حصلت الكاتبة الفرنسية آني إرنو المولودة في عام 1940 بمنطقة نورماندي شمال غرب فرنسا على جائزة نوبل في الأدب لهذا العام 2022.
وبررت لجنة نوبل هذا “لشجاعتها وتبصرها الدقيقين اللذين تكشف بهما جذور الذاكرة الشخصية واغتراباتها وأغلالها الجمعية”. لتصبح أول كاتبة فرنسية تفوز بالجائزة منذ فوز مواطنها باتريك موديانو عام 2014. كما أصبحت الكاتبة الفرنسية السادسة عشرة التي تفوز بجائزة نوبل للأدب حتى الآن.
ترجماتها العربية
الجدير بالذكر أن الكاتبة الفرنسية ترجم لها العديد من الأعمال إلى العربية. منها “امرأة-عشق بسيط” من ترجمة: هدى حسين. و”المكان” من ترجمة: أمينة رشيد وسيد البحراوي -اللذين قدماها في البداية. و”الاحتلال” من ترجمة: إسكندر حبش.
عاشت طفولتها مع والدين امتلكا متجر بقالة ومقهى. درست في جامعتَي رون وبرويكس وعملت معلمة مدرسية. قبل أن تتمكن من الحصول على درجة عليا في الأدب الحديث في أوائل السبعينيات. والتحول إلى التدريس الجامعي.
بدأت مسيرة آني إرنو الأدبية بكتابها “الخزائن الفارغة (Les armoires vides)”. والذي نُشر في عام 1974 ثم تحولت على مدار حياتها من طبقتها العاملة غير المتعلمة إلى طبقة برجوازية مثقفة وربما يبدو ذلك أهم ما يميز مشروعها.
كما كان فوز بوب ديلان 2016 يأتي فوز آني إرنو كنتيجة لتاريخ الأدب الأوروبي الحديث. مرحلة ما بعد فضائح me too “أنا أيضا، حركة نسوية لكشف ما تتعرض له النساء من انتهاكات”وألعاب السياسة الدولية وشبكة الرهانات الأدبية. هكذا قال الشاعر إبراهيم السيد عن الفائزة بنوبل.
كل حركة هي حركة ذاتية
انتقال الطبقة الذي عايشته آني إرنو وسّع بعض المدارك الحياتية لديها في استقبال الأشياء والأحداث من العالم من منظورات متباينة تمامًا. خلق مساحة حياة أكثر رحابة للكتابة بشكل ما. تقول في أحد أحاديثها إن المواضيع الأساسية لعملها هي “الجسد والجنسانية- العلاقات الحميمة-التفاوت الاجتماعي- واختبار الترقي الطبقي من خلال التعليم- الوقت والذاكرة- والسؤال الشامل حول كيفية الكتابة عن هذه التجارب الحياتية”.
لم تكتف “آني” بذلك. درست الأدب بشكل نظامي في فرنسا. بعد ذلك بفترة ليست قليلة عملت كمربية في لندن. وقالت إنها استفادت تمامًا من هذا العمل بالتحديد. ثم تزوجت وأنجبت طفلين جلست لتربيتهما. بعد سنوات ذهبت لتتعلم الفرنسية في مدرسة ثانوية. ونشرت كتابها الأول الذي تبعته بمشروع يمكن الاستفادة من الحديث عنه.
في كل كتاب أو حركة ثمة انطلاق ذاتي: في الستينيات على سبيل المثال مرت بتجربة الخضوع لعملية إجهاض غير قانونية. أبقت الأمر سرا عن عائلتها. استعادت تلك التجربة الصادمة بعد 25 عاما.
في روايتها “الحدث” (2000) والتي تقلب فيها ذكرياتها ودفاتر يومياتها العائدة لتلك الفترة. نقلت الرواية إلى الشاشة في فيلم يحمل العنوان ذاته. حاز الفيلم جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية العام الماضي لتماسه الشديد مع صدق الحدوتة الأصلية.
لها رواية بعنوان “السنين” حازت جائزيتي “رينودو” في فرنسا عام 2008. و”بريميو ستريجا” في إيطاليا عام 2016. في عام 2019 وصلت “السنين” إلى القائمة القصيرة لجائزة “مان بوكر الدولية”. ووصفتها لجنة التحكيم في حينه بأنها “تحفة تتجاوز حدود النوع الأدبي”. لأنها تعتمد على السيرة الشخصية المقولبة في مصنف إبداعي متجاوز. إرنو ذاتها قالت إن العمل “يعطي السيرة شكلًا جديدًا ذاتيا وغير شخصي. خاص وعام في آن. الانطلاق في معظم تلك الكتابات من منطقة مُدرَكة تمامًا يعطيها صدقا شديدا”.
درس سيرة ملهِمة
كل توجه للحديث عن الكاتبة يجب أن يلاصق حياتها الشخصية تمامًا. لماذا؟ وما الذي يمكننا الاستفادة منه؟. لأنه يمكن اعتباره مشروعا موازيا تمامًا لأغلب مشروعات الأدب الحالي التي تتجنّب الحياة الشخصية تمامًا. بل أحيانًا تعتبر الكتابات الذاتية شيئا بعيدا نوعًا ما عن الأدب.
بينما يؤكد هذا المشروع الطموح والسعي الدائم لتحويل الحياة الشخصية الأكثر ذاتية وصدقا إلى تجربة يمكن الانطلاق منها لفهم العالم أو طرح كتابة تشبه قارئها أكثر من أي شيء آخر.
أنتجت آني إرنو في مشوارها العديد من الكتب. منها نحو خمسة كتب تُرجمت للعربية. الأكثر سحرا من بينها كما يرى كثيرون رواية “لم أخرج من ليلي” ثم “الاحتلال”. جميعها سيرة شخصية للكاتبة. تمشي مع حياتها رويدًا للتعرف والاكتشاف. وربما لإدراك أننا في لحظة يمكن أن تصبح الحكايات الشخصية أكثر حياة من أي شيء. وربما ليدرك القارئ العربي والعالمي أن في السيرة الشخصية التي يدرك كاتبها جيدًا ماذا يقول بصدق ما يمكنه أن يأخد أبعادا تتجاوز نوعها لتمثّل نوعا أدبيا ملهما يمكن أن يحصل على أرفع الجوائز في لحظة زمنية مليئة بالصراعات الكبرى.