قبل مباراته الأخيرة في المجموعة، أمام السنغال، قال محمود جابر، المدير الفني لمنتخب مصر للشباب لكرة القدم، إن فريقنا يستعد لتقديم مباراة كبيرة أمام المنافس السنغالي، متمسكًا بحظوظه في الصعود للدور الثاني للبطولة الإفريقية، المقامة في القاهرة، والمؤهلة لكأس العالم للشباب 2023 في إندونيسيا.
حسنا، كما تعلم، أو كما ينبغي لك أن تعلم (في حال لم تكن مهتمًا كثيرًا بأخبار كرة القدم)، فإن منتخبنا للشباب خسر أمام السنغال، على ملعب ستاد القاهرة، بأربعة أهداف نظيفة، وغادر المسابقة نهائيًا.
ليس من المحبذ استخدام الكلمات الكبيرة على غرار “فضيحة”، بصورة مستمرة “عمال على بطال”. لكن نتائج فريقنا للشباب في تلك البطولة، لا ينطبق عليها للأسف سوى وصف الفضيحة. أيًا كانت زاوية النظر إليها، وحتى بالمقارنة مع أسوأ نتائج لمنتخب مصري في أي بطولة.
فالمنتخب لم يسجل، طوال مبارياته الثلاثة في البطولة أي هدف. والمنتخب غادر -بالتالي- البطولة المقامة على ملعبه من دورها الأول. والبطولة التي لم تضم سوى 12 فريقًا، يصعد منها 8 فرق كاملة إلى الدور الثاني؛ أول وثاني كل مجموعة من المجموعات الثلاث، وأفضل ثالثين من بين ثلاثة فرق تحتل المركز الثالث.
ومع ذلك، لم تتمكن مصر من اللحاق بأحد المراكز الثمانية من أصل 12 فريقًا، في بطولة تلعب على أرضها. وخرجت مع ثلاث فرق أخرى، أرجو أن تلقي نظرة على أسمائها: فقد خرجت مصر من الدور الأول صحبة كل من موزمبيق، ومنتخب وسط إفريقيا، بالإضافة إلى زامبيا. هذا هو إجمالًا مستوى الفرق التي وجدنا أنفسنا في نفس مستوى نتائجها.
بينما صعدت إلى الدور الثاني -بالإضافة إلى القوى التقليدية مثل السنغال وتونس ونيجيريا- فرق “جديدة” نسبيًا مثل منتخب جنوب السودان، ومنتخب جامبيا، ومنتخب بنين.
وقد كانت موزمبيق في مجموعتنا وفشلنا في الفوز عليها أو تسجيل أي هدف، فاحتللنا معًا المركز الأخير في المجموعة، برصيد نقطة واحدة من تعادلنا معًا، وبفارق أهداف: سالب خمسة! وهكذا كانت مجموعتنا هي المجموعة الوحيدة التي خرج منها فريقان من الدور الأول، لأنهما تساويا في السوء وتلقي الأهداف.
قبل “المباراة الكبيرة” مع السنغال، تحدث المدرب محمود جابر كثيرًا عن الحظ، بالأحرى سوء الحظ، وسوء التوفيق، مؤكدًا أننا خلقنا العديد من الفرص في المباراتين الأولتين، لكن لم نوفق للتسجيل.
هكذا خاصمنا الحظ أمام موزمبيق (وهي دولة تحتل الترتيب 116 في تصنيف الفيفا) فلم نسجل، ثم عاندنا الحظ مجددًا أمام نيجيريا (يقول المدرب: لو سجلنا فرصة واحدة أمام نيجيريا لاختلف الموقف) ولم نسجل أيضًا وخسرنا بهدف. ثم أمام السنغال، لابد أن الحظ عادانا تمامًا لدرجة خسارتنا بأربعة أهداف، وعدم تسجيلنا أي هدف. (وحسب النتائج النهائية فإننا لو سجلنا من فرصة واحدة أمام نيجيريا -كما قال المدرب- فإن الموقف لم يكن ليختلف، لأن نقطتين بحوزتنا لم يكونا كافيين للتأهل).
