يبدو أن فيروس كورونا الذي اجتاح بلدان العالم وحصد الآلاف من البشر سيقف عائقًا أمام فرحتهم أيضًا بأعيادهم المقدسة وشهورهم المباركة، حيث لا يفصلنا إلا أيام قليلة عن شهر رمضان المبارك، الذي يبدو أنه سيفقد كثيرًا من ملامحه وطقوسه هذا العام.
sss
وبعدما انعكست إجراءات العزل بسبب أزمة كورونا بشكل ملحوظ على احتفالات عيد القيامة لدى المسيحيين، تزداد الخشية من أن تلقى شعائر رمضان المصير نفسه.
قائمة محظورات رمضان
وزارة الأوقاف، اتخذت مجموعة من الإجراءات الوقائية والاحترازية، استعداداً لقدوم شهر رمضان، في إطار خطة مكافحة انتشار فيروس كورونا، واصفًا إياها بـ “قائمة محظورات رمضان”.
وتؤكد الأوقاف أنه لن يتم فتح المساجد فى شهر رمضان وإقامة صلوات الجماعة أو الجمعة فى المساجد إلا فى حالة عدم تسجيل أية حالات جديدة إيجابية بفيروس كورونا، كما حظرت الوزارة إقامة موائد الرحمن خلال شهر رمضان فى محيط المساجد أو فى ملحقاتها أو فى أى مكان عام لتقليل الاختلاط والازدحام بين الناس.
وأشار وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، إلي أن الأصل في صلاة التراويح أن تُصلى في المنازل، مؤكدا على تعليق جميع الأنشطة الجماعية التى تقام فى شهر رمضان ومنها الإفطار الجماعى بالوزارة، وعدم إقامة ملتقيات فكرية عامة، بالإضافة إلي وقف الاعتكاف فى المساجد.
جدل حول الصيام
تشهد الفترة الراهنة حالة كبيرة من الجدل بالعديد من البلدان العربية، في ظل مطالبات عديدة بإصدار فتوى رسمية بعدم جواز صيام رمضان هذا العام؛ بسبب انتشار كورونا، وخطورته على صحة الانسان، استنادًا لبعض الآراء الطبية في هذا الصدد.
ويري بعض الأطباء أنه في ظل انتشار الفيروس، لا يفضل صيام كبار السن ومرضى نقص المناعة؛ لأن ترطيب الجسم باستمرار يعمل على إبطاء الدورة الدموية، والتي تذهب بغزارة لأماكن العدوى لمدها بقوات انتشار سريعة تدافع عن بقائها.
وأصدرت دار الإفتاء المصرية، الأسبوع الماضي، فتوى أباحت للمصابين والأطقم الطبية الذين يواجهون فيروس كورونا الإفطار ـ إذا وقع عليهم ضرر جراء الصيام ـ مؤكدة على استمرار وجوب الصيام على كل قادر بحسب قواعد الشريعة الإسلامية.
وقد عقدت “لجنة البحوث الفقهية” في الأزهر اجتماعاً مع أطباء وممثلين عن منظمة الصحة العالمية وعدد من علماء الشريعة بالأزهر الشريف، وخلصت إلى أنه لا يوجد دليل علمي حتي الآن على وجود ارتباط بين الصوم والإصابة بكورونا، وعلى ذلك تبقى أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالصوم على ما هي عليه من وجوب الصوم على كافة المسلمين، إلا من رخص لهم في الإفطار شرعًا من أصحاب الأعذار.
الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف السابق ورئيس لجنة المصالحات الثأرية، انتقد التعامل غير المنضبط من قبل كثير من الناس سواء متخصص أو غير متخصص مع وباء كورونا.
وقال شومان عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “للأسف الشديد ما يصدر عن الناس متخصصين وغير متخصصين أشبه بالعشوائيات، حيث رأينا من كبار الأطباء في بداية الأزمة من يقلل من خطورة كورونا، ويبشر الناس بأن الإنفلونزا العادية أكثر خطورة من كورونا، وأنه لا مشكلة في اقتراب طفل مصاب من سليم، وأن ضحايا الإنفلونزا العادية أكثر من موتى كورونا في أمريكا وإيطاليا.
وتابع:” تبنى آخرون وصفات وقائية منها شرب الماء بكثرة لتحويل مسار الفيروس من الرئتين إلى المعدة ليهضم وينتهي أمره، وآخرون طالبوا باستنشاق بخار الماء الساخن حيث إن الفيروس يهوى الأماكن الباردة، وكأن دول الخليج تعيش تحت الجليد والذي ترعرع فيها سريعا حتى أغلق الحرمين!”.
