقة فلول النظام البائد المشاركين في المحاولة الفاشلة. كما أكد نصر الدين مفرح وزير الشؤون الدينية والاوقاف السوداني:”لا زال أعداء الوطن والثورة العظيمة يحاولون إجهاض هذا المشروع الوطني العظيم. ولكن سنظل وتظل قوى الثورة حية، ولن تفلح معها محاولات الفاسدين بقايا النظام المباد”.
بيان رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك اتهم أيضاً بقايا نظام البشير قائلاً: “نظام البشير السابق مازال يشكل خطرا على الثورة والتغيير والمرحلة الانتقالية في البلاد، والحكومة والأجهزة المعنية في البلاد، ستواصل إجراءات تفكيك نظام عمر البشير”.
الانقلاب فرصة المدنيين
اتجهت معظم الأراء على صفحات التواصل الاجتماعي وفي الصحف السودانية. إلى أن المكون المدني في السلطة الانتقالية متمثلاً في رئيس الوزراء عبد الله حمدوك استطاع تسجيل نقاط جيدة لاستغلال محاولة الانقلاب في تحقيق عده أهداف في مواجهة سيطرة المكون العسكري على المشهد السياسي. من خلال دعوته للقيام بإصلاحات في القطاع الأمني بهدف التخلص من التيار الإسلامي مستغلاً ذريعة الارهاب وزعزعة استقرار السودان والانتقال السلمي للسلطة.
كما جاءت رسائل حمدوك في حديثه مع الحكومة عقب فشل محاولة الانقلاب كمواجهات لكل الرافضين لأداء الحكومة واتفاقيات السلام الموقعة حتى الآن من أجل وحدة التراب السوداني وجمع الفصائل المتنازعة.
ويساند توجهات حمدوك المواقف الدولية التي تدفع في سياق القيام بإصلاحات في القطاع الأمني والعسكري وإدماج القوات العسكرية في جيش واحد دون انتظار إلى ما بعد الانتخابات لإجراء هذه الإصلاحات المهمة. بما يمكن السلطة الانتقالية من تنفيذ وقف إطلاق النار الدائم واستقطاب الدعم اللوجيستي والمالي لدفع عملية السلام. من خلال رعاية وتبني استكمال البروتوكول الأمني. الموقع في اتفاق السلام بين الأطراف السودانية في جوبا العام الماضي.
كان رئيس البعثة الأممية لدعم الانتقال في السودان، فولكر بيرتس. أعلن عقب اجتماعات في الخرطوم مطلع سبتمبر الجاري. أنه أبلغ مجلس الأمن الدولي. والمجتمع الدولي بالأهمية القصوى لتنفيذ ملف الترتيبات الأمنية في اتفاقية جوبا لاستكمال السلام. كما أن إصلاح القطاع الأمني لا يمكن أن يؤجل إلى ما بعد قيام الانتخابات.
وقال ياسر عرمان، مستشار رئيس الوزراء السوداني في تعليق له على الانقلاب على صفحته بموقع فيسبوك. إن الانقلاب إنذار مبكر ولا سبيل للنجاح إلا بوحدة قوى الثورة والتغيير على أساس أجندة الثورة وتشكيل كتلتها الانتقالية. مؤكداً أنه فرصة لإعادة ترتيب أوراق الثورة والانتقال.
وشدد عرمان على أهمية التوصل لصيغة ما مع القوات النظامية والقوات المسلحة السودانية تدعمُ بموجبها الانتقال المدني الديموقراطي. وتُطوِّرُ القوات المسلحة السودانية لجيشٍ مهنيٍّ وحيد يدافع عن المصالح العليا للبلاد. ويقف ضد الانقلاب على أجندة الثورة التي حررت الشعب والقوات المسلحة السودانية من هيمنة المؤتمر الوطني.
رفض اقليمي ودولي لأي انقلابات في السودان
المتابع للشأن السوداني والاتصالات القائمة الآن بين القوى السياسية في السودان بشقيها المدني والعسكري. يكاد يجزم أنه لا يمكن القبول بأي محاولات انقلابية في السودان في الوقت الراهن. خاصة مع التنسيق القائم من أجل الدفع بعملية الانتقال السلمي للسلطة سواء على المستوى الإقليمي من قبل الاتحاد الإفريقي أو على المستوى الدولي من قبل الأمم المتحدة والشركاء الدوليين للسودان.
في أول رد فعل للاتحاد الإفريقي أدان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي. محاولة الانقلاب الفاشلة في السودان، مؤكداً تمسك الاتحاد الأفريقي بالسلطات الشرعية للمرحلة الانتقالية في السودان.
