فتحت الحزمة المالية التي طلبتها الحكومة المصرية من صندوق النقد الدولي، الكثير من التأويلات حول قدرة الاقتصاد على مواجهة أزمة “كورونا”، والمخاوف من أن يضيف أعباءً على محدودي، بعد موجة من قرارات الإصلاح الاقتصادي التي أضرت بهم.
sss
ووفقًا للحكومة، يأتي طلب الحزمة المالية ضمن أداتيّ “التمويل السريع” و”اتفاق الاستعداد الائتماني”، كخطوة استباقية للحفاظ على النتائج الإيجابية التي حققها الاقتصاد المصري في برنامج الإصلاح الاقتصادى فى ظل الظروف الاستثنائية، التي تمر بها دول العالم، وتطورات الأوضاع في ظل فيروس “كورونا” المستجد.
مشكلات في مصادر “العملة الصعبة”
وتقدم أداة التمويل السريع مساعدات مالية عاجلة لأعضاء الصندوق الذين لديهم مشكلات في مصادر العملة الصعبة، كالسياحة والتحويلات النقدية، ولا تتطلب وجود برنامج كامل، أو مراجعات دورية للاقتصاد، أما برنامج “الاستعداد الائتماني” فيقدم قروضًا سريعة لا تزيد عن عامين لكنها تتضمن مراجعات منتظمة من الصندوق، لكيفية مواجهة الدول مشكلاتها.
وتضررت مصادر العملة الصعبة بمصر منذ ظهور فيروس كورونا بشكل كبير، خاصة قطاع السياحة الذي يساهم بحوالى 13% من الناتج المحلي الإجمالي، كما تأثرت تحويلات المصريين بالخارج الذين توقف غالبيتهم عن العمل مع الإغلاق الكامل للاقتصاديات الأجنبية، وكذلك إيرادات المرور بقناة السويس مع تباطؤ حركة مرور سفن النفط العملاقة.
نهاية تداعيات فيروس “كورونا”
وقالت مصادر بالبنك المركزي، في تصريحات خاصة، إن إجمالي قيمة القرض لن تزيد على 5 مليارات دولار، ومن المقرر أن تسقبل خزائن “المركزي” الشريحة الأولى منه وقيمتها 2.7 مليار دولار في 10 مايو، على أن يتم تحديد باقي الشرائح في وقت لاحق.
وأكدت المصادر أن القرض الجديد سيساهم في تعزيز الاحتياطي النقدي لمصر، البالغ 45.51 مليار دولار ويكفي نحو 8 أشهر من الواردات السلعية، ويرفعها إلى قرابة عام كامل تمثل أقصى مدى زمني متوقع، لبقاء تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية على العالم.
تحمل الصدمة
ويقول الخبير المصرفي نادي عزام، إن الموازانة العامة للدولة، تواجه مشكلات في انخفاض إيراداتها مع تأجيل سداد الضرائب على الشركات المتضررة من “كورونا”، وتقسيط كل أو بعض مستحقات التأمينات الاجتماعية، ومقابل استهلاك الطاقة، وفي الوقت ذاته تزايدت المصروفات المتعلقة، بزيادة الإنفاق الصحي وتكوين احتياطي إستراتيجي من السلع الأساسية.
اقرأ أيضًا:
وأكد صندوق النقد الدولي، في بيان له، أن الاقتصاد المصري تأثر كغيره بالركود العالمي واضطراب الأسواق الذي سببه وباء كورونا، موضحًا أن التمويل الجديد سيمنح مصر الوفاء بأي احتياجات فورية لميزان المدفوعات، ودعم القطاعات الأكثر تضررًا والفئات الفقيرة ودعم النمو الواسع النطاق والمستدام للوظائف.
