كتب – عاطف سعد
يحتفل العالم اليوم باليوم العالمي للصحة النفسية الذي يوافق 10 أكتوبر سنويًا. وتعرف الصحة النفسية وفقًا لمنظمة الصحة العالمية بأنها تعني الحياة التي تتضمن الرفاهية والاستقلال والجدارة والكفاءة الذاتية بين الأجيال وإمكانات الفرد الفكرية والعاطفية. وبحسب أطباء يعرف الاضطراب النفسي بأنه نمط سيكولوجي أو سلوكي ينتج عن الشعور بالضيق أو العجز الذي يصيب الفرد ولا يعد جزءًا من النمو الطبيعي للمهارات العقلية أو الثقافة.
صدر في مصر العديد من القوانين الخاصة بالصحة النفسية وحقوق المرضى منذ عام 1936 عقب تأسيس وزارة الصحة، وفي عام 2009 صدر قانون رقم 71 المعروف بـ”قانون الصحة النفسية”، الذي ساعد على تطوير مفهوم الرعاية في مستشفيات الصحة النفسية.
مقدمات المرض النفسي
“حاسس باكتئاب”- “مزاجي مش حلو”- أو “عايز أبعد عن الناس”- أو “جيبت آخري”. جمل تترد على لسان المصريين والمصريات وكلها مقدمات لأمراض نفسية. فيما يساعد أسلوب الحياة الصحي مثل الحصول على قسط كاف من النوم. وتناول الطعام بشكل صحي على تجاوز الضغوط. ومن المهم محاولة إبقاء التوتر عند مستوى معقول. وممارسة الاسترخاء بانتظام. فضلا عن الحرص على أداء التمارين البدنية والابتعاد عن تعاطي المواد المخدرة. والأهم من ذلك البقاء على اتصال بالعائلة والأصدقاء لا للوحدة.
وقدر الدكتور محمود الوصيفي -أستاذ الطب النفسي بجامعة المنصورة- المصابين بالاكتئاب والأمراض النفسية في مصر بنحو 25 مليون شخصًا.
وقال الوصيفي إنه لا توجد مناعة لهذه الأمراض. فالجميع معرض للإصابة بها: “قد يصاب بها المهندس والطبيب. ولا تعني الإصابة قلة الإيمان. ربما يكون إيمان المريض أقوى من الطبيب”.
وأشارت دراسة صادرة قبل سنوات من المركز القومي للبحوث إلى أن 70% من المصريين يترددون على المطببين الشعبيين عند الإصابة بأحد الأمراض النفسية. وأن مصر تعاني من قلة عدد الأطباء النفسيين -بحسب الوصيفي.
وأوضح أن عدد الأطباء بصفة عامة يبلغ 250 ألفًا. والأطباء النفسيون يمثلون نحو 1% منهم. أي لن يتجاوز عددهم 1000 طبيب.
الاكتئاب.. مرض المصريين
وقد أجرت وزارة الصحة مسحًا قوميًا للصحة النفسية عام 2018 أظهر أن ربع المصريين يعانون اضطرابات نفسية. والأكثر انتشارًا هو اضطرابات المزاج وتحديدًا الاكتئاب بنسبة نحو 44% من مجموع من يعانون اضطرابًا نفسيًا ما. وتليه الاضطرابات الناجمة عن تعاطي المواد المخدرة بنسبة 30%. وجاءت اضطرابات القلق العام والخوف في المرتبة الثالثة بنسبة 25%.
أما مستشار الرئيس للصحة النفسية والتوافق المجتمعي أستاذ الطب النفسي أحمد عكاشة فقال في ندوة في مكتبة الإسكندرية إن 1 من بين كل 4 مصريين مصاب بالاكتئاب. وإن النسبة ترتفع بين النساء أكثر من الرجال. ولا شك أن هذه التصريحات كانت مقلقة وصادمة وأثارت جدلًا واسعًا وقتها.
أولوية متأخرة
وقد وصل الاهتمام بملف الصحة والسلامة النفسية للمواطن متأخرًا ولم تكن ضمن أولويات الاهتمام القصوى في مصر خلال الفترة الأخيرة. وأعلنت وزارة الصحة في (16 مارس/آذار 2022) إطلاق المنصة الوطنية الإلكترونية الأولى بمصر لخدمات الصحة النفسية وعلاج الإدمان بالمجان. وذلك بالتعاون بين الأمانة العامة للصحة النفسية ومنظمة الصحة العالمية. والهدف المعلن من الوزارة -آنذاك- كان التوسع في تقديم خدمات الصحة النفسية وإتاحتها للجميع. خاصةً لمن يستشعرون الحرج في مواجهة الأمراض النفسية أو السعي للعلاج.
يبلغ عدد المستشفيات التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان 21 مستشفى في 15 محافظة.
