صدر مساء أمس الجمعة، التقرير السّنوي المشترك لعام 2021. والذي تصدره مؤسّسات الأسرى وحقوق الإنسان الفلسطينية. والذي تضمن أعداد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ويرصد الانتهاكات اللاإنسانية التي يقوم بها جيش الاحتلال تجاه الفلسطينيين. سواء كانوا من النساء أو الأطفال أو المرضى.
يقدّم التقرير رصداً لكافّة السّياسات والإجراءات والمُتغيّرات التي طبقّتها وأحدثتها سلطات الاحتلال فيما يتعلّق بالأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. بالإضافة إلى واقع وظروف الأسرى والمعتقلين داخل سجون الاحتلال، مستنداً على حصيلة أعمال الرّصد والتّوثيق والمتابعة القانونية والميدانية. والانتهاكات المرافقة لعمليات الاعتقال اليومية وظروف التّحقيق والاحتجاز، وضمانات المحاكمة.
انتهاكات ممنهجة
أشار التّقرير الذي تصدره كل من هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضّمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز معلومات وادي حلوة بالقدس. إلى أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي واصلت، خلال العام المنصرم، سياسة التّنكيل الممنهج، وانتهاكاتها المنظّمة لحقوق الأسرى والمعتقلين التي كفلتها المواثيق والأعراف الدولية.
حيث تصدّرت جملة من الانتهاكات واقع قضية المعتقلين والأسرى في السجون الإسرائيلية، وتصاعدت بشكلٍ ملحوظ خلال شهر أيار/ مايو. وأعادت عمليات الاعتقال الممنهجة التي نفّذتها قوات الاحتلال سياسة التّعذيب بشكلٍ أساسي. وكذلك سياسة العقاب الجماعي لعائلات الأسرى، إضافة إلى ارتفاع مستوى العنف تجاه المعتقلين، منها إطلاق الرّصاص عليهم.
كما شكّلت عملية “نفق الحرية” مطلع شهر أيلول/ سبتمبر تحوّلاً هامّاً على صعيد المواجهة داخل سجون الاحتلال، وكذلك على بعض السّياسات التّنكيلية التي فرضتها إدارة سجون الاحتلال بحقّ الأسرى. أبرزها عمليات العزل الانفرادي.
8 آلاف أسير
وفق التقرير، اعتقلت قوّات الاحتلال الإسرائيلي نحو 8000 فلسطيني من الجنسين خلال عام 2021؛ من بينهم أكثر من 1300 قاصر وطفل، و184 من النّساء. ووصل عدد أوامر الاعتقال الإداري الصادرة إلى 1595.
وبلغ عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال حتى نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر، نحو 4600 أسير، منهم 34 أسيرة بينهم فتاة قاصر. فيما بلغ عدد المعتقلين الأطفال والقاصرين في سجون الاحتلال نحو 160 طفلاً، وعدد المعتقلين الإداريين نحو 500 معتقل. وبلغ عدد المعتقلين من نوّاب المجلس التشريعي في دورته الأخيرة 9.
وبلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو 25 أسيراً. أقدمهم الأسيران كريم يونس وماهر يونس، المعتقلان منذ يناير عام 1983 بشكل متواصل. والأسير نائل البرغوثي الذي يقضي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، حيث دخل عامه الثاني والأربعين في سجون الاحتلال، منها أربعة وثلاثين عاماً بشكل متواصل، فبعد أن تحرّر عام 2011 في صفقة “وفاء الأحرار”، أُعيد اعتقاله عام 2014.
ووصل عدد الأسرى المحكومون بالسّجن المؤبد إلى 547 أسيراً، وأعلاهم حكماً الأسير عبد الله البرغوثي، المحكوم عليه بـ 67 مؤبّداً. وهناك أربعة أسرى صدرت بحقّهم أحكام بالمؤبّد خلال عام 2021، وهم ياسر حطاب، وقاسم عصافرة، ونصير عصافرة، ويوسف زهور.
