وسط مطالب دبلوماسية مصرية عاجلة بلعب الولايات المتحدة الأمريكية لدور أكبر في الملف التفاوضي لسد النهضة، يبدأ اليوم المبعوث الأمريكي الجديد للقرن الإفريقي، السفير جيفري فيلتمان، زيارة لمصر والسودان وإثيوبيا وإريتريا، تستمر لعشره أيام حتى 13 مايو، وهي الزيارة التي يعول عليها الأمريكان للتغلب على الأزمات السياسية والإنسانية والأمنية في القرن الأفريقي، حسب بيان لوزارة الخارجية الأمريكية.
بجانب زيارة فيلتمان، التقى وفد من الكونجرس الأمريكي، برئاسة السيناتور كريستوفر كونز، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وزير المياه السوداني، ياسر عباس والوفد السوداني المشارك في جولات المباحثات حول سد النهضة المختلفة، أمس، لمناقشة مواقف ورؤية السودان حول أزمة سد النهضة وتبعاتها على الأمن القومي السوداني وحياه مواطنيه.
وأكد وفد الكونجرس الأمريكي استعداد بلاده للعب دور فاعل في هذا الملف والمساهمة في حث وتشجيع كل الأطراف على التوصل لاتفاق يخاطب مصالح ومخاوف الجميع بما يحافظ على السلم والأمن الإقليمي ويحول دون التورط في أي من الخيارات الصعبة.
ومن المنتظر أن يلتقي المبعوث الأمريكي، فيلتمان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، صباح اليوم الأربعاء لمناقشة موقف مصر تجاه مسارات التفاوض المعطلة مع إثيوبيا، والخيارات المطروحة أمام مصر للتعامل مع استمرار التعنت الإثيوبي وعدم القبول بالتوقيع على اتفاق ملزم يحدد قواعد ملء وتشغيل سد النهضة بما لا يضر مصالح مصر واستخداماتها لمياه النيل.
كان فيلتمان قد أكد في تصريحات له لدى توليه مهمة مبعوث الإدارة الأمريكية للقرن الأفريقي الأسبوع الماضي، عن تفاؤله بحل الخلافات العالقة بين البلدان الثلاثة لكن تظل أزمة عدم الثقة سبباً في إفشال كافة جهود الوساطة، قائلاً :”الخلافات الحالية بشأن سد النهضة قابلة للتسوية، لكن لا يمكن التظاهر بالقدرة على سد فجوات انعدام الثقة بين أطراف الأزمة بسرعة”.
وحذر فيلتمان في مقابلة مع مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية من تبعات الخلاف حول سد النهضة مشبهاً الأزمة بانهيار سوريا وفوضى الحرب الأهلية وما تبعها من أزمة اللاجئين وتأثيرها على أوروبا، فضلاً عن صعود الجماعات الإرهابية في ظل انهيار بلد كان عدد سكانه قبل الحرب حوالي 22 مليون نسمة، مؤكداً أن الأزمة ستكون أعمق في حالة إثيوبيا التي يقطنها 110 مليون نسمة.
ترى إدارة بايدن أن منطقة القرن الأفريقي تضم جزءا مهما من الحلفاء الأمرييكين فضلاً عن كونها منطقة هامة من الناحية الاستراتيجية رغم كونها جزءا معقدا من العالم تحكمه خلافات تاريخية وعرقية معقده لا يمكن تجاوزها بسهولة، لذلك تضع في مقدمه أولوياتها الخارجية حل النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا والأزمات العرقية في إثيوبيا التي تهدد السلام الاجتماعي بخاصة بعد حرب التيجراي واشتعال غضب الأمهرة من حكومة أبي أحمد.
اقرأ أيضا:
مبعوث بايدن في إفريقيا.. صناعة نفوذ أمريكي أم اختراق لأزمات القارة؟
طموح مصري في اختراق أمريكي للموقف
تتزامن الزيارة المهمة لفيلتمان مع مقال نشره السفير المصري لدى واشنطن، معتز زهران بمجلة فورين بولسي، طالب فيه الولايات المتحدة بلعب دور أكبر بين مصر والسودان وإثيوبيا.
المقال الذي عنوان: “وحدها واشنطن تستطيع إنقاذ مفاوضات سد النهضة الآن” كشف فيه السفير المصري عن إحباط إثيوبيا لعملية وساطة أخرى بقيادة الاتحاد الأفريقي، مع اقتراب إثيوبيا من الملء الثاني لخزان السد بصورة أحادية وهو ما يشكل تجاوز “الخط الأحمر” الذي حدده الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وطالب السفير المصري إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتحرك الآن، معتبراً أن الولايات المتحدة تمتلك النفوذ اللازم لتشجيع إثيوبيا بنجاح على الانخراط بحسن نية في مفاوضات سد النهضة والامتناع عن الإجراءات الأحادية والسعي لتحقيق المصالح الذاتية الضيقة التي أضرت بالمصالح المشروعة لجيرانها، لافتاً أنه من خلال الدبلوماسية يمكن لإدارة بايدن إعادة ضبط المفاوضات المتعثرة، وتحقيق حل عادل لجميع الأطراف، وحماية مصالحها الاستراتيجية مع ثلاثة حلفاء إقليميين مهمين.
