لم تعد الأنشطة التي تقوم بها “بسمة” مثل الطبخ وسيلة ناجحة للهروب من الضغط النفسي الناجم عن جائحة كورونا، فالاكتئاب يحاصرها وتسيطر على ذهنها فكرة واحدة فقط “العالم ينتهي وبشكل مأساوي”.. لكن سرعان ما قررت ألا تستسلم لهذه النهاية وتطلق مبادرتها لتقديم وجبات صحية لمصابي كورونا في العزل المنزلي.
وزارة الصحة والسكان، وضعت بدورها عددًا من القواعد المنظمة لعزل الحالات المصابة بفيروس كورونا في المنزل، بدلًا من نقلها إلى مستشفيات العزل أو المدن الجامعة ونزل الشباب، منذ الشهر الماضي وذلك بعد تكدس المستشفيات، وكانت من أهم تلك القواعد التغذية السليمة.
بسمة مصطفى صحفية لم تعد ترغب في التعامل التعامل مع أزمة كورونا وفق عملها في التغطيات الصحفية، لكنها تريد مشاركة إنسانية لمساعدة المصابين، لكن قواعد التباعد الاجتماعي المفروضة تحول دون ذلك، حالة العجز التي سيطرت عليها أدخلتها في حالة عزلة واكتئاب ونوم متواصل.
“هاجمتني أفكار سلبية عديدة عن الحياة والموت، فالعالم ينتهي نهاية مأساوية وليس نهاية حالمة أو عاطفية كما الروايات والأفلام، الناس تتألم ولا تستطيع التنفس ولا أحد يجد مكانًا للعلاج “، تقول “بسمة”.
وتضيف: “شعرت أنه لو قدر لي الموت أتمنى أن أموت حاليا دون وجع وعذاب، أو نفور من الناس المحيطة التي تخاف الاقتراب من مريض كورونا، أو يشقى أهلي بسببي بين المستشفيات للحصول على سرير”.
تلك الأفكار هاجمت “بسمة” بشراسة أكثر من أسبوع، وكافة أنشطتها للهروب فشلت خاصة بعد مشاهدتها استغاثات أهالي المرضى على مواقع التواصل الاجتماعي، وتزايد الحالات وتكدس المستشفيات وعزل المصابين منزليا، فضلا عن شكاوى تفيد بامتناع بعض المطاعم أو مندوبي محلات البقالة (الدليفري) عن التعامل معهم فور علمهم بإصابتهم.
10 آلاف مشترك
تقول “بسمة” في حديثها لـ”مصر 360″: “أردت الاشتباك مع الحدث بشكل إنساني وأهرب من حالتي النفسية المتدهورة من خلال مشاركة المصابين المعزولين محنتهم، وتقديم وجبات صحية لهم أطبخها بنفسي، لاسيما أنني أحب الطبخ، وستكون فرصة للتخفيف عنهم ومساعدتهم في الشفاء”.
كتبت “بسمة” فكرتها عبر حسابها الشخصي بموقع التواصل فيس بوك، سريعا ما شاركها آخرون وأبدوا استعدادهم للمساعدة، سواء في طبخ الوجبات، أو شراء الخضار واللحوم، أو توصيل الوجبات بعد طبخها للمصابين.
“فوجئت بردة الفعل، أكثر من ألف رسالة من أشخاص يريدون المشاركة، فأنشئت مجموعة إلكترونية تضم المتطوعين باسم (وجبات صحية لمصابي كورونا المعزولين في المنزل) وصل عدد المشاركين الآن إلى 10 آلاف شخص.
بعد ساعتين من تدشين المجموعة، تلقت “بسمة” أول اتصال من إحدى الشخصيات التي تريد التكفل بوجبات لمدة أسبوع لجارتها التي تعيش بمفردها، وفي اليوم الأول سلمت “بسمة” والمتطوعين 21 وجبة لثلاث حالات في منطقة البساتين من أسرة واحدة تكفيهم لمدة أسبوع.
حاليا تقوم “بسمة” بتنظيم المجموعة وإ،ِاء قاعدة جغرافية لكل منطقة سواء من المتطوعين الذين يجلبون الخضروات والفاكهة واللحوم والحبوب، ومن يتطوع للطبخ أو التوصيل للمصابين، مؤكدة عدم تلقيهم أية تبرعات نقدية ولكن عينية فقط.
النجاة من أزمة كورونا ستكون جماعية وليست فردية، وذلك من خلال تكاتف الجميع لمواجهتها، فإن لم يتعاف من بجوارك فسيكون مصدر عدوى لك، وفقا لـ”بسمة”، التي تضيف قائلة: “أتفهم حالة الهلع جيدا وتخوف الناس، لكن أن يمنع البعض مساعدة مرضى كورونا بحجة هذا الخوف، أو يمنعوا وصول مندوبي خدمة توصيل المطاعم لهم مثلما قرأت في عدة شكاوى على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا أمر غير إنساني”.