“ماذا لو استمر فيروس كورونا ومع الصيام يجف ريقنا مما يعطي فرصة لإصابتنا بالفيروس أكثر؟”، سؤال أجاب عنه الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وذلك خلال لقائه بالبث المباشر لصفحة دار الإفتاء عبر فيسبوك، قائًلا:”وقتها ستخرج فتاوى وبيانات من دار الإفتاء والأزهر وهيئة كبار العلماء توضح للجميع ما يفعلونه وكيف سنعبد الله فى هذه الأيام، فالأمر يحتاج إلى هيئة لتخرج فتوى صحيحة وسيكون أيضًا هذا بمراجعة من الأطباء”.
في حين، أكد الدكتور مبروك عطية، أن الإنسان غال جدا عند خالقه ولأجل حرمة حياة المسلمين يجوز أن تغلق المساجد، مضيفًا في لقائه على فضائية “إم بي سي مصر”، أنه لو أتى رمضان وثبت علميا أن جفاف ريق الإنسان فيه خطورة وجب عليه الفطر في نهار رمضان.
اقرأ ايضًا: من ذاكرة التاريخ.. مشاهد من صراع مصر مع الأوبئة
وقف الشعائر الدينية
ومنذ إعلان منظمة الصحة العالمية بأن كورونا “وباءً عالمياً”، كانت الشعائر الدينية من جوانب الحياة الأكثر تأثرا بانتشار العدوى، حيث خلت ساحة الحرم المكي من المصلين للمرة الأولى في التاريخ الحديث، وتعلقت العمرة إلى أجل غير مسمى، كما توقفت الزيارات إلى العتبات المقدسة في العراق وإيران، ولم يبدأ الخبراء بعد بإحصاء الخسائر التي مني بها قطاع الديني.
وسبق أن حل شهر الصوم وموسم الحج في فترات أوبئة خلال التاريخ، وتعطلت مواسم الحج بسبب الطاعون والكوليرا قديمًا.
وفي فتوى مفصلة حول تأثر الشعائر بوباء كورونا، يشير الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي محي الدين القره داغي، إلى حديث صحيح مسلم الذي يشير إلى تحريم دخول الأرض التي يحل بها الطاعون أو الخروج منها.
وكتب القره داغي: “لم يسجل التاريخ، أن فريضة الحج قد تعطلت كلياً بسبب الطاعون ونحوه، لكن تعطلت بسبب القرامطة لعدة سنوات، لأنهم منعوها إبان حكمهم البغيض كما تعطلت في بعض البلدان بسبب الطاعون والوباء في بعض الأحيان، وفي عام 2009م لما انتشرت انفلونزا الخنازير ظهرت بعض الفتاوى بمنع الحج، ولكن المملكة العربية السعودية درست الموضوع فقهياً وطبياً، وتوصلت إلى أن الخطورة ليست مؤكدة أو محققة لذلك لم تمنعه”.
كما يشير إلى واقعة تاريخية حول عرقلة الحج في موجة الكوليرا السادسة في عام 1899، وطالت بحدة الحجاز، لكن علماء المسلمين حينها لم يفتوا بإمكان التخلّف عن الحج، أمّا بخصوص الصوم، فقد تزامن تفشي الطاعون مرات مع شهر رمضان، لكن الوفاة به كانت أسرع من التفكير بجواز الصوم أو عدمه.
في حالة وباء كورونا الراهن، ومع فتوى الأزهر بعدم إمكان الإفطار كإجراء وقائي، فإن تأثير الفيروس على الشعائر الدينية لن يطال الصيام بحد ذاته، لكنه سيلغي كل ما يرافقه من صلوات، وتراويح، وأدعية، ولقاءات عائلية، وتجمعات احتفالية.
التأثير على الطقوس الاجتماعية المرتبطة بشهر رمضان سيكون حاداً ايضًا، مع الالتزام بالتباعد الاجتماعي، فمن المعروف عن شهر رمضان الكريم، أنه شهر العزومات وصلة الأرحام، وفيه تحرص الكثير من العائلات على إقامة “العزومات”، كذلك الأصدقاء يتبادلون الزيارات للإفطار وبعد الإفطار، ولكن مع الخوف من انتشار كورونا، والتحذير من التجمعات، ربما تغيب أو تقل تلك العادة في رمضان هذا العام.
في المقابل، بدأ البعض يفكرون بطرق لتفادي الإفطار وحيدين، مع حديث عن إمكانية الجلوس إلى المائدة جماعية ولكن عبر تطبيقات اتصالات الفيديو، على أن يبقى كل في بيته.