في ظل حالة السعار التي تمر بها حالة الحرب القائمة على قطاع غزة، وفي ظل رغبة محمومة من الجانب المحتل بفرض منطق قوته على القطاع، والقضاء على أهل القطاع وأصحاب الأرض الأصليين، وفي ظل دعم غربي كامل، سواء في الموقف أو المدد العسكري والاقتصادي، وفي ظل حالة تغيب للموقف العربي، ولما كان ما يبديه مقاتلو غزة من براعة في المقاومة لكل هذه الهيمنة التكنولوجية والعسكرية، وهو ما كبد الجانب المعتدي الخسائر الباهظة في العتاد والسلاح بخلاف الأفراد، فقد تعالت في الجانب الإسرائيلي صيحات، وصلت إلى المستوى الرسمي، يتم ضرب القطاع بالسلاح النووي، فقد دعا وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، الأحد الموافق الخامس من نوفمبر، إلى إلقاء قنبلة نووية على غزة، وينتمي إلياهو لحزب «القوة اليهودية» اليميني المتطرف، الذي يقوده وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، وهو الحزب الذي يؤيد بناء المستوطنات، واستعادة السيطرة على القطاع، ويتبنى أفكاراً متطرفة، قُوبلت بانتقادات واسعة حتى في الأوساط الإسرائيلية، وهذا ما ينذر بجريمة إبادة جماعية، لكل ما تحمله الأرض من علامات وأفراد.
وقد أقرّ النظام القانوني الدولي بعد الحرب العالمية الثانية مبدأ المسئولية الجنائية الشخصية، عن أية أعمال غير مشروعة صادرة عن الدولة، فالمحكمة الجنائية الدولية، وبعد أن حدّدت اختصاصها الموضوعي بنظر أربع جرائم دولية، وهي جريمة العدوان، جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب، أكدّ نظامها الأساسي، أنّ هذه الجرائم ترتب المسئولية الجنائية الشخصية، فيُسأل شخصيا أمام هذه المحكمة كل من ارتكب جريمة من الجرائم الأربع، أيا كانت درجة مساهمته في الجريمة، سواء كان فاعلا أصليا أو شريكا أو محرضا، أو غير ذلك من صور المساهمة الجنائية.
ووفقا لميثاق الأمم المتحدة، وتحديداً في المادة رقم 51 منه، والتي أكدت على حق الدول الطبيعي في الدفاع عن نفسها، سواء بشكل فردي أو جماعي، وقد سبق لمجلس الأمن الدولي في أعقاب هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، أن أصدر القرار رقم 1368، والذي أكد على أن لأمريكا الحق في الدفاع الشرعي عن نفسها ضد هذه الهجمات.
و يصبح الدفاع الشرعي لذلك هو السبب الوحيد المشروع؛ لاستخدام الدول القوة، مما أدى إلى تفسيرات واسعة لمفهومي الدفاع الشرعي والعدوان. فقد لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام مفهوم الدفاع الشرعي الوقائي عن النفس، أو الضربات الاستباقية في سياق “حربها الشاملة ضدّ الإرهاب”. توصّلت مجموعة من الشخصيات المعينة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة في تقريرها حول تعديل النظام، ومراجعة الميثاق وذلك في 2 كانون الأول/ ديسمبر 2004، إلى عدم وجود حاجة ماسة؛ لإعادة كتابة وتفسير المادة 51 من الميثاق. وأقر هذا التقرير، على أن الأعمال الاستباقية الموجهة، ضدّ الخطر الحقيقي المشرف ربما تكون ضرورية، لكنها رفضت الاستخدام الوقائي للقوة، ضدّ التهديد غير الواضح والبعيد. في الحالة الأخيرة، تبقى موافقة مجلس الأمن ضرورية.
ومنذ عام 2010، قد اعتمد المجتمع الدولي بناء على تطورات في أحكام محكمة العدل الدولية، توصلت إلى إتيان تعريف للدفاع الشرعي مؤداه، أنه مفهوم مهم أيضًا في إطار عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. ففي الواقع، لا يتوفر عادة لقوات حفظ السلام الحق لاستخدام القوة. فإلى جانب الموافقة والحياد، فإن عدم استخدام القوة كان المبدأ الجوهري الثالث الذي أرسى الأساس؛ لعمليات حفظ السلام التقليدية في منتصف الخمسينيات. وهذا هو أسلوب التفرقة بين عمليات حفظ السلام، وغيرها من العمليات العسكرية الدولية المخول لها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة؛ لفرض قرارات على دولة ما.