وبحسب إحصائيات الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان فإن الضغوط الحياتية والاستعداد الوراثي أيضًا من أهم العوامل المساهمة في الاضطرابات النفسية. كما أن ما لا يقل عن 45٪ من المصريين سيعانون من مرض نفسي خلال حياتهم. ومن الممكن أن يصاب ما لا يقل عن 20٪ من البالغين بمرض نفسي كل عام.
وكشف بحث للأمانة العامة للصحة النفسية فى مصر بالتعاون مع منظمات دولية مختلفة في (أكتوبر/تشرين الأول 2017) عرضه الدكتور أحمد حسين -اختصاصي الصحة النفسية ومتحدث جبهة الدفاع عن مستشفى العباسية للأمراض النفسية- أن نسبة انتشار الأمراض النفسية في مصر بين البالغين “18-64” سنة من 10 إلى 12% بمتوسط عدد السكان. أي ما يقرب من 8 ملايين شخص يعاني من مرض نفسي. منهم يتم حجزه ومنهم من لا يحتاج سوى التردد على العيادات والمتابعة مع الطبيب.
وتناول البحث أيضًا أن الاضطرابات النفسية التى يعاني منها المصريون جاء ترتيبها كالتالي: الاضطرابات الاكتئابية-اضطراب الاكتئاب الجسيم-اضطرابات القلق-اضطراب القلق العام والفوبيا-الاضطرابات الذهانية والفصام.
بينما يبلغ عدد الأسرّة المتوفرة 6650 سريرًا فى مستشفيات الصحة النفسية المختلفة. وهي 18 مستشفى ومركزا بالإضافة إلى 5 مشاريع قيد الانتهاء منها.
وأوصى البحث الصادر قبل 5 سنوات بأن مصر تحتاج طبقا لواقع عدد المرضى إلى 16600 سرير.
توعية واجبة بالمرض النفسي
يغيب تلقي المساعدة والعلاج عن أكثر من نصف من يعانون من مرض نفسي. ويتلافى الأشخاص طلب العلاج أو يتأخرون فيه بسبب مخاوفهم من أن يتم معاملتهم بشكل مختلف أو مخاوفهم من فقدان وظائفهم أو صورتهم الاجتماعية. وذلك لأن الوصمة الاجتماعية للأمراض النفسية والتمييز والتفرقة ضد الأشخاص المصابين بمرض نفسي لا يزال يمثل مشكلة كبيرة.
وتعرف منظمة الصحة العالمية الوصمة الاجتماعية على أنها سبب رئيسي للتمييز والإقصاء.
ويقول الدكتور هاني فكري -استشاري الصحة النفسية بمستشفى الأحرار العام بالزقازيق- إنه رغم أن الصحة النفسية تمرض وتصبح في حاجة إلى العلاج شأنها كباقي أجهزة الجسم. فإنه لا داعي للخجل من الحديث عن الصحة النفسية ومن المهم الوقاية من الأمراض النفسية وعلاجها وقت حدوثها.
وأضاف لـ”مصر 360″ أن بعض الأمراض النفسية أصبحت معروفة ومنتشرة. بينها الاكتئاب والوسواس القهري والاضطرابات النفسية والخوف الشديد (الفوبيا) والقلق. ومن الممكن علاج الأمراض النفسية والتصدي لها بشتى أنواع العلاجات. منها العلاج السلوكي والذهني والعلاجات بالأدوية وليست مجرد تعاطي مهدئات كما يظن البعض.
وتابع: “آفة مجتمعاتنا العربية والمصريين خاصةً اعتبار أن المرض النفسي سبة ووصمة عار والاعتراف به أزمة كبيرة تلاحق صاحبها. وهذا أمر عار تماما عن الصحة ويجب أن يكون هناك وعي بأن المرض النفسي أمر طبيعي في ظل ضغوط الحياة. ومن السهل التعامل مع أي مرض طالما هناك اعتراف ورغبة في العلاج”.
الأكثر عرضة للأمراض النفسية
يمكن للعوامل الاجتماعية والاقتصادية أن تعرض النساء لخطر الاضطرابات النفسية أكثر من الرجال. ويمكن للنساء أن يتحدثن بسهولة عن مشاعرهن على اعتبار أن لديهن شبكات اجتماعية أقوى. ما يمكن أن يساعد في الحفاظ على صحتهن النفسية.
يأتي هذا رغم تعدد الأمراض النفسية التي من الممكن أن تصيب السيدات. ولذلك حرصت وزارة الصحة على الاهتمام أكثر بصحة المرأة النفسية وأعلنت عن افتتاح 22 عيادة جديدة متخصصة في الصحة النفسية للمرأة بالمحافظات في (25 أغسطس/آب الماضي).
وبحسب بيانات رسمية فإن هناك أيضًا عوامل تحمي الصحة النفسية للمرأة. إذ تميل النساء إلى امتلاك شبكات اجتماعية أفضل من الرجال. ويجدن أنه من الأسهل لهن أن يثقن بأصدقائهن. كما أن النساء يعالَجن نفسيا بدرجة أكبر من الرجال (29٪) مقارنة بـ17% من الرجال. وهذا يعكس استعداد النساء للاعتراف بحاجتهن إلى المساعدة.
