“رياح حارة تهب في الشرق ، والعشب الجاف ينتظر شرارة”. جاءت العبارة كافتتاحية لمقال رأي بتاريخ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني في جريدة الواشنطن بوست/ The Washington Post. والذي كتبه دبلوماسيان أمريكيان سابقان. يصفان فيه الواقع المنتظر للإسرائيليين والفلسطينيين في ظل الحكومة الجديدة في إسرائيل.
أوضح الدبلوماسيان، في مقالهما، أن هناك ثلاث قوى في المشهد الذي يحيط بإسرائيل: سلطة فلسطينية ضعيفة، وحكومة إسرائيلية “يمينية متطرفة”، وإدارة أمريكية “ديمقراطية” تنفر من المخاطرة. بينما تحوم في الخلفية نشاطات إيرانية، أمام دول اتفاق إبراهيم ” التي تدفن رؤوسها في الرمال” بتجاهل القضية الفلسطينية.
أيضا، دعا كاتبا المقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اتخاذ إجراءات ضد حكومة نتنياهو القادمة. مثل مقاطعة وزيرين -إيتامار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش- اللذين وصفهما باليمين الراديكالي. وتحذير الدول الأربع لاتفاقات إبراهيم “البحرين والإمارات والمغرب والسودان” من أنها إذا لم تُعِد القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال، فإن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات ضدها.
في تحليلهما الذي نشره معهد القدس الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية والأمنية، كرد على مقال الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين ، يشير البروفيسور جابي سيبوني خبير الأمن السيبراني والاستراتيجية العسكرية والتكنولوجيا، والعقيد احتياط السابق بالجيش الإسرائيلي، والدكتور كوبي مايكل، الباحث بالمعهد. يلفتان إلى أنه “ربما يعكس المقال- أي المقال الأمريكي- اهتمامًا صادقًا بمستقبل الدولة اليهودية، من اليهود الأمريكيين المهتمين الذين خدموا الإدارات الديمقراطية، وتعاملوا مع الشرق الأوسط”.
اقرأ أيضا: نتائج انتخابات الكنيست.. الخروج من الانقسام إلى هيمنة الصهيونية الدينية
يقولان: لقد كانوا -أي اليهود الأمريكيين- قلقين للغاية بشأن عدم قدرة الشعب في إسرائيل على الاهتمام بمستقبل دولتهم. لدرجة أنهم شعروا بأنهم مضطرون للتحرك لإنقاذ الدولة اليهودية على الرغم من وجودها.
وبعيدًا عن غطرسة نهجهم، فإنه يرقى إلى انتهاك صارخ لتجنب التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أجنبية -دولة حليف أيضًا- ورفض نتائج العملية الديمقراطية الوحيدة الموجودة في الشرق الأوسط بأكمله- كما أن دعوتهم ملوثة بالعدل الذاتي.
فلينظروا لأنفسهم
يقول التحليل الإسرائيلي تعقيبا على المقال الأمريكي: في حين أن بلدهم مستقطب سياسيًا اليوم، تقريبًا بدون سابقة، فإنهم يعظون دولة إسرائيل. بينما يجب أن يركزوا على بلدهم.
وأضاف: هاجمت عصابة عنيفة الكونجرس -في إشارة إلى الهجوم على مبنى الكابيتول من قبل أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب- الذي يقود جمهورًا من عشرات الملايين يشككون في نزاهة أمريكا الليبرالية، ويزعمون أن الانتخابات قد سُرقت. يلطخ المتخلفون العنصريون والنازيون الجدد والعنيفون سجلات أمريكا، والمحكمة العليا -ذات الأغلبية المحافظة- تبطل قوانين مجلس النواب، وتشكك في حقوق المرأة.
على الرغم من انهيار النموذج الذي ادعى أن حل المشكلة الفلسطينية هو مفتاح تطبيع الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل. ورغم اتفاقيات إبراهيم، التي أدت إلى هيكل إقليمي جديد، يساهم في استقرار الشرق الأوسط وازدهاره. يصر البعض على إحياء النموذج الفاشل الذي منح الفلسطينيين -على مدى أجيال- حق النقض على أي تقدم وتطبيع مع العالم العربي.
وأكد التحليل أن “المنطق الاستراتيجي المشكوك فيه للرئيس السابق باراك أوباما، الذي رأى إيران والإخوان المسلمين جزءا من حل مشاكل الشرق الأوسط بدلاً من أسباب مشاكل الشرق الأوسط، يكمن وراء اقتراح الكاتبين”.
ويرى المحللان الإسرائيليان أن “دعم المتنمر في الحي”، ومحاولة إرضائه وتجنيده للتعاون، هو “وهم”. لأن “معنى الاقتراح هو زعزعة استقرار النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، الذي تدعمه اتفاقيات إبراهيم”.
وهاجم التحليل ما وصفه بـ”هوس غريب للكاتبين بالقضية الفلسطينية” لأنه “غير مرتبط بمشاكل المنطقة الرئيسية” حسب زعمهما.