انتهاكات أثناء الاعتقال
تصاحب علميّات الاعتقال اليوميّة التي تقوم بها قوات الاحتلال أساليب عديدة. تبدأ من اقتحام البيوت في ساعات متأخّرة من الّليل، وما يرافق ذلك من تنكيل واعتداءات بحقّ المعتقل وعائلته. بالإضافة إلى تعمّد استخدام القوّة المفرطة أثناء الاعتقالات التّعسّفية، وبصورة عشوائية وجماعية. ويمتدّ العقاب الجماعي إلى كل مراحل الاعتقال، كاستخدام العائلة كوسيلة للضّغط على الأسير خلال عملية التّحقيق.
أبرز الحوادث ما تعرّض له الشّاب أحمد أبو سنينة -28 عاماً- والذي أصيب برصاصة مطّاطية أدّت إلى فقده لإحدى عينيه خلال اقتحام للمسجد الأقصى، وذلك قبل اعتقاله من داخل المستشفى. والطّفل عمر العجلوني -13 عاماً-، من القدس، والذي اعتقل من منطقة باب العامود، وتعرّض للضّرب المبرح على رأسه خلال عملية الاعتقال، ما أدّى إلى إصابته برضوض في الجمجمة.
وهناك عقوبات جماعية نفّذها جنود الاحتلال على بلدات وقرى بأكملها. منها ترمسعيا، وعقربا، وبير الباشا، ومدينة جنين. عبر تنفيذ اقتحامات ومداهمات وبناء حواجز، ومنع السّكّان من التنقّل، واحتجازهم كدروع بشرية، وتعرّضهم للتّحقيق الميداني والضّرب المبرح وإلحاق الضّرر بمحتويات المنازل، واعتقال عدد كبير منهم.
الأمر نفسه تكرر في الأراضي المحتلة عام 1948 والقدس، بالتّزامن مع العدوان على المسجد الأقصى وقطاع غزة خلال شهر أيّار/ مايو، فاعتقل الأمن والجيش الإسرائيلي نحو 2000 شخص، ولاحقوا جميع من شاركوا في التّظاهرات، ونفّذوا مداهمات عنيفة للمنازل والمحلات التّجارية العربية.
الاعتقالات اليومية
وصل معدّل الاعتقالات اليومية في الأراضي المحتلة إلى نحو 22 حالة، وبلغت أعلى نسبة اعتقالات في شهر أيّار/ مايو. إذ وصلت إلى 3100 حالة اعتقال من كافّة الأنحاء، بما فيها الأراضي المحتلة عام 1948، التي سُجل فيها 2000 حالة اعتقال من بين مجموع الاعتقالات في ذاك الشهر. ولفت التقرير إلى أن رصد الاعتقالات داخل الأراضي المحتلة عام 1948 جاء خلال شهر أيار/ مايو فقط. فيما سُجّلت أدنى نسبة اعتقالات في شهر آب/ أغسطس، وبلغت 345 حالة اعتقال.
وتؤكد مؤسسات الأسرى على أنّ أعلى نسبة اعتقالات في المحافظات سُجّلت في القدس وضواحيها، منذ بداية العام حتى نهايته. ووصلت إلى 2784 حالة اعتقال من الجنسين. بينهم 750 قاصراً، و120 من النساء. كما استهدفت عمليات الاعتقال الأطفال والنّساء، وتحديداً في القدس وضواحيها التي تواجه عمليات اعتقال مضاعفة مقارنة مع باقي المناطق.
ومن ضمن الفئات التي استُهدفت بشكلٍ مضاعف الأسرى السّابقين. حيث تعرّض جزء كبير منهم للاعتقال خلال العام المنصرم. وتحديداً عبر سياسة الاعتقال الإداريّ، وتركّزت في الفترة التي رافقت الحديث عن إجراء انتخابات فلسطينية. كذلك بقيت جامعة بيرزيت أكثر الجامعات استهدافاً من حيث عدد الطلبة الذين تعرّضوا للاعتقال.
وشهدت الخليل وجنين تصاعداً في عمليات الاعتقال. وصعّدت سلطات الاحتلال من استهداف للبلدات والمخيّمات التي تشهد مواجهة مستمرّة، خاصّة تلك القريبة من المستوطنات المقامة على أجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية. وشكّلت بلدة بيتا نموذجاً لذلك، حيث تجاوزت أعداد المعتقلين منها منذ بداية المواجهة فيها في شهر أيار/ مايو أكثر من 60 حالة اعتقال.