ويقول “عزام” إن الاقتصاد المصري تحمل صدمة كورونا حتى الآن وطلب التمويل لا يعني أنه ضعيف، فعدم وجود إطار زمني لانتهاء المشكلة، يجعل الحكومة تتحوط من إمكانية طول الأزمة إلى عام كامل بالعمل على التوازن في مصادر العملات الخارجية لضمان توفير السلع الوسيطة والإستراتيجية الأساسية، ومنع هبوط العملة المحلية أمام الدولار.
مساعدة طارئة
وتأتي مصر ضمن 102 دولة طلبت مساعدة طارئة من صندوق النقد، تلقت 10 منها بالفعل التمويل الطارئ الذي تحتاجه ومن المقرر أن تحصل 45 أخرى، على مساعدات عاجلة مطلع مايو الحالي، مع تدبير الصندوق 18 مليار دولار، من موارده الموجهة للحد من الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي.
ويرى الدكتور عبدالرحمن عليان، الخبير الاقتصادي، أن القرض هدفه الحفاظ على الإنجازات التي حققتها الحكومة المصرية في برنامجها الإصلاحي واتخاذ العديد من الإجراءات لتنشيط الاقتصاد المصري لمواجهة تداعيات كورونا على المديين المتوسط والطويل، وفرصة للحصول على تمويل بدون اشتراطات كبيرة، في ظل إبداء صندوق النقد استعداده لمساعدة جميع الدول المتضررة من الفيروس.
ويمتلك صندوق النقد الدولي حال استخدام أدواته الكاملة تمويلاً يصل إلى تريليون دولار، وأبدى استعداده لاستخدام جزء كبير منه في مواجهة الركود العميق المتوقع العام الحالي، والتعافي الجزئي المتوقع للاقتصاد العالمي في 2021.
ويقول “عليان” إن الحكومة ترمي من وراء قروض صندوق الدولي الجديد، إلى الحصول على شهادات ثقة جديدة بكفاءة اقتصادها وقدرته على السداد، والتي ربما تساعدها في نيل ثقة مستثمرين أجانب جدد يفكرون في نقل استثماراتهم بعيدًا عن الصين.
ويخشى المواطنون من أن يتسبب التمويل الجديد في موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، وزيادة أعباء المعيشة كما حدث في شرائح القرض الأول الذي وقعته مصر مع الصندوق عام 2016 وحصلت بموجبه على 12 مليار دولار، كانت آخر شرائحها في ديسمبر الماضي بقيمة 2 مليار دولار.
لكن رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، أكد أكثر من مرة، أن التمويل الجديد لا يحمل أي تأثيرات سلبية على حياة المواطنين، سواء من حيث ارتفاع أسعار السلع، أو الخدمات وغيرها، لكنه يتعلق بالإصلاحات الهيكلية فقط”.
انفلات ملف الديون الخارجية
وتخطط الحكومة لإصلاحات هيكلية لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، وتحقيق النمو الشامل بمشاركة القطاع الخاص، مع التركيز على الصناعات التحويلية والأنشطة الموجهة للتصدير، وخلق المزيد من فرص العمل، وتعظيم إنتاجية الأيدي العاملة المصرية، على النحو الذى يُسهم فى توفير حياة كريمة للمواطنين.
اقرأ أيضًا:
وتدور المخاوف أيضًا من انفلات ملف الديون الخارجية بمصر، لكن الحكومة تؤكد أن 89.8% من الديون المستحقة عليها ضمن فئة الدين طويل الأجل (12 شهرًا فيما أعلى) بإجمالي 97.6 مليار دولار، ما يقلل من تداعيات كورونا على مواعيد سداد أقساط الديون الأجنبية.
يقول العليان إن مصر كانت قادرة دائمًا على الوفاء بالتزاماتها الخارجية وأوفت بجميع ديونها حتى فترات الأزمات السياسية الصعبة، ونجحت في جعل الجزء الأكبر من الدين في الفترات المتوسطة وطويلة الأجل، فالديون قصيرة الأجل لا تتعدى 11 مليار دولار.