“أنت لا تعرف حقًا معنى الموت إلا عندما تعرف الحب” كاترين هثواي
الحب مثل فرشاة سحرية تلون حياتنا بالبهجة، تغير كل شيء تمر عليه، تُبدل القسوة، وتعيد تعريف الاهتمام، في الحب تبدأ الجغرافيا مختلفة، فالأماكن تستمد قيمتها من المرور بها مع الحبيب، فالحب فعل سحري يترك أثره أينما مرّ، لكن إلى متى يعيش الحب؟
اقرأ أيضًا.. هل يهجر الرجال الحب؟ (2)
كلام الحب
في مراحل الاكتشاف والاختبار يكون السلاح الأقوى هو الكلام، حيث تفتت الكلمات الغربة، وتصنع جسورًا من الوصل، الكلام مغوي، ومُسكر، بحيث تُصبح الكلمات ذات تأثير لا يخفت، أثارها في الأذن لا تنمحي، كل عبارة حب، تدخل حيز القدسية، فتصير دستور العلاقة، ولعل أجمل ما في الحب هو كلماته وفي مستوى آخر قد ينافسه العناق، فكل من الكلمات والحضن لهما تأثير على أي إنسان مهما كانت صفاته ومقوماته، للكلام لهيب يُذيب الجليد، ويُعيد تشكيل الحجر والحديد على السواء، وحسب كل إنسان تطول أو تقصر فترة الكلام، فهناك مرحلة تالية لها متطلبات مختلفة.
المشكلة هنا تكون أن غالبية النساء في المرحلة التالية في العلاقة يطالبن بالفعل وفي ذات الوقت يرغبن في استمرار مرحلة كلام الحب، دون الالتفات لحجم الضغوط التي تتشكل تباعًا في العلاقة مع الوقت.
متى يبدأ الفعل؟
الطبيعي والمنطقي أن يتوازى الكلام مع الأفعال، لكننا كنساء بعض منا تُربي أولادها الذكور كونهم أعلى درجة لمجرد النوع، وبعض منا يتطوعن بأدوار عن الرجل، ولكننا جميعًا ننتظر الأفعال من الرجل، ونحن نتجاهل هذا الميراث الاستعلائي الذي تربى عليه كثير من الرجال، فيُصبح انتظار الأفعال وتحمل المسئولية مخيب للآمال ومحبط، في حين أن بعض الرجال، يجدون في مرحلة الأفعال وتحمل المسئولية مرحلة صعبة عليهم الهرب قبل الوصول لها.
الإنسان بشكل عام لا يحب تحمل المسئوليات، الفعل شقاء، والمسئولية ذات تبعات لا تتوقف على ما تفعل الآن، بل أنها دومًا ذات ذيل طويل، وردود فعل، ومواقف متلاحقة، فحين يقرر الرجل أن يرتبط بحبيبته، فعليه أن يأخذ خطوات أخرى، ومسئوليات متلاحقة، وأحيانًا تبدو أكبر، فقرار الارتباط ليس مجرد موقف يُثبت جدية الحب، ولكنه قرار تتبعه مسئوليات متراكمة وتكبر بالوقت، شيء أشبه بكرة الجليد، التي تكبر بالوقت.
الرجل الهارب من المسئولية جزء من ميراثنا كنساء وحصاد الأخريات
حين تدلل الأم ولدها الذكر، لكنها تغضب وتثور عندما ترى تصرفات زوج ابنها، وهي لا ترى أن ما تفعله يعود إليها، فكما تُربي هي تُربي غيرها، التمييز على النوع، هو تصرف نتائجه سيئة على الجميع، تغضب الأم من زوج ابنتها، لكنها لا ترى مشكلة في تصرفات ابنها، فهذا الابن مكافأة الزمن لها، ودليل استحقاق كونها أم الولد، هذا الابن بات رجلًا يُخرب قلوب نساء أخريات.
الرجل تعلم أن يقول معسول الكلام، يستمتع باللحظات الأولى في العلاقة، ويستمرئ الوقت، وكلما مر الزمن، صار عدد هذه النوعية أكبر من هؤلاء الجادين الذين يُشير كلامهم إلى أفعالهم وسلوكياتهم، فالمسئوليات أصبحنا نراها أكبر، والحقيقة أن المسئوليات لم تكبر، والضغوط لم تزد، فنحن لا نتعامل بمنطق النسبية، نحن نقارن الآن بالماضي فقط في المسئوليات، في تراجع مستوى المعيشة، دون أن نرى الصورة كاملة.
المتغير الحقيقي هو تراجع عدد الرجال القادرين على تحمل المسئولية، وهذا صنيع أيدينا، نحن المتطوعات بأدوار غيرنا، ونحن الأمهات اللواتي تدللن الولد فقط لأنه ذكر.
