مثّل الإعلان المباغت بـ”استئناف” العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، حدثاً لافتاً. ليس على مستوى توقيع اتفاقية تطبيع عربي إسرائيلي، تعد الرابعة خلال الأربعة أشهر الأخيرة، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، إنما على خلفية الدور المغاير والاستثنائي الذي تؤديه إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، في الأسابيع الأخيرة من حكمها.
ستة عقود من العلاقات بين المغرب وإسرائيل
ارتبط المغرب وإسرائيل بعلاقات سياسية ودبلوماسية، منذ تسعينات القرن الماضي؛ حيث تم افتتاح مكتب اتصال في الرباط، بينما أغلق، مطلع الألفية، إبان أحداث الانتفاة الفلسطينية.
ويقطن نحو 700 ألف شخص من أصول مغربية، في إسرائيل، كما يتوافد بين 50 إلى 70 ألف يهودي إلى المغرب، سنوياً، غالبيتهم من الدولة العبرية.
وبينما يبدو التطور الأخير في العلاقات الثنائية بين المغرب وإسرائيل لا يحمل عنصر المفاجأة، لخصوصية الوضع السياسي والتاريخي بينهما، فقد وصف وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الاتفاق بأنه “ليس تطبيعاً”، مضيفاً أن “المغرب كان لديه مكتب اتصال، حتى العام 2002، وأن بعض القرارات التي تطلبت إعادة الاتصال مع إسرائيل لا تعد تطبيعاً”.
وقبل أيام قليلة، غرد ترامب على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “اختراق تاريخي آخر اليوم! اتفقت إسرائيل والمملكة المغربية على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة.. اختراق هائل للسلام في الشرق الأوسط”.
هل كانت الصحراء المغربية الباب الخلفي للاتفاق؟
بيد أن التغريدة الثانية للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، كشفت عن موقف آخر يبدو مؤثراً للولايات المتحدة بخصوص أزمة الصحراء المغربية، المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو الانفصالية، وهي الأراضي التي كانت تحتلها إسبانيا، جنوب المغرب. حيث اعترفت واشنطن بـ”سيادة المغرب على الصحراء الغربية”.
وقد شهدت الفترة الأخيرة تصعيداً ميدانياً، واشتباكات مسلحة عنيفة بين القوات المغربية والجبهة الانفصالية، على خلفية النزاع في معبر الكركرات الحدودي، الذي يصل بين الصحراء المغربية وموريتانياً، وذلك بعد احتجاج “البوليساريو” على حركة المرور في هذه النقطة الحدودية من جانب الحكومة المغربية، لا سيما وأن المعبر يعد مجالاً حيوياً لعمليات التجارة مع إفريقيا.
اقرأ أيضا:
أزمة الصحراء المغربية: هل هي مجرد “استفزازات” من جبهة البوليساريو الانفصالية؟
كان “مضمون الصفقة معروفاً، لكن يبدو أن التفاوض على بعض بنودها هو ما ظل موضوع خلاف. وقد سعى الطرف الأمريكي، بصورة مبكرة، إلى تسريع وتيرة الاتفاق بلقاء بين نتانياهو والملك محمد السادس، إلا أنه يبدو أن المغرب رفض أن تتم هذه الزيارة قبل الاتفاق النهائي الكامل”. يقول الدكتور مختار بن عبد اللاوي، أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني في المغرب.
ويضيف عبداللاوي لـ”مصر 360: “هنا يبدو أن الإمارات لعبت دوراً كبيراً في تقريب وجهات النظر، وفي العمل على إنجاحها، فبعد البرود الطويل الذي شاب العلاقات بين المغرب، من جهة، والسعودية والإمارات، من جهة ثانية، بسبب رفض الانخراط في مقاطعة دولة قطر؛ عاد الدفء، بصورة سريعة، وغير مفهومة، عند إعلان الإمارات قرارها بفتح قنصلية في مدينة الداخلة”.
دوافع ترامب وخلفيات الموقف المغربي
لكن عبد اللاوي أن المصادقة على قرار الاتفاق بين المغرب وإسرائيل، في نهاية ولاية الرئيس الأمريكي، ينتقص من قيمته القانونية أو الإجرائية، وأكثر ما يمكن أن يقوم به الكونجرس، هو الحد من الميزانية المخصصة للمساعدات، فيما يخص الأقاليم الصحراوية.
يتابع أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني حديثه قائلا: “القرار الأمريكي لن يحسم الأمور، بصورة نهائية، في الصحراء، ولكنه سوف يدعم المفاوض المغربي، بشكل كبير، في أية مفاوضات محتملة، من أجل دفع جبهة البوليساريو والجزائر إلى قبول مقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب”.