كما أدان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس” فولكر بيرتس. محاولة الانقلاب العسكري وأي محاولة انقلابية تستهدف تقويض عملية الانتقال السياسي والديمقراطي والطبيعة التعددية للدولة. كما جاء في الوثيقة الدستورية. مشدداً على رفض الأمم المتحدة لأية دعوات للقيام بانقلاب عسكري أو تبديل الحكومة الانتقالية بحكم عسكر. مؤكدا دعم الأمم المتحدة المستمر للحكم المدني الشامل في السودان.
كما أعربت دول الترويكا (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج). عن دعمها القوى لعملية الانتقال الديمقراطي للسودان. وطالبت المكونان المدني والعسكري بإنشاء مؤسسات انتقالية. ومعالجة التوترات في الشرق، والمناطق الأخرى، ومؤكدة أن شركاء السودان الدوليين يقفون بحزم خلف شعب السودان وحكومته الانتقالية.
إلى جانب الرفض الدولي والإقليمي ودعم السلطة الانتقالية في السودان. إلا أن التوتر الحدودي مع إثيوبيا قد لا يكون بعيداً في تعزيز المشاكل الأمنية وتقليب بعض القبائل المتنازعة والرافضة لسياسات الحكومة في الخرطوم. خاصة مع الامتدادات القبلية في الشرق السوداني مع إثيوبيا وأريتريا على وجه التحديد مثل قبائل بني عامر والرشايدة والبيجا.
أزمة الشرق وانقلاب سلاح المدرعات
قد لا يكون هناك رابط مباشر بين الأزمة المشتعلة حالياً في شرق السودان. التي يتزعمها محمد الأمين ترك زعيم قبائل
وبين محاولة الانقلاب الفاشلة في سلاح المدرعات. إلا أن القاسم المشترك هو تصاعد موجات الغضب من السلطة الانتقالية في أنحاء مختلفة من المشهد السياسي في السودان. حيث سيخلف تصاعد الأزمة في شرق السودان خسائر اقتصادية فادحة خاصة مع نجاح ترك من إغلاق الميناء الرئيسي وإغلاق طرق شريانية. من خلال وضع متاريس في العديد من المدن والنقاط الواقعة على الطريق الرئيسي الذي تمر به صادرات وواردات السودان.
من بين الشروط الرئيسية التي وضعها قائد تمرد الشرق. إقالة الحكومة الانتقالية. وإلغاء اتفاق مسار الشرق في اتفاق السلام السوداني وحل لجنة إزالة التمكين التي تحظى بشعبية جارفة في أوساط السودانيين. والتي تنظر في العديد من ملفات الفساد. وهي المطالب التي لا تزال تواجهها الحكومة بالحوار حيث تم تشكيل لجنة حكومية رفيعة تضم وزراء وأعضاء في مجلس السيادة بشقيه المدني والعسكري لبحث حل الأزمة مع مختلف مكونات شرق السودان. لكنها قوبلت بالرفض من جانب المتمردين في الشرق. فيما تتجه العديد من التقارير إلى اتجاه أغلب الأراء في مجلس السيادة إلى التعامل مع تمرد قائد البجا في الشرق باستخدام الحل الأمني لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها وتأمين ميناء بورتسودان وهو ما يظهر استمرار الخلافات في الرؤى بين العسكر والمدنيين في السلطة الانتقالية.
هشاشة الوضع الأمني
ويرى مراقبون أن هشاشة الوضع الأمني بسبب القبائل الغاضبة من سياسات الحكومة الانتقالية مع تفاقم الأزمات الاقتصادية المتتالية. التي لم ينجو منها المواطن السوداني منذ قيامه بالثورة على نظام البشير، ستكون بلا شك محل لاستمرار الفتن داخل السودان خاصة مع امكانية استغلال بعض الدول كإثيوبيا هذه الكروت بالضغط على حكومة الخرطوم حيث لا يزال المسرح مهيئ لكافة سيناريوهات التصعيد.
مع الأحداث المتصاعدة في السودان لم يكن الانقلاب حدث غريب خاصة مع تكراره وإفادة تقارير إعلامية عن معلومات لدى الأجهزة الأمنية بالترتيب لمحاولة انقلاب منذ الأسبوع الماضي، لكن مع الاهتمام والدعم الدولي للدفع بعملية الانتقال السلمي للسلطة في السودان تبقى الكرة في ملعب الحكومة لاحتواء المشاكل وإعادة ترتيب أوراقها من أجل وقف أي محاولات انقلابية عسكرية للقفز على السلطة مستقبلاً.