ويرى الدكتور إبراهيم المغازي -أستاذ علم النفس بكلية التربية ببورسعيد جامعة قناة السويس- أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية من الرجال. الذين يعانون من اضطرابات العمل والحياة وضغوطها إلى جانب المسئوليات الحياتية والخوف من المستقبل.
وقال “المغازي” لـ”مصر 360″ إن المرأة أكثر عرضة بأمراض منها الاضطرابات الذهانية والفصام واكتئاب الفترة المحيطة الولادة واضطراب سوء المزاج ما قبل الحيض واضطرابات القلق وغيرها من الأمراض النفسية. فضلًا عن المشترك من الأمراض النفسية مع الرجال كالخوف من المستقبل وضغوط العمل والدراسة والإنجاب والوحدة.
وتابع: “بات الأمر يتطلب من الدولة بذل مزيد من الجهد في مجال التوعية بمخاطر الأمراض النفسية والحرص على التوعية بأهمية السلامة النفسية التي تقي المجتمع شرور الجرائم التي نرى منها اغتصابات وانتحارا وقتلا بدم بارد وحوادث شنيعة تتم داخل الأسرة المصرية ويكون وراءها في الأساس أمراض نفسية كامنة”.
مؤشرات مقلقة
قالت الدكتورة رانيا زكريا -مدير عام الإدارة العامة لشئون مستشفيات الصحة النفسية بوزارة الصحة- إن فكرة إطلاق المنصة الإلكترونية التي أطلقتها الدولة عام 2022 -وهي موجهة لكل المصريين في الداخل والخارج- كانت لمواجهة تداعيات الخجل أمام المرض النفسي وتقديم استشارات وعلاج نفسي مجاني في سرية تامة للمرضى.
وأضافت أن هناك عيادات افتراضية تتيح للمريض التعاون عن بعد للوصول إلى خدمة طبية جيدة بعد التسجيل على المنصة. وتجاوز الزائرين للمنصة ما يقرب من 50 ألف زائر ونحو 20 ألف مستخدم. وهو رقم قليل للغاية قياسا بما قدمته دراسات وأبحاث أعداد المرضى النفسيين في مصر. ما يعني أن هناك فجوة كبيرة بين ما صرح به الدكتور أحمد عكاشة بأن 25% من تعداد مصر مرضى نفسيون وجهود الدولة لاحتواء الأمر.
اضطرابات نفسية شائعة حول العالم
نشرت منظمة الصحة العالمية في (8 يونيو/ حزيران 2022) بيانات حول القلق والاكتئاب باعتبارهما الأكثر شيوعًا من الاضطرابات النفسية التي تصيب الإنسان حول العالم.
وشهد عام 2020 ارتفاعًا كبيرًا في عدد من يعانون من اضطرابات القلق والاكتئاب بسبب جائحة كورونا.
وبينت التقديرات الأولية زيادة اضطرابات القلق بنسبة 26٪ واضطرابات الاكتئاب الرئيسية بنسبة 28٪ خلال عام واحد فقط.
ورغم وجود خيارات فعالة في مجالي الوقاية والعلاج فإن معظم المصابين بالاضطرابات النفسية لا تتاح لهم رعاية فعالة. كما يعاني كثيرون من الوصم والتمييز وانتهاكات حقوق الإنسان.
الإحصائيات المصرية كانت صادمة إلى حد بعيد في تقديراتها بحسب الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان. والتي أشارت إلى أن 69% من الزائرين للمنصة الرسمية سيدات. بينما الرجال 31%. والزوار الذين دخلوا لتسجيل استشارات نفسية وطلب مساعدة بواقع 18% للمتزوجين بينما العزاب 82% والعاطلون 63% أما العاملون 37%.
لا تستجيب النظم الصحية بشكل كاف لاحتياجات المصابين بالاضطرابات النفسية حتى الآن. ولا تزال تعاني من نقص كبير في الموارد. أيضًا هناك فجوة كبيرة بين الحاجة إلى علاجات الاضطرابات النفسية وتوفيرها في كل أرجاء العالم. وعندما تتوفر فإنها كثيرًا ما تكون سيئة بحسب منظمة الصحة العالمية.
ويحصل 29٪ فقط من المصابين بالذهان وثلث المصابين بالاكتئاب على خدمات الرعاية الصحية النفسية الرسمية. كما يحتاج المصابون بالاضطرابات النفسية إلى دعم اجتماعي يشمل الدعم في إقامة وصون العلاقات الشخصية والأسرية والاجتماعية. فضلًا عن حاجتهم إلى الدعم في مجال البرامج التعليمية والعمالة والإسكان والمشاركة في أنشطة هادفة.