تقف بسنت “اسم مستعار” أمام القاضي، تستقبل قرار النيابة بتجديد حبسها 15 يومًا على ذمة التحقيقات. قبل أن تعود للتفكير في جنينها. كيف سيستطيع الحياة داخل جدران السجن.
لا تعلم “بسنت” مصيرها بعد اتهامها بنشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعات إرهابية. كذلك فهي في الشهر الثاني من حمل طفلها الأول، ولا تعرف إن كانت ستلد داخل الحجز أم خارجه.
لم تكن مخاوف “بسنت” الوحيدة، فقد سبقتها محتجزة أخرى تم القبض عليها في شهرها الثاني من الحمل. كما ظلت حتى الولادة، لتحصل على حريتها هي وطفلها بعد بلوغه سن الشهرين.
تقرير منظمة “العفو الدولية” يؤكد تكدس مئات السجناء المصريين في زنازين مكتظَّة. حيث يبلغ متوسط المساحة المتاحة لكل سجين من أرضية الزنزانة حوالي 1,1 متر مربع. وهي تقل كثيرًا عن الحد الأدنى الذي توصي به المنظمة وهو 3.4 متر مربع. كذلك يقل عدد السجناء المفرج عنهم في 2020 بموجب عفو رئاسي وقرارات إفراج مشروط بنحو 4 آلاف عن مثيله في عام 2019.
إجازة تأجيل العقوبة.. الدفع بالتبديل أمام النيابة
المحامي نبيه الجندي، والذي حضر مع “بسنت” التحقيقات يقول إن قانون الإجراءات الجنائية أجاز تأجيل تنفيذ العقوبة المقيدة للحرية. إذا كانت المحكوم عليها حاملًا. كما أن المشرع تحدث عن تأجيل تنفيذ عقوبة، ما يعني أن الجريمة مثبتة ولها أدلة قوية.
كذلك أشار الجندي، إلى أنه تم الدفع كثيرًا بمطالب تبديل الحبس الاحتياطي بالتدابير أمام النيابة. خاصة وأن الحالتين بسنت وزميلتها السابقة والتي وضعت طفلها داخل السجن كانا محتجزتين بناء على قرار حبس احتياطي. أي أن الجريمة الموجه إليهما لم يتم إثباتها بعد. كذلك قال: “اتمنى أن تلد بسنت خارج السجن. ويتم توفير لها الرعاية الصحية اللازمة وهذه من أقل المطالب”.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” سبق أن نددت بالإهمال غير المقبول من جانب سلطات السجون المصرية. خاصة على خلفية وفاة 4 داخل السجون بين 31 أغسطس و2 سبتمبر الماضي بحسب المنظمة.
كما ذكرت المنظمة أن معاناة السجناء في مصر زادت من جراء فيروس كورونا. كذلك أدى إلى إصابة ووفاة العديد من السجناء بسبب الازدحام وسوء الظروف الصحية ونقص الرعاية.
المادة 485 من قانون الإجراءات الجنائية نصت على: “إذا كانت المحكوم عليها بعقوبة مقيدة للحرية حبلى في الشهر السادس من الحمل. جاز تأجيل التنفيذ عليها حتى تضع حملها وتمضي مدة شهرين على الوضع. فإذا رؤى التنفيذ على المحكوم عليها أو ظهر في أثناء التنفيذ أنها حبلى. وجبت معاملتها في السجن معاملة المحبوسين احتياطيًا حتى تمضى المدة المقررة بالفقرة السابقة”.
حالات أخرى
محامية من مؤسسة “بلادي” سبق أن حضرت جلسات مع 4 سيدات حوامل ولدن داخل الحجز. قالت إن ثلاثة منهم مازلن محتجزات حتى الآن.
وعن ظروف احتجاز وقضايا هؤلاء السيدات. تروي المحامية، أن جميعهن كن متهمات في قضايا انضمام في نيابة أمن الدولة وتم احتجازهن في عنابر عادية. ماعدا واحدة منهن احتجزت في عنبر الأمهات. وبعد الولادة أرفق أطفالهن في نفس الغرفة.
وتوضح: “للأسف في ظل فترة كورونا، لا يتم تمكيننا باعتبارنا محامين من زيارة السجون. وفي الجلسات بيتم عرض المحتجزات في قفص زجاجي. لا نستطيع من خلاله أن نصل إلى معلومات حول ظروف احتجازهن”.
نزيف متكرر وخطر الإجهاض.. الطريق من النيابة للسجن
كان للمحامية نصيب جيد من متابعة كافة جلسات محتجزة من بداية حملها حتى الولادة. كذلك كان لها حق الإطلاع عن حالتها الصحية عن قرب. وهو الأمر الذي يكشف مدى المعاناة التي تتعرض لها هؤلاء النسوة في الحصول على العلاجات اللازمة.
المحامية تروي: “كانت تحتاج لحقن أثناء الحمل ولم تكن متوفرة في مستشفى السجن. ولا مسموح بشرائها من الخارج على نفقتها الخاصة. أدوية كثيرة تخص الحمل غير متاحة بالمستشفى وتستغرق الكثير من الوقت إن استطاعت أن تدخلها في الزيارة”.