تكرار الهروب
كلام الحب رائع، والرومانسية مطلب للجميع، على اختلاف خلفياتهم وثقافتهم، لكن عمرها يتحدد حسب كل علاقة، وليس حسب كل فرد، فهناك رجل لا يحب الكلام الكثير، ويمل الرومانسية وتبادل الرسائل الصباحية، ويود الانتقال إلى مرحلة أكثر حسية، وهنا قد تقف الفتاة ضد ذلك أو بعضًا منه، فتُصبح المسئولية قدر، وتأتي الكلمات الرنانة مثل أنتِ تستحقي من هو أفضل مني، أنا مش جاهز، وعبارات عديدة تُشير إلى نهاية العلاقة، وعلى الفتاة أن تقدم تنازلات ربما أوقعت بحبيبها في فخ المسئولية أو تنتهي العلاقة، وعندما يعتاد الرجل الهروب من العلاقات، فإنه من الصعب أن يتحمل المسئولية التي يراها جبل كبير، فنحن إزاء المسئولية لا نرى سوى حجمها الكبير، والغالبية لا تسعى إلى تفكيكها وتقسيمها لمراحل.
الرجل الهارب من المسئولية هو نتاج مجتمع عمل بدأب على مدار عقود، أسرة تميز الذكور، مجتمع يبرر أي فعل طالما يتحدث من جهة الفاعل الذكر، تعليم لا يعتني بالفنون والحرف، ولا يعتني بالتعليم بالأساس، لتنمو أجيال تتمتع بالجهل والتخلي، كثير من الخريجين يجهلون اللغة العربية، ولا يستطيعون كتابة فقرة تخلو من الأخطاء الإملائية، لا يمتلكون مهارات تؤهلهم لسوق العمل، أو لاكتشاف فرص متنوعة.
هذه النوعية من الرجال الهروب من علاقة جادة بالنسبة لها هو طريق واجب السير فيه، فيقتصر الحب لديها على البدايات، ولا شيء بعدها، فلا شيء يعيبه كما أن الفتيات أيضًا بتن ينظرنا إلى تكرار العلاقات بلا تجريم أو مشكلة.
والحقيقة أنه لا مشكلة أن يرتبط المرء لأكثر من مرة، وليس بالضرورة أن تجد الشريك المناسب بسرعة أو من أول او ثاني ارتباط، لكن المشكلة الحقيقية، أن كثير من الشباب صار يكتفي ببدايات العلاقات خوفًا وعزوفًا عن المسئولية التي سوف تقع على كاهله فور الانتقال من مرحلة الكلام إلى مرحلة الأفعال، وبمرور الوقت يُصبح الارتباط المتجمد في حيز البدايات هو الشكل الأكثر رواجًا في العلاقات ولا عجب أن نرى تراجع نسبة عقود الزواج، حيث يتغير المجتمع ويتخلص من كثير من أشكاله الجامدة في بدء العلاقات، لكن تظل نظرته نحو تكبيل الذكر بالعديد من المسئوليات المادية هو الأساس.
كثيرًا ما تأتي جملة الحوار المجتمعي إشارة لعدد من الفاعليات، لكنني وبشكل شخصي لم أجد حوارًا مجتمعيًا حول الارتباط والزواج، مناقشة حقيقية تستند لحقائق عن المسئوليات والحقوق لكلا الطرفين.
كوابيس محكمة الأسرة والخبرات السيئة لم تعد ميراث النساء وحدهن بل أصبحت أيضًا أشباحًا تطارد الرجال، وتصير ثقل معلق بأقدامهم تؤخرهم عن الفعل.
حين نرى رجال تهرب من الحب ربما نسخر أو نضحك، والبعض يسب، وينتهي الأمر دون مناقشة القضية من كافة جوانبها، فإن كان نسبة الهاربين الآن ليست كبيرة بما يجعلها ظاهرة فإنها آخذة في الازدياد كون الأسباب التي تؤدي لها، هي أسباب نتجاهلها، ونقف فقط عند عبارات نهاية العلاقة.
الهاربون في زيادة، وبعض النساء يتحولن إلى الأهداف والطموحات المادية بعد خيبات مرتبطة بالحب، الكل في ازدياد والنتيجة أسر مفككة، ومجتمع تزيد أمراضه الاجتماعية وتتخلخل بنيته الأخلاقية والقيمة، وتنتهي الحكايات عند كوميك وميمز تسخر من الرجل الذي يترك حبيبته بلا أسباب واقعية من وجهة نظرنا، فإلى أي مدى سنظل في خانة الفرجة؟