لكن الخروج المخزي، والذي لم يؤد بعد، حتى لحظة كتابة هذه السطور إلى إقالة المدرب أو الطاقم الفني، وهو مدرب قال عنه مسؤول مهم باتحاد الكرة (الدكتور محمد علي مدير إدارة المدربين بالاتحاد): “لا أعلم كيف تم اختياره لتدريب منتخب الشباب!”، مؤكدًا أنه لم يخضع لمعايير الاستمارة، التي تم وضعها كمعايير لاختيار المدرب، فتح الباب، أمام الإعلام على الأقل، إلى إلقاء نظرة، نرجو ألا تكون عابرة، على النتائج الفادحة لمنتخبات الشباب على المستوى الإفريقي في العقد الأخير.
كانت آخر إنجازات مصر الإفريقية على مستوى فريق الشباب هي الفوز بالبطولة التي استضافتها الجزائر في 2013، بالتغلب على غانا بركلات الترجيح في النهائي، في بطولة كان نجمها الأول مهاجم الأهلي الحالي محمود كهربا. وبعد ذلك، بدأ الانحدار.
فشل فريق الشباب في التأهل لبطولة 2015، ووصل إلى البطولة التالية 2017، لكنه خرج من دور المجموعات، ثم فشل في التأهل إلى البطولتين التاليتين في 2019 و2021.
وبما أننا استضفنا البطولة الحالية 2023، فقد تأهلنا مباشرة بدون تصفيات، لنخرج مرة أخرى من الدور الأول بهذا الشكل المخزي.
إن غياب مرة أو فشل مرة يمكن أن يكون “سوء حظ وتوفيق” كما أحب المدرب محمود جابر أن يقول. أما الغياب على مدى عقد كامل، وخمس بطولات، فيكاد عدم الانتباه إليه والاهتمام الفوري بمعالجة أسبابه، يعد في حكم الجريمة الرياضية. وهو يشير -للأسف- إلى مستقبل مظلم، تتحالف في الإشارة إليه العديد من المؤشرات.
فمن الذي لا يرى أن أفضل المهارات والمواهب في ملاعبنا المحلية أصبحت للاعبين غير مصريين، وقد شهدنا على مدار أعوام تنافس لاعبين مثل التونسيين علي معلول وفرجاني ساسي على جائزة أفضل لاعب في الدوري المصري، وشاهدنا تأثير غياب أشرف بن شرقي على الزمالك، ورأينا كيف أن أواخر مواهبنا المحلية، اقتصرت على لاعبين كبروا في السن وعلى وشك الاعتزال مثل عبد الله السعيد وشيكابالا، وكان معهما وليد سليمان، وكيف أن النادي الأهلي لم ينشىء مهاجمًا شابًا منذ عماد متعب، وأن أبرز نجومنا المصريين في الدوري، مثل أحمد سيد زيزو، كانوا في زمن آخر سيجلسون احتياطيًا بالكاد لمواهب مثل بركات وحازم إمام وأبوتريكة وغيرهم.
استضافت مصر البطولة، لكنها كانت استضافة نظرية في ظل الاستادات الخالية من الجمهور، والتي طال خلوها حتى صارت مأساة ونكتة سخيفة، ونشأ لدينا جيل من اللاعبين لم يعرف اللعب أمام الجمهور، وجمهور لم يتح له الحضور ليقوم بدوره الرقابي في انتقاء المواهب، وتشجيع المميزين والهتاف ضد أبناء الواسطة، والنتيجة مشهد كروي يشبه البلاستيك الرخيص، وجبة من “الجانك فود” توجع البطن ولا تفيد، ولا حتى تمُتع.
ومن المفهوم مسبقا أن الاستمرار في أجواء المدرجات الخالية، والاكتفاء -كالعادة- بتغيير مدرب بآخر، من دون مراجعة شاملة لما جرى لمدارس الناشئين ومدى جدوى الأكاديميات الخاصة، سيسمح فقط لمسلسل الانحدار أن يتواصل.
تقول العبارة الشهيرة المنسوبة لعبقري الفيزياء ألبرت آينشتين إن “الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين وانتظار نتائج مختلفة”. ونرجو أن يكون ما جرى مع منتخب الشباب، لخمس مرات متوالية، كفيلًا بإقناعنا بفعل شىء مختلف هذه المرة.