تشير “بسمة” إلى أن متطوعي التوصيل بالمبادرة يتخذون كافة الإجراءات الاحترازية، ويضعون الوجبات أمام بيت المصاب دون احتكاك مباشر به، لافتة إلى أن الوجبات تتم بمراجعة أطباء أغذية وأطباء من مستشفيات العزل لتكون عناصرها صحية ضمن بروتوكول العلاج المنزلي لمرضى “كورونا”.
مكونات الوجبة
تحتوي الوجبة على خضار مشكل وبروتين لحوم أو دجاج أو كبدة، ونشويات أرز أو مكرونة، وسلطة خضراء، وفاكهة وعصائر طازجة، وتشير “بسمة” إلى أن الوجبات تكون جاهزة ومغلفة مع إمكانية تسخينها، وتوضح أنه لايوجد عدد محدد للوجبات يوميًا، ولكنه يعتمد على عدد المتطوعين بكمية الطعام، حيث وصل عدد وجبات أحد الأيام إلى 70 وجبة، وفي يوم آخر بلغ العدد 180 وجبة.
حول صدق الحالات وتأكيد إصابتها بكورونا توضح “بسمة”، “ليست مهمتنا التفتيش في النوايا والتأكد من صحة إصابتهم، ومبادرتنا خيرية في المقام الأول، وارد أن يكون منهم من يخدعنا لكن ستكون حالة ضمن 100 حالة”.
وتضيف “فلا يوجد لدينا طريقة للتأكد أو سيعرض أحد حياته للخطر للتأكد، فضلا عن أن المبلغين بالوجبات ليسوا المرضى بل أهاليهم أو جيرانهم”.
لا تفرقة في المبادرة بين المستوى المادي أو الاجتماعي للمصابين، وتتفاوت ردود الأفعال بين ممتن ومن يدعو لأفراد المبادرة، بحسب “بسمة” التي تشير إلى أنها سوف تنسق مستقبلا مع المطاعم للمشاركة في المبادرة حالة زيادة الحالات ووجود ضغط على المتطوعين.
المساعدة في انحسار “كورونا”
“رحاب عثمان” تولت مهمة توصيل الوجبات إلى المنازل، فتشابه الدافع بينها وبين بسمة “النجاة الجماعية”، حيث تقول: “الطاقة السلبية التي شعرت بها بسبب زيادة الأعداد يوميًا كانت حافزًا لي لمشاركة بسمة وآخرين في المبادرة، فمساعدة المرضى على الشفاء تساعد في انحسار المرض، لأن جميعنا في مركب واحد”.
وتذكر “توصيل الوجبات لمرضى كورونا تقيهم وتقي من حولهم خطر الإصابة، وبالتالي الحد من انتشار العدوى، فإحدى الحالات التي وصلت لها الطعام أسرة من ثلاثة أفراد شاب وأمه وأبيه يعيشون بمفردهم، إن لم يجدوا المساعدة سيضطر الابن وقتها النزول لشراء الطعام، وتقوم الأم بالطهي وتبذل مجهودًا يؤثر على حالتها الصحية”.
“رحاب” تتبع إجراءات الوقاية ولا تتعامل مع المصابين مباشرة، بل تضع لهم الوجبات أمام البيت، لكن أحزنها ممارسات بعض أهالي منطقة البساتين حينما كانت تستدل على عنوان الأسرة المصابة، فحذروها من الذهاب خوفًا عليها من الإصابة.
تقول “رحاب”: “بمجرد السؤال عن منزل الحالة، يشيرون لي من على بعد ولم يقتربوا، ويحذرونني من التوجه للمنزل خوفا من العدوى، ولم أتفهم لماذا التعامل والتشهير بمرضى كورونا، رغم أنه مرض يشفى منه الناس، وليس لهم يد فيه”.
وحول موقف أهلها من مشاركتها بالمبادرة توضح رحاب “أعمل في بنك والإصابة من الممكن أن تأتي من حيث لا أدري، وأهلي شجعوني على المشاركة في المبادرة، طالما اتخذ إجراءات الوقاية، خاصة أن مشاركتي تعود علي بالنفع واستمد منها طاقة إيجابية” متمنية أن تتوسع المبادرة وتكون في كافة المحافظات.
اقرأ ايضا: المهمة الصعبة.. كيف نحافظ على صحتنا النفسية في العزل المنزلي؟
تطالب “رحاب” في نهاية حديثها لـ”مصر 360″ أن يتسم الناس بالرحمة موضحة: “المرض ليس عيبا أو عارًا، فهو ابتلاء يستغرق وقتًا وسيزول فأحد زملائي المصابين قال لي إن كورونا كالنار ونبذ الناس للمصاب والهلع منه كالبنزين يشعل هذه النار، فالحالة النفسية للمريض والتعاطف معه يقوي من مناعته وقدرته على الشفاء”.
كوفيد 19 الذي ظهر في مدينة ووهان الصينية، أواخر العام الماضي تخطت إصاباته عالميا 6 ملايين ونصف إصابة، وتوفي بسببه أكثر من 393 ألف شخص حول العالم، وفي مصر فقط تخطت الإصابات 29 ألف إصابة، وتجاوزت حصيلة الوفيات أكثر من ألف شخص.