ومع ذلك يجوز لأفراد قوات حفظ السلام اللجوء إلى القوة في حالات الدفاع الشرعي عن النفس، أو تحت ظروف محدّدة جدًا، إذا لم يكن لديها تكليف رسمي ينصّ صراحة على خلاف ذلك. إن هذا المفهوم قد توسّع في العمليات الأخيرة للأمم المتحدة، بحيث أصبحت أكثر قوة عن العمليات السابقة لتشمل تفويضًا باستخدام القوة، إذا تعرّضت مهمتها للتهديد، وليس فقط الأشخاص القائمين على حفظ السلام.
كما أقرت محكمة العدل الدولية، إن الأفعال التي تُتخذ عند الدفاع الشرعي، سواء أكان فرديًّا أم جماعيًّا، قد يعتبر جزءًا من التصنيف الأوسع للإجراءات الواردة في المادة 21 بوصفها “ضرورية؛ لحماية المصالح الأمنية الأساسية” لطرف ما… لكن مفهوم المصالح الأمنية الأساسية يتسع بالقطع، لما يتجاوز مفهوم الهجوم المسلح، وخضع لتفسيرات شديدة الاتساع في الماضي. ولذلك يجب على المحكمة، أن تُقيّم، ما إذا كان الخطر الذي تواجهه “هذه المصالح الأمنية الأساسية” معقولًا، وثانيًا، ما إذا كانت الإجراءات المعروضة؛ بهدف حماية هذه المصالح، ليست مجرد مفيدة، بل “ضرورية”. (نيكاراجوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية، فقرة 224 ).
فهل في ظل هذه القواعد من يسعى إلى مباعدة الجانب الفلسطيني فقط على إبراز حقه القانوني في ظل حالة الإفراط في استخدام القوة من الجانب الإسرائيلي، منذ بداية الحرب الأخيرة، كما أنه قد دأب على استخدام الأسلحة المحرمة دوليا، وهو ما أفرزته نوعية الإصابات في الجانب الفلسطيني، كما أن استهداف الأطفال والمدنيين والمستشفيات والمدارس، وأماكن الإيواء من الأماكن المحرم ضربها، لكن لم نسمع من الأصوات إلا همساً، وخصوصا من الجانب العربي، ففي ظل حالة الهيمنة الأمريكية والغربية على الأمور السياسية في الجانب العربي بصورة شبه كاملة، باتت الأمور مكرسة في يدها وهي تدعم بها الجانب الأسرائيلي المعتدي، كما سبق لها، وأن استخدمت حق الاعتراض ” الفيتو ” في حالة السعي؛ لاستصدار قرار دولي ضد إسرائيل.
فهل يرجى من مجتمع دولي، أو أقليمي خير، وهو لم يستطع فقط تمرير الإغاثات لقطاع غزة بشكل يضمن لهم الحياة، في ظل تحكمية مطلقة من الجانب الإسرائيلي، أم نحن على أعتاب تحكمية غابية باتت هي الأوضح في الوضع الراهن، وأن ما يتم تدريسه من مقررات القانون الدولي أو القواعد الإنسانية لا تساوي مجرد، ما تُكتب من أحبار، أم أن الأمر تغلبه لغة المصالح الكبرى التي ترى في الشرق قطعة، لا يحق لأهلها تقرير مصيرهم أو التحكم في ثرواتهم، أو حتى إعلاء الصوت، في ظل رغبة غربية وأمريكية استعمارية لا هوادة فيها، حتى صار الشرق الأوسط وإفريقيا مجرد رقعة شطرنج، يتسابقون عليها؛ لتحقيق أهداف، تمثل مصالحهم فقط. وهل في ظل كل تلك الأمور الواضحة، أن تكون هناك أي نوع من الاستفاقة العربية أو إقليمية للدفاع عن مصالحها، أم سيبقى الأمر، كما هو عليه في انتظار حلول من السماء.