وتتابع: “كذلك منتجات الألبان والتي تحتاج لها الحامل بشكل مستمر. كانت مرهونة بظروف تفتيش الزيارة والتي قليلًا ما تدخل كاملة”.
فقر العلاج والطعام الصحي الجيد كان له تأثير واضح على حالة المحتجزة وحملها الذي كان مهدد بالفقد. إذ تقول: “كانت تتعرض كل جلسة لنزيف بسبب الحركة الصعبة لعربية الترحيلات. كما تعرضت لخطر الإجهاض أكثر من مرة بسبب الطريق الطويل من السجن إلى النيابة في التجمع. والعربية كلها حديد وسيئة جدًا”.
دفع المحامون بمحاولة الحفاظ على صحة الجنين من خطر سيارة الترحيلات. ليتم الاستجابة لهم لمرة واحدة فقط بنقلها إلى الجلسة في سيارة إسعاف. لتعود لحضور باقي الجلسات عبر سيارة الترحيلات وهو الأمر الذي عرضها للنزيف مجددًا.
خرجت المحتجزة بعد ولادتها بالسجن بعد بلوغ طفلها 4 أشهر من عمره. لكن كان لتلك المحتجزة حظ أوفر في تحسين مكان الولادة بعدما استجابت النيابة لطلب المحامين. بولادة طفلها بمستشفى خارج السجن بدلًا من مستشفى سجن القناطر.
المحامية تقول: “بالفعل نقلت السيدة في يوم الولادة صباحًا لمستشفى بنها الجامعي وحضرت معاها الولادة والدتها وشقيقتها”.
اقرأ أيضًا.. طارق العوضي: أنقذوا سجناء الرأي والعالقين
رعاية حديثي الولادة
يعاني الأطفال حديثو الولادة كما تعاني أمهاتهن من قلة الرعاية الصحية والطبية. فعقب ولادة الطفل اكتشفت بعدها بحوالي شهرين أن طفلها يعاني من فتاء في البطن. ويحتاج إلى عملية لكن مستشفى السجن لم يقدم للطفل الرعاية اللازمة، بحسب المحامية.
في أكتوبر 2020، وبعد 13 شهرًا من الاحتجاز، تم الإفراج عن تلك المحتجزة، بتدابير احترازية. وحضور القسم ساعتين لمدة يومين ليتم إلغائها بعد شهر ونصف بقرار النيابة “أمن الدولة العليا”. برفع التدابير الاحترازية عنها، وقررت إخلاء سبيلها بضمان محل الإقامة.
تخفيف عدد المحتجزين
المفوضية السامية لحقوق الإنسان، حثت السلطات على أن تدرس سُبل الإفراج عن الأشخاص المعرضين بشكل خاص لخطر الإصابة بفيروس كورونا. ومن بينهم المعتقلون الأكبر سنًا والمرضى. بالإضافة إلى المجرمين الذين يمثّلون خطرًا ضئيلاً. كما عليها أن تواصل توفير متطلّبات الرعاية الصحية المحدّدة للسجينات، بمن فيهن الحوامل، والمعاقات والأحداث.
وبالنسبة إلى المحتجزين، يقع على الدولة واجب خاص بحماية الصحة البدنية والعقلية للسجناء ورفاههم. بحسب ما تنصّ عليه قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (المعروفة أيضًا بقواعد نيلسون مانديلا).
اقرأ أيضًا.. ” عيدهم في السجن”.. حملة تضامنية مع سجناء الرأي في عيد الفطر المبارك
تدابير التصدي
المحامي خالد علي يقول إنه يجب ألا تؤدي أبدًا التدابير المتخذة للتصدي لأي أزمة صحية إلى تقويض الحقوق الأساسية للمحتجزين. بما في ذلك حقهم في الحصول على قدر كافٍ من الغذاء والماء. كما يجب احترام الضمانات الواقية من سوء المعاملة، بما في ذلك إمكانيّة الاتصال بمحام وطبيب.
ونفس القاعدة تبناها المشرع الجنائي المصري في المادة 485 إجراءات. والتي أجاز تأجيل تنفيذ العقوبة المقيدة للحرية والمقضي بها على السيدة الحامل. إذا كان الحمل في الشهر السادس، حتى تضع حملها وتمضي مدة شهرين على وضع حملها.
وفيما يتعلق بأوضاع الحوامل بشكل عام، ذكرت اليونيسف إن الأمهات الجديدات والمواليد الجدد سيواجهون واقعًا قاسيًا. بما في ذلك إجراءات عزل على مستوى العالم من قبيل ملازمة المنازل وحظر التجول. وتعرُض المراكز الصحية لضغوط هائلة في جهودها للاستجابة للجائحة؛ ونقص في الإمدادات والمعدات. ونقص في العدد الكافي من المساعدين الماهرين أثناء الولادة من قبيل العاملين الصحيين، بمن فيهم القابلات، نظرًا لتكليفهم بمهمات لمعالجة المصابين بكوفيد-19.
وحذرت اليونيسف من أنه يمكن لإجراءات احتواء “كورونا” أن تعطل الخدمات الصحية المنقذة للأرواح من قبيل رعاية الولادة. ما يعرض ملايين النساء الحوامل وأطفالهن لخطر كبير.