وبسؤاله عن الدوافع السياسية والبراجماتية وراء اتفاق التطبيع من جانب إدارة ترامب في نهاية فترة ولايته، وخلفيات استجابة المغرب، يقول: “دوافع ترامب لا غبار عليها، وقد أعلنها، بوضوح؛ فهو ينوي الترشح العام 2024، ويريد تحقيق أكبر قدر من الإنجازات، لكي يوظفها ضمن دعايته السياسية لناخبيه، ويبني على ما تحقق في انتخابات العام 2024. كما يريد ترامب الاستفادة من الزخم الهائل الذي حققه خطابه الشعبوي، وتوسيع قاعدته، والمحافظة عليها، في الانتخابات المقبلة، حتى يفرض نفسه بصفته المرشح الوحيد الذي يمكنه أن يضمن عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض. ولا شك أن اللوبي اليهودي القوي في الولايات المتحدة، سوف يكون داعماً بقوة لهذا القرار الذي يسهل إدماج إسرائيل في المنطقة”.
اللافت أيضا أن الناخب الأمريكي ليس معنياً بمستقبل الصحراء، ووضعيتها السياسية؛ المهم بالنسبة لقاعدته المحافظة هو عدد الدول التي وافقت على التطبيع مع إسرائيل، وحجم الاتفاق الذي تحقق في استكمال عناصر ومقومات المشروع الصهيوني.
وأما في ما يخص موقف المغرب “فقد عانى طويلاً من تقلب المواقف الأمريكية في مجلس الأمن، وهو يريد أن يدفع بالحل الذي يسهل إطلاق دينامية الفضاء المغاربي، وخلق المناخ المناسب لاكتساب الاعتراف الدولي بالسيادة المغربية على الصحراء”.
ردود الفعل المحلية في المغرب على التطبيع
وعلى مستوى التداعيات السياسية والشعبية بالمغرب في ما يتصل بالتطبيع مع الدولة العبرية، وطبيعة الذاكرة الانطباعية المحلية باتجاه الأخيرة.
يقول أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني في المغرب إنه: “بكل تأكيد، ثمة أغلبية شعبية واضحة تؤمن بحقوق المغرب في الصحراء، وبأنها جزء لا يتجزأ من التراب الوطني، لكنها ترفض التطبيع رفضاً باتاً؛ وتتوزع هذه الأغلبية بين أحزاب اليسار، وكذا الإسلاميين، سواء “جماعة العدل والإحسان” التي أصدرت بيان إدانة لهذا الاتفاق أو حزب “العدالة والتنمية”، الذي يشارك في الحكومة، برئاسة سعد الدين العثماني، والذي يبدو أنه تفاجأ بدوره بهذا الاتفاق”.
كما يمكننا، والكلام لعبد اللاوي، أن نضيف إلى هؤلاء، قاعدة شعبية واسعة تتعاطف، بقدر كبير، مع قضية فلسطين، دون أن يكون لديها أي انتماء سياسي، وفي المقابل، يجد هذا الاتفاق الدعم بين أوساط عدد من التكنوقراط، ونشطاء بعض الجمعيات، والشخصيات ذات التوجهات الثقافية الفرانكفونية.
وبالرغم من التفاوت الكبير بين حجم المعارضين والمؤيدين، فإن حالة الحجر الصحي المفروضة، بسبب فيروس كورونا المستجد، هي التي تبرر منع التظاهر والاحتجاج، فضلاً عن الدور الذي ستلعبه وسائل الإعلام في الترويج للصفقة، مما سوف يحسم الأمور ضمن الاختيار الرسمي في النهاية.
غير أن التغريدة الثانية للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، بخصوص أزمة الصحراء المغربية، والصراع مع جبهة البوليساريو، أبرزت درجة من التوظيف السياسي للنزاع التاريخي، في مقابل إنهاء الاتفاق الذي وصف من جانب ترامب بـ”اختراق تاريخي”.
الأزمات الإقليمية وملء الفراغ
ويشير المصدر ذاته إلى أن الأسباب العميقة للخلاف في أزمة الصحراء المغربية، تكمن في فقدان الثقة بين الجزائر والمغرب، و”الدليل على ذلك أن الحدود ظلت مغلقة بين البلدين، ولم تكد تفتح رغم طولها وحيويتها، إلا لسنتين أو ثلاث سنوات، رغم مضي مرور ما يزيد على أكثر من ستة عقود على استقلال البلدين. كما بدأ التوتر بمجرد استقلال البلدين بسبب خلافات حدودية، ثم تعمقت مع التباينات الأيديولوجية، وتفاقمت، مؤخراً، مع حمى التنافس الإقليمي”.