وأضافا: يتجاهل الكاتبان تراجع قدرة السلطة الفلسطينية، والتعفن المنتشر في السياسة الفلسطينية. بينما هو كيان مجزأ ومنقسّم، يعاني من الفساد والمحسوبية والخلل المزمن، الذي يؤدي إلى فراغ حكومي.
أهمية إسرائيل لأمريكا
يشير التحليل الإسرائيلي إلى أن السلطة الفلسطينية “خسرت احتكارها لاستخدام القوة، مما أدى إلى تنامي بؤر الإرهاب في شمال السامرة “أي الضفة”، التي امتدت إلى باقي مناطق السلطة الفلسطينية. كما تتعرض السلطة لتحدٍ من قبل حماس والجهاد الإسلامي، وهي المنظمات التي ترعاها إيران.
وأضاف: علاوة على ذلك، فهي سلطة فقدت بقايا أي شرعية كانت لها من قبل. لا يفهم مؤلفا مقال الواشنطن بوست عمق أزمة المجتمع الفلسطيني، وعجز السلطة الفلسطينية عن المساهمة في الاستقرار في المنطقة. كما أنه من المناسب تذكيرهم بأن الديموقراطية الإسرائيلية قوية ومستقرة. قد لا تعجبهم نتائج الانتخابات، لكن يجب عليهم احترامها.
وتابع: في نهاية المطاف، سيتم الحكم على دولة إسرائيل وحكومتها وشعبها من خلال الأفعال، وليس البيانات العامة أو الشعارات الانتخابية. وهذا هو السبب في أنه من السابق لأوانه الدعوة إلى المقاطعة، وخفض المساعدات الأمريكية لإسرائيل.
ويقول التحليل كذلك أن الكاتبين الأمريكيين “تجاهلا أن إسرائيل هي أهم الأصول الاستراتيجية التي تمتلكها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وهي الأصول التي تضمن الاستقرار والأمن الإقليميين. وكانت مساهما هاما في الحرب ضد الإرهاب في المنطقة والعالم، وهي أحد الأصول العسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية والسياسية للولايات المتحدة”.
وزعم الباحثان الإسرائيليان أنه “لا توجد مملكة أردنية مستقرة وباقية بدون إسرائيل، ولا قتال ضد العدوان الإيراني والسعي للهيمنة في المنطقة بدون إسرائيل”.
أكد الباحثان بمعهد القدس إن إسرائيل قوة إقليمية توفر للولايات المتحدة الكثير من الموارد، فهي “تخدم بأمانة المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة”. مشيرين إلى أنه حتى في إطار التنافس مع الصين، تعتبر إسرائيل أيضًا مصدر قوة خارج منطقة الشرق الأوسط، مثل منتدى I2U2، والذي يضم إسرائيل والهند والولايات المتحدة والإمارات.
اقرأ أيضا: الممثل الأمريكي للشؤون الفلسطينية: منصبي دليل اهتمام بلادي بهذا الملف.. ونعمل مع الإسرائيليين والفلسطينيين لمصلحة الشعبين
دعم اليهود الأمريكيين
يزعم التحليل أن الدول العربية -سواء التي لديها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو لا- تعترف بوجود إسرائيل. وأنهم “قلقون من الضعف الأمريكي تجاه إيران، ومحاولات الولايات المتحدة إبعاد نفسها عن حلفائها التقليديين”.
يقول: شبكة العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية في المنطقة تتطور وتتوسع، على الرغم من المشكلة الفلسطينية. سيكون من الحماقة الكبيرة أن ندير عجلة القيادة، وأن نسلم مصير المنطقة إلى قيادة فلسطينية غير كفؤة وغير مسئولة.
وأضاف: علاوة على ذلك، هناك المسافة المتزايدة بين اليهودية التقدمية في الولايات المتحدة والدولة العبرية. هذه الفجوة بين إسرائيل والجالية اليهودية في أمريكا إشكالية، حيث استفادت إسرائيل بشكل حاسم من النفوذ السياسي للجالية اليهودية الأمريكية.
وأكد أنه في الوقت الحاضر، تحتاج إسرائيل إلى دعم اليهود الأمريكيين في محاربة جهود المقاطعة ونزع الشرعية.
لذلك “يجب أن تحاول الحكومة الإسرائيلية القادمة الحفاظ على العلاقة مع يهود أمريكا كأحد الأصول الاستراتيجية. والحفاظ على دعم الحزبين “أي الديمقراطي والجمهوري”. من ناحية أخرى، يجب على يهود أمريكا أن يستوعبوا أن مركز ثقل الشعب اليهودي يقع منذ فترة طويلة في دولة اليهود الديمقراطية القوية”.
وشددا على أنه “حتى لو رأى اليهود الأمريكيون عيوبًا في سلوك إسرائيل، فعليهم احترام العملية الديمقراطية في البلاد”.