بمواصفات متشابهة، ومسمى جديد، تعود الغرفة الثانية للبرلمان في حلة جديدة بمسمى “مجلس الشيوخ” بدلا من “مجلس الشورى”، بعد توقف دام 7 سنوات اعتمدت مصر خلالها على غرفة تشريعية واحدة، إلا أن هذه العودة تحمل العديد من الأسئلة عن مهام المجلس في التوقيت الحالي، والشخصيات الأنسب لشغل عضويته في ظل امتلاك الرئيس تعيين ثلثه، ومدى اختلافه عن المجالس السابقة.
ودعت الهيئة الوطنية للانتخابات، المصريين بالداخل والخارج، لانتخابات أول مجلس شيوخ بعد التعديلات الدستورية الأخيرة التي تم الاستفتاء عليها في أبريل عام 2019، عقب قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتصديق على القوانين المنظمة لانتخابات مجلس الشيوخ.
وتستلم اللجنة بداية من السبت المقبل 11 يوليو وحتى السبت 18 يوليو أوراق الراغبين في الترشح لمجلس الشيوخ، على أن تجرى الانتخابات في الخارج 9 و10 أغسطس وفي لجان الداخل 11 و12 أغسطس، وتعلن النتيجة العامة 19 أغسطس.
المهام الدستورية
وبحسب النص الدستوري، يتكفل مجلس الشيوخ دراسة واقتراح ما يراه كفيلًا بتوسيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمة العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي، وتوسيع مجالاته.
وبحسب المادة 249، يؤخذ رأي مجلس الشيوخ في الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، ومشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، وما يحيله رئيس الجمهورية إلي المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشؤون العربية أو الخارجية، على أن يبلغ المجلس رأيه في هذه الأمور إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب.
اقرأ أيضًا:
قصة إنشاء مجلس الشورى
تأسس مجلس الشورى، كغرفة برلمانية ثانية للمرة الأولى في عام 1979 بعد استفتاء شعبي، وفي مايو 1980، أُدخلت تعديلات دستورية جديدة أُضيف بموجبها باب جديد إلى الدستور تضمن الأحكام الخاصة بالمجلس.
وبحسب صوفي أبو طالب، رئيس مجلس الشعب الأسبق، فإن الرئيس الراحل أنور السادات هو من اقترح إنشاء مجلس آخر بجوار مجلس الشعب في هذا التوقيت لمجرد إبداء الرأي والاستشارة دون أن يكون له دور رقابي ولا تشريعي، ويكون بديلا للاتحاد الاشتراكي الذي كان قائما في ظل حكم الرئيس المصري السابق، جمال عبد الناصر، على أن يضم كل القيادات، سواء كانت معارضة أم حزبية وطنية.
ولا يختلف الشيوخ كثيرا عن الشورى من حيث الأهداف والأدوار، فالشورى كان هدفه كذلك دراسة واقتراح ما يراه كفيلًا بالحفاظ على مبادئ ثورتين هما يوليو 1952 وثورة التصحيح في مايو 1971، ودعم الوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعي، وحماية تحالف قوى الشعب العاملة والمكاسب الاشتراكية، والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الاشتراكي الديمقراطي وتوسيع مجالاته.
انتهاء زمن الشورى
بعد 34 عامًا من الانعقاد المستمر، أوقفت لجنة الخمسين لتعديل دستور 2014 العمل بمجلس الشورى، واعتماد نظام الغرفة البرلمانية الواحدة، حيث اتفق أعضاء اللجنة على أن المجلس كان لترضية رجال مبارك ويمثل بابًا كبيرًا للفساد السياسي الكبير، ولم يكن يحظى باهتمام الشارع المصري، فضلا عن صلاحياته السابقة بالموافقة على إنشاء أحزاب سياسية جديدة ومنح التراخيص للجرائد الجديدة.
وبالنظر إلى التجربتين، فلا توجد فروق وظيفية بين مجلس الشورى السابق ومجلس الشيوخ المصبل، فكلاهما تحال إليه القوانين من مجلس النواب ومن رئاسة الجمهورية، من القوانين المكملة للدستور والقوانين الخاصة بتحسين الحياة المعيشية للمواطنين، وهذه هي نفس اختصاصات مجلس الشورى القديمة.
محمد سامي، عضو لجنة الخمسين التي صاغت دستور 2014، يرى أن قرار اللجنة بخصوص إلغاء مجلس الشورى كان صائبا لأنه مجلس بلا قيمة ويهدر ميزانية الدولة في انتخابات لا يهتم بها الناخبون ومكافآت شهرية لأعضائه، بلا عائد حقيقي على المستوى التشريعي، كما أنه لا يزال بنفس أدواره القديمة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك والإخوان المسلمين القائمة على الترضية.