وربط السفير المصري بين التهديدات التي قد يسببها سد النهضة بسدود إثيوبية أخرى ألحقت الضرر بجيرانها ومنها كينيا،حيث حذرت اليونسكو من انقراض بحيرة توركانا في كينيا، كما كانت هناك أيضًا تقارير وبحوث بشأن الإجراءات الإثيوبية الأحادية الأخرى، بما في ذلك في حوض نهري جوبا وشبيلي، دون التشاور المسبق مع الصومال، وتأثيرها السلبي الكبير على الأمن في الصومال.
وفند السفير المصري الادعاءات الإثيوبية بربط اتفاقيات المياه بالاستعمار مؤكداً أن هذه الدعاية هي مجرد محاولات لتحويل الانتباه عن التزاماتها القانونية الدولية الفعلية تجاه جيرانها في دولتي المصب، والتي تشمل العديد من الاتفاقيات الدولية التي وقعتها إثيوبيا – جميعها بدون استثناء كدولة مستقلة ذات سيادة – بما في ذلك اتفاقيات عام 1902 و1993 و 2015، رغم أن هذه الاتفاقيات خدمت المصالح الوطنية لإثيوبيا، بل وإنها جنت فوائد وعدد من المكتسبات من توقيع هذه الاتفاقيات.
ويرى مراقبون أن اختيار الدبلوماسية المصرية للولايات المتحدة الأمريكية ووضعها أمام مسؤولية حماية السلم والأمن الإقليمي بالتوسط والضغط على إثيوبيا من أجل تقديم تنازلات قبيل الشروع في أي من الاجراءات المتعلقة بالملء الثاني، به قدر من الصواب بعد فشل عدد من محاولات الوساطة بسبب الرفض الإثيوبي خلال الشهرين الأخيرين منذ فشل المفاوضات التي أجراها الاتحاد الأفريقي.
على مسرح سد النهضة.. كيف تلعب الأطراف بأوراق الضغط ؟
العودة لمجلس الأمن
وتمهد مصر بخطوات دبلوماسية لإعادة ملف النزاع حول سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي، بعد فشل كافة المساعى الدبلوماسية التي تمت في الإطار الإقليمي من خلال الإتحاد الإفريقي أو الإطار الثنائي من خلال وساطة بعض القوى الإقليمية مثل الإمارات، حيث سيكون تفهم أمريكا للموقف المصري والسوداني وحقوقهم أمام التعنت الإثيوبي دفعة إيجابية في عملية صنع القرار الدولي داخل منظومة الأمم المتحدة وكسر التعنت الإثيوبي.
كانت إثيوبيا قد رفضت تدخل مجلس الأمن في النزاع حول سد النهضة حيث احتجت على أي مطالب مصرية بعودة الملف للطرح على أجندة المجلس، بينما تستمتر في رفض أي وساطة تحيدها عن موقفها وحقها السيادي في التصرف في إدارة السد من خلال عملية الملء الثاني، رغم موافقة مجلس الأمن في يونيو من العام الماضي على الطلب الإثيوبي باحالة ملف السد إلى الاتحاد الافريقي بوصفه المنظمة الأفريقية الإقليمية المنوط بها حل المشاكل والقضايا الأفريقية تحت شعار “حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية”، وهو ما يعني أن هذه الإحالة لا تمنع مجلس الأمن من النظر في النزاع مرة أخرى بعد تعثر وفشل المنظمة الأقليمية في حسم النزاع.
ويرى خبراء أن بدء إثيوبيا في الإجراءات الفنية الخاصة بالملء الثاني من خلال تجفيف الممر الأوسط للسد لاستكمال صب الخرسانة واقتصار إطلاق المياه من البوابات السفلية التي لا تمرر إلا 50 مليون متر مكعب فقط لكل من مصر والسودان، كان تصعيد مباشر للنزاع والمواجهة مع مصر والسودان دون اعتبار أي من التحركات أو المواقف المصرية السودانية الرافضة للملء الثاني، وهو ما يعتبر تهديدا مباشرا للسلم والأمن الدوليين مما يتطلب تحرك عاجل من مجلس الأمن الدولي.
ويرى المراقبون أن عودة أمريكا لملف سد النهضة من قبل إدارة بايدن فضلاً عن توجه الكونجرس لحسم النزاع وممارسة ضغوط من أجل الدفع بإيجاد حلول توافقية قد يشكل فرصة ممكنة لتحقيق اختراق في الموقف الإثيوبي قبيل البدء الرسمي في الملء الثاني.