تعيش نقابة المحامين صيفا ملتهبا، رغم برودة الطقس، بين شد وجذب واتهامات متبادلة في ظل ولاية “الفقيه” القانوني رجائي عطية الذي يواجه انتقادت كبيرة بالانفراد بالقرار، والاعتماد على أسرته في شؤون النقابة.
النقيب متهم بالعزف منفردًا
بعكس المتوقع لم يساهم تغيير العهود في تهدئة الصراع الدائر في النقابة منذ سنوات. وتحديدا منذ عهد النقيب السابق سامح عاشور، في ظل اتهامات موجهة لـ “الفقيه” رجائي عطية، بالعزف منفردًا والاتجاه نحو مركزية اتخاذ القرارات، في حين أن المجلس آخر من يعلم.
خلال مارس من العام الماضي، أعلنت اللجنة العامة المشرفة على انتخابات النقابة العامة للمحامين عن فوز رجائي عطية بمنصب نقيب المحامين بفارق يصل إلى عشرة آلاف صوت، عن منافسه النقيب السابق سامح عاشور.
الفقيه الذي رفع شعار مكافحة الفساد منذ ترشحه، يعتبر تلك الاتهامات ما هي إلا حرب من رجال ينتمون لسلفه عاشور، بهدف تعطيل مسيرته، ومجمل إنجازاته.
لم تقتصر الحرب على صفحات الجرائد، فوصلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتسريب مقاطع صوتية تخص النقيب نفسه، مما تسبب في إحداث حالة من السخط على أداء “الفقيه”، من قبل أعضاء النقابة من المحامين.
المحامي مصطفى شعبان، كان أحد المشاركين برأيهم في أحداث النقابة، منتقدًا “العزف المنفرد للنقيب” من وجهة نظره. وهو يرى أنه “لم يتبق لمجلس النقابة من قرارات يساهمون فيها، إلا فيما يخص الشاي والقهوة من البوفيه”.
شعبان يتهم النقيب وابنته مي، والمحامي صلاح سليمان، بالانفراد بكافة القرارات، دون علم المجلس. ما تسبب في إهدار أموال النقابة، بشكل لايعكس أي شفافية.
معركة الدمغة التي أشعلت النقابة
كان آخر هذه القرارات مشروع رقمنة نقابة المحاميين، عبر الدمغة الإلكترونية، وهو مشروع ليس بجديد، دشنه النقيب السابق عاشور، من خلال شركة تابعة لجهة سيادية، بهدف حمايتها من التزوير، واتباع النهج الإلكتروني في تحصيلها. على أن تصدر باسم المحامي ورقم قيده وتاريخ إصدارها. وعدّها دليلاً على الاشتغال بالمهنة دون الحاجة لطلب توكيلات تفيد بالاشتغال.
حسب منشور -على موقع النقابة نفسها آنذاك- فإن فائدة العقد بالنسبة للشركة المعنية، يشمل نسبة من المتحصلات، يصل حدها الأدنى 150 مليون جنيه بدون عمولة. كما يتضمن العقد أن الطرف الثاني يستحق مبلغ 500 ألف جنيه مقابل توفير طباعة، ونقل وحفظ وإدارة الدمغات الورقية الخارجية. إضافة إلى 7.5% من إجمالي متحصلات المنظومة، فيما يزيد على 150 مليون جنيه حتى 190 مليون جنيه، و10% من إجمالي متحصلات المنظومة فيما يزيد على 190 مليون جنيه.
ويستمر التعاقد لمدة 10 أعوام، تبدأ من تنفيذ أول مرحلة من مراحل المشروع، وتجدد مدة العقد تلقائيًا لمدد مماثلة. ذلك ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر برغبته في عدم التجديد بموجب إخطار كتابي مسجل بعلم الوصول بمدة لا تقل عن 3 أشهر من تاريخ انتهاء العقد. ويتم التنفيذ خلال مراحل، طبقًا لخطة مقررة.
كيف لعقود تساوي مليارات أن تتم من خلال عضو وحيد بمجلس النقابة؟
حول صراع عقد الدمغة، يقول شعبان: “فاجأنا النقيب بخبر على موقع النقابة في 30 مارس الماضي، بالإعلان عن حفل تدشين أول نقابة مهنية ذكية في الشرق الأوسط، في 8 أبريل المقبل”.
يقام الحفل تحت رعاية نقيب المحامين، وإشراف لجنة التطوير والتحول الرقمي بالنقابة العامة ومقررها عضو المجلس صلاح سليمان. وهو ما دعا عضو المجلس عمر هريدي -وفق ما أظهره فيديو مسرب- إلى إعلان رفضه القرار، الذي تم اتخاذه دون استشارة المجلس، واتباع الإجراءات المعروفة في هذه الحالة.
المعروف أن إجراءات إبرام العقود تتم من خلال عروض بالمواصفات، وكراسة للشروط، في حالة كان الأمر يخص ممارسة محدودة. فيتم ترشيح عدد بعينه من الشركات، أو ترك الأمر لسياسة المناقصات، والموافقة على السعر الأدنى. وذلك بإشراف لجنة تتكون من عضو من المجلس، وعضو فني، وبعلم وتوقيع كافة أعضاء المجلس بالموافقة.
المحامي محسن بهنسي عضو النقابة تساءل أيضًا: “كيف لعقود تساوي مليارات أن تتم من خلال عضو وحيد بالمجلس؟”. ذلك في إشارة لصلاح سليمان، ودون علم كافة الأعضاء. بينما طالب عطية بتحمل مسؤولياته النقابية، والدعوة إلى انعقاد اجتماع مجلس نقابة المحامين كاملاً بجدول أعمال أحد بنوده عقد الدمغة والرقمنة. بغرض سماع كافة الآراء وتدوينها بمحضر الجلسة. ثم اتخاذ كافة الإجراءات نحو المسؤول قضائيًا إذا ثبت الفعل المجرم، وإبلاغ الجمعية العمومية لمحامين مصر بكل الحقائق.