وقال سامي في تصريحات خاصة لـ “مصر 360″، إن المجلس لا يتمتع بأية صلاحيات أو امتيازات تجعله مؤثرًا في الحياة النيابية كما يردد من روجوا للتعديلات الدستورية الأخيرة التي أعادت المجلس من جديد بمسمى مجلس الشيوخ، فجميع الأعضاء سيكونون من المؤيدين في ظل نظامه الانتخابي وامتلاك الرئيس تعيين ثلث كتلته المكونة من 300 عضو.
وبرأي سامي فإن الغرف التشريعية “البرلمان والشيوخ”، ستظل غير معبرة عن الشعب طالما نتبع قوانين لا تسمح بالتنافسية ونفرض الأمر الواقع بدون جلسات حوار مجتمعي يسمح فيها للمعارضة بعرض وجهات نظرها حول مستقبل الحياة السياسية لمصر.
ويتفق الدكتور عبدالجليل مصطفى، مقرر لجنة الخمسين، مع سامي بخصوص عدم وجود جدوى حقيقية للشيوخ في الوقت الحالي، قائلًا: “دستور 2014 حسم كلمته النهائية بإنهاء الغرفة البرلمانية الثانية لعدم قيمتها وظروف تشكيلها لذا لا داعى لفتح الحديث عن الغرفة الجديدة”.
“الشيوخ” يتحدى العزوف و مزاج الناخب المصري
تحد آخر يواجه مجلس الشيوخ في حلته الجديدة هو عزوف المصريين عن المشاركة السياسية بشكل عام، وانتخابات الغرفة الثانية بشكل خاص، فثقافة الناخب المصري دائما ما كانت مرتبطة بمجلس النواب وليس الغرفة الثانية طوال الوقت، لذا كانت نسب المشاركة محدودة في الشورى في عهد مبارك والإخوان، حسبما يقول الباحث السياسي عمرو الشوبكي.
ويقول الشوبكي، وهو عضو سابق بلجنة الخمسين، في تصريحات لـ “مصر360″، إن الشورى لا يستحوذ على اهتمام الناخب في مصر، لكن التحدي هو أن يكون المجلس القادم من الخبراء والحكماء وتحكيم معيار الكفاءة حتى لا نكرر المجالس السابقة التي اعتمدت على الترضية في عهد مبارك.
وتابع الشوبكي: “أرى أن نظام الانتخاب الحالي ليس مناسبا لطبيعة الشيوخ، فمصر تحتاج دائما إلى خبراء وكفاءات في جميع المجالات، لذا كنت أرى أن يتم اختيار المجلس بحسب التعيين بكامله أو القوائم النسبية، لأن طبيعة الدوائر لا تفرز إلا نواب الخدمات وأصحاب رؤوس المال وهم غير ملائمين لطبيعة هذا المجلس”.
برأي الشوبكي، فإن الحياة السياسية تشهد ضعفًا عامًا منذ فترة كبيرة والخوف الآن من عزوف الناس عن المشاركة في أي انتخابات مقبلة بغض النظر عن أطراف التنافس أو توجهاتهم.
اقرأ أيضًا:
ثوب جديد
أما المحلل السياسي عصام شيحة، فيرى أن أهمية وجود مجلس الشيوخ في قوامه من الحكماء أصحاب الرؤى الوطنية العميقة، حيث يأمل أن تحظى مصر بمجلس شيوخ يتناسب مع حجم المخاطر والتحديات التي تحيط بنا، كي يتفرغ مجلس النواب للتشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ومن ثم تتضافر جهود الشيوخ والنواب في دعم وتعزيز مسيرة التنمية.
وعبر شيحة، عن قلقه من عملية التوازنات التي تجرى حاليا بين القوى السياسية للتوصل إلى قائمة موحدة في انتخابات مجلس الشيوخ، باعتبار أن البلاد تمر بظرف حرج لا يسمح بذلك، حتى لا نكرر نفس الأخطاء وترجح كفة المصالح الحزبية على المصلحة الوطنية.
وطالب شيحة، بالابتعاد عن مفهوم نائب الخدمات الذي لا ينبغي أن يكون له وجود في مجلس الشيوخ، لأن المجلس سيفصل في قوانين دستورية اتفاقيات إقليمية وقضايا مجتمعية كبيرة أبعد من هذا المنظور، فلن ننتخب عضوا للمجالس المحلية بل حكماء وفقهاء وقامات لها آراء بحكم مؤهلاتها العلمية ومناصبها الأكاديمية والتنفيذية.