وبالتالي، يمكن أن نفسر فشل الجزائر والمغرب في حل مشاكلهما، وفي استعادة الثقة التي فقدت، منذ حرب الرمال، وسعيهما إلى حشد الأنصار لمواقفهما، بأنه هو ما أعطى فرصة لقوى إقليمية ودولية، بحسب عبد اللاوي، وذلك لمد نفوذها في المنطقة، أو لإطلاق سباق تسلح؛ الأمر الذي يبرز بوضوح في مشتريات السلاح الهائلة التي يراكمها البلدان، بالرغم من مشاكل الهشاشة والفقر، وضعف البنيات التحتية، التي يعاني منها كلاهما.
يفرض الاتفاق إعادة فتح مكاتب اتصال في كل من تل أبيب والرباط، ومن ثم، تبادل فتح سفارات في كلا البلدين، بالإضافة إلى استعداد المغرب للسماح برحلات جوية مباشرة من وإلى إسرائيل لكل الإسرائيليين.
وإلى ذلك، قال ممثل جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة، سيدي عمر، إن الوضع القانوني يحدده القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
وغرد ممثل جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة في تغريدة على تويتر: “تشير الخطوة إلى أن النظام المغربي مستعد لبيع نفسه في سبيل الحفاظ على الاحتلال غير القانوني لأجزاء من الصحراء الغربية”.
وبحسب وكالة رويترز للأنباء، فقد نقلت عن أبي بشرايا، ممثل البوليساريو في أوروبا، “إن التغير في السياسة الأمريكية لن يغير شيئا من واقع الصراع وحق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير”.
كما أكد الناطق الرسمي بلسان الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الخميس الماضي، أن “موقف أنطونيو غوتيريش لم يتغير حيال الصحراء المغربية بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة المغربية على هذه المنطقة، وشدد على موقف الأمم المتحدة الذي يقتضي الحذر باتجاه التصعيد في المنطقة المتازع عليها من الطرفين، وتابع: “لا يزال بالإمكان التوصل إلى حل على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي”.
اقرأ أيضا:
صفقة القرن: الإمارات والبحرين توقعان اتفاق سلام مع إسرائيل..و5 دول على قائمة الانتظار
السلام على الخريطة.. كوشنر يعيد رسم الشرق الأوسط لصالح إسرائيل
تحركات الدبلوماسية المغربية
خلال الأسابيع الأخيرة، شهدت الدبلوماسية المغربية تحركات على عدة أصعدة؛ أبرزها التدخل الأمني وفتح معبر الكركرات، والذي يبعد عن الحدود المورتانية بنحو خمس كيلومترات، وهو الأمر الذي “لم يكن ليتم ذالك بنجاج لولا المجهود الجبار الذي قامت به الدبلوماسية المغربية، سواء داخل أروقة الأمم المتحدة، أو داخل الإتحاد الأوروبي، كما كثفت اتصالاتها مع الدول العربية والإفريقية، حتى أصبحت جبهة البوليساريو والنظام الجزائري في عزلة”. بحسب الناشط الحقوقي المغربي، عزيز أرقراق.
ويضيف لـ”مصر 360″: “الاتفاق ينص في شقه الأول على اعتراف الولايات المتحدة بالصحراء المغربية، مع افتتاح قنصليتها، في مدينة الداخلة. كما ينص في شقه الثاني على تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، وكذا تبادل الرحلات السياحية بين البلدين، بينما المهندس الفعلي لهذا الاتفاق هو دونالد ترامب الذي ستنتهي ولايته في الشهر المقبل”.
هناك من يستغرب من إقدام ترامب على هذه الخطوة، وكما هو معلوم كل رئيس جديد للولايات المتحدة، يجد على مكتبه ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بينما الرئيس ترامب، عمل، منذ الأشهر الأولى لولايته، على حل وتصفية النزاع التاريخي، وكان من ضمن مشاريعه في المنطقة صفقة القرن، التي لقيت ردود فعل معارضة شديدة من الطرف الفلسطيني، لكن ذالك لم يمنعه من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. يقول أرقراق.
ويلفت الناشط المغربي إلى أن المفاوضات بين المغرب و إسرائيل، انطلقت قبل الانتخابات الرئاسية الامريكية، غير أن علاقة المغرب بإسرائيل تختلف عن باقي الدول العربية، كون اليهود المغاربة يشكلون أكثر من 10% من الشعب الإسرائيلي، أي حوالي مليون مواطن مغربي، من بينهم زعماء سياسين بارزين.