النقيب ينكر وشعبان يرد
بعد تصاعد في الأحداث، قام النقيب بعقد اجتماع طارئ مع هيئة المكتب، أنكر فيه وجود عقد بالأساس. ذلك رغم إعلان الحفل، وكذلك ظهور مستند نشره المحامي مصطفى شعبان، يخص شركة اس دي اس الرقمية، ويرجع إلى شهر فبراير الماضي، تخاطب فيه النقيب بالتنسيق مع المحاكم لبدء أعمال الدمغة المطورة.
بالتوازي مع ذلك، نشر شعبان مستندا آخر يرجع إلى عام 2019، خلال عهد عاشور، يرفض فيه تعديل منظومة الدمغة. نظرًا لأنها تكلف مجهودًا ووقتًا، فيما تقلل من نسب المبيعات، وتتسبب في إهدار الملايين.
عبر موقع “فيسبوك”، علق أحد المحامين بالقول: “الفقيه النهاردة يقول أنا ببلغ باللي بيحصل وده يعدي عادي ونكتشف أن العقد اللي في حوزة النقيب وامتنع عن عرضه على مجلس النقابة الخاصة بالدمغة الجديدة. بنوده بتقول إن كل بيانات المحامين تكون تحت إمرة شركة مجهولة، وإنها هتحصل على ٦% من جميع إيرادات النقابة كل سنة وده يعدي عادي”.
كما قوبل تكليف تعيين عضو المجلس عمر هريدي بمنصب أمين الصندوق باعتراضات من الأعضاء، وهو ما دعا المحامي شعبان إلى القول: “لو صح قرار التعيين، سأقابله بالطعن، لأنه قرار باطل، في ظل عدم علم المجلس”.
علاقات عائلية ومعركة حول التوريث
منذ تولي “الفقيه” عطية النقابة، تردد اسم ابنته مي بين المحاميين، وهو ما يتعارض مع العرف النقابي الذي خلا من الروابط العائلية.
يقول المحامي شعبان: “لم نعرف الصلات العائلية من قبل في عمل النقابة، في حين بدأت تدخل على الخط من العهد الجديد”.
وضرب مثلاً على ذلك بتعيين مي رجائي مديرة لمكتبه. مع العلم بأنها لا تنتمي للعمل القانوني، على حد قوله. ويتردد أن الوصول للنقيب الآن يجب أن يكون عبرها. كما تم تعيين إحدى قريبات عضو المجلس صلاح سليمان، ضمن 280 موظفا جديدا، على حد قوله.
إحدى المحاميات -رفضت ذكر اسمها- قالت: “نكّن كل التقدير للمحامي رجائي عطية كقيمة وقامة قانونية، ولكن العمل النقابي شيئا آخر، هدفه خدمة الأعضاء، والاستعانة بالمجلس الذي تم انتخابه بموافقتنا، وإلا فأين الشفافية في اتخاذ القرارات؟”. مستطردة: “يجب أن يترك رجائي لقب “الفقيه” المنزه، على باب النقابة ويكتفي بلقب “النقيب”.
وتساءل أحد المحاميين: “ما هي صفة مي رجائي، لكي تملك كلمة سر كاميرات النقابة؟”. وكاميرات المراقبة أزمة أخرى كانت مشتعلة داخل النقابة قبل إزالتها. إذ كان المحامون يتهمون المجلس بمراقبة خطواتهم من خلالها.
الدمغة ليست المعركة الأولى
معركة “الدمغة” ليست الأولى للنقابة منذ توليه، وفق المحامي مصطفى شعبان، الذي يروي عن سوابق النقيب “الفقيه” في هذا الصدد.
يشير إلى “عقد الكمامات الطبية الذي كلف خزينة النقابة 600 ألف جنيه، من دون عرضه على المجلس”. كذلك عقود بوابات التعقيم التي بلغت قيمتها 624 ألف جنيه. وقد بلغ سعر البوابة الواحدة 12 ألف جنيه. “عرف بأمرها أحد أعضاء المجلس بالصدفة؛ المحامي نبيل عبد السلام”. والذي أبدى اعتراضًا شديدًا على اتباع سياسة الأمر المباشر، وتجاهل الإجراءات المتبعة في تلك الحالات، وفق شعبان.
وفق شعبان أيضًا: “عندما أدرك صلاح سليمان المشرف على عقد البوابات رفض عضو المجلس لعقد البوابات، سارع بتخفيض المبلغ إلى 8 آلاف جنيه للبوابة”. كان ذلك في محاولة لإقناعه. وهو ما اعتبره عبدالسلام دليلاً على غياب الشفافية، وتم تدارك الوضع بإلغاء العقد.
الانتقادات لم تصدر عن المعارضين لسياسات رجائي فحسب، إذ سبق وأدلى عضو المجلس محب مكاوب، المحسوب على قائمة رجائي للإصلاح، تصريحات انتقد فيها سياسة النقيب خلال إحدى اللقاءات الصحفية، مشيرا إلى انفراد الرجل بالقرارات. وأيضًا لفت إلى عدم اجتماعه بالمجلس خلال عام من توليه المجلس سوى 3 مرات.
بدوره، قال المحامي بهنسي: “نتمنى مزيد من الشفافية، وتحقيق وعد النقيب الذي اتخذه أمس، بعرض كل القرارات على المجلس وعدم إصدار قرارات منفرده”. مستطردًا: “نأمل في بداية جديدة، يمتد فيها الاهتمام إلى لجنة الحريات، ووضع المحامين المحتجزين”.