التّعذيب خلال التّحقيق
تنتهج سلطات الاحتلال سياسة التّعذيب بأشكاله النّفسية والجسدية بشكل مكثّف مع المعتقلين خلال عملية التّحقيق. ومن أشكاله الحرمان من النّوم عن طريق جلسات تحقيق مستمرّة، وتقييد المعتقل أثناء فترة التحقيق، وشدّ القيود لمنع الدورة الدموية من الوصول لليدين والقدمين.
كذلك تستخدم إسرائيل الضّرب والصّفع والرّكل والإساءة الّلفظية والإذلال المتعمّد، والضّرب الذي قد يؤدي إلى عاهات مستديمة، والصّعق بالكهرباء. بالإضافة إلى التهديد باعتقال أحد أفراد أسرة المعتقل، أو التهديد بالاعتداء الجنسي على المعتقل أو أحد أفراد أسرته، أو بهدم المنازل أو بالقتل.
ويمتدّ التعذيب إلى الحرمان من استخدام المراحيض، ومن الاستحمام أو تغيير الملابس لأيام أو أسابيع، والتعرّض للبرد الشديد أو الحرارة، والتعرّض للضّوضاء بشكل متواصل، والإهانات والشّتم.
وقد يصل مستوى عنف التّحقيق إلى “التّحقيق العسكري”، كما حدث مع المعتقل جلال جبارين -36 عاماً- من بلدة سعير في الخليل. والذي تعرّض للتّحقيق في مركز توقيف وتحقيق “المسكوبية”.
هناك، تعرّض جبارين للتّعذيب على مدار عشرة أيام، ولساعات طويلة، من بينها التّحقيق معه لمدّة 38 ساعة بشكلٍ متواصل، مقيدًا على الكرسي ومكبّل اليدين والقدمين. إلى جانب حرمانه من النوم، ومن تناول الطّعام الجيّد. الأمر الذي اضطره خلال أول يومين من الاعتقال إلى الامتناع عن تناول الطعام. وخلال فترة اعتقاله صدر بحقّه أمر منع من لقاء المحامي.
كما تعرّض الأسير حمزة زهران -41- عاماً، من بلدة بدّو شمال غرب القدس، لتحقيق عسكري قاسٍ في مركزيّ تحقيق “عسقلان” و”عوفر” لمدّة 56 يوماً. تعرّض خلالها للضّرب الشّديد بتلقّي صفعات مفاجئة ومتواصلة على وجهه. بالإضافة لضربه على مواضع مختلفة من جسده، وتكبيله بوضعية “الموزة”، وتقييده على المكتب، وحرمانه من النوم. مع التّحقيق معه في بعض الأحيان لمدة 42 ساعة متواصلة.
المرضى والجثامين
وصل عدد الأسرى المرضى في السجون الإسرائيلية عام 2021 إلى قرابة 600 أسيراً. بينهم 4 مصابون بالسّرطان، و14 على الأقلّ مصابون بأورام بدرجات متفاوتة. من بينهم الأسير فؤاد الشوبكي البالغ من العمر 81 عاماً، وهو أكبر الأسرى سنّاً.
ومن أبرز أسماء الأسرى المرضى القابعين في سجن “عيادة الرملة”: خالد الشاويش، منصور موقدة، معتصم ردّاد، ناهض الأقرع. هؤلاء غالبيتهم يقبعون هناك منذ اعتقالهم، وشهدوا على استشهاد عدد من زملائهم على مدار سنوات اعتقالهم.
ووصل عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 227 شهيداً. بعد رحيل الشّهيد سامي العمور نتيجة ما وصفه التقرير بـ “جريمة الإهمال الطبّي المتعمّد” و”القتل البطيء”. إضافة إلى المئات من الأسرى المحرّرين الذين استشهدوا نتيجة أمراض ورثوها من السّجن ومنهم الشّهيد حسين مسالمة.
ويواصل الاحتلال احتجاز رفات ثمانية أسرى استشهدوا داخل السّجون. وهم أنيس دولة الذي استشهد في سجن عسقلان عام 1980، وعزيز عويسات عام 2018، وفارس بارود، ونصار طقاطقة، وبسام السّايح، وأربعتهم استشهدوا خلال 2019. وسعدي الغرابلي، وكمال أبو وعر واللّذان استشهدا عام 2020، وآخرهم سامي العمور 2021.