أصبح فيروس كورونا ضيفا ثقيلا يلازمنا، تتوالى أخباره السيئة يوميا ما بين مصابين وأعداد وفيات، أصبح المكوث في المنزل فرض عين، فلا لقاء أحبة ولا زيارة أصدقاء، ولا نزهة صغيرة مع أسرتي تجدد حالتنا النفسية.

sss

حالة من القلق والتوتر أصبحت تلازمني، فقد زادت أيام المكوث في المنزل منذ أن توقفت الأنشطة والحياة في المنتصف من مارس الماضي، ومع كل يوم جديد ازداد وجعاً، وأرى أن حالتي النفسية تدهور، أدركت أنني في حاجة إلى دعم نفسي، لكن لا أعلم من أين أبدأ. 

أثناء تصفحي موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، لفت انتباهي إعلان لوزارة الصحة المصرية على صفحتها الخاصة لتقديم الدعم النفسي للمواطنين عبر هيئة تسمى «الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان» وهي جهة تضم 18 مستشفى حكومي متخصص في الصحة النفسية، وقد زودت إعلانها بأرقام ساخنة لتلقي شكاوى واستفسارات المواطنين. 

توجهت للموقع الرسمي الخاص بالهيئة لأعرف عن ما تقدمه من خدمات، فوجدت في صفحتها الأولى افتتاحية صغيرة تتحدث فيها عن ” الصحة النفسية في العمل”، وقد تضمنت تلك الافتتاحية ما يلي: “الاكتئاب والتوتر من الاضطرابات النفسية الشائعة والتي لها تأثير على القدرة على إنجاز العمل بشكل أفضل، جدير بالذكر أنه على المستوى العالمي هناك زيادة على 300 مليون إنسان يعانون من الاكتئاب، وهو السبب المباشر لعدم القدرة على مواصلة الحياة اليومية بشكل جيد، وهناك زيادة على 260 مليون يعانون من اضطرابات التوتر، أما الذين يعيشون بالاكتئاب والقلق معا فعددهم كبير”. 

اقرأ ايضًا: من ذاكرة التاريخ.. مشاهد من صراع مصر مع الأوبئة

بدأت بالاتصال على الرقم الساخن «0220816831»، في دقائق معدودة كانت هناك رسالة صوتية مسجلة تخبرني بقائمة الاختيارات:” للاستعلام عن الخدمات المقدمة اضغط 1، للشكاوى اضغط 2، للاستفسارات النفسية اضغط الرقم 3، مع العلم أنه سيتم تسجيل المكالمة”. 

ضغطت على الرقم 3 كما أخبرتني الرسالة، لكني فوجئت برسالة صوتية جديدة تخبرني بأن الخدمة غير فعالة الآن نظراً لانتهاء ساعات العمل التي تبدأ من الساعة التاسعة صباحا وتنتهي في تمام الثامنة مساء، أغلقت هاتفي وانتابني شعور بأن تلك الخدمة غير جادة، وما الأمر سوى دعاية إعلانية ولكن لا بأس سأعود الاتصال مجددا غدا. 

عدت لتصفح الموقع الرسمي للأمانة العامة للصحة النفسية، وقد كشفت نتائج المسح القومي للصحة معدل انتشار الاضطرابات النفسية بالجمهورية لعام 2018، حيث أكد المسح أن 25% من المصريين يعانون من الأعراض والاضطرابات النفسية بمعنى أن كل 1 من كل 4 أشخاص من المفحوصين لدية عرض أو اضطراب نفسي. 

وفي عام 2017، قدمت الأمانة خدمات الصحة النفسية إلى 675 ألف مريض في مستشفيات الصحة النفسية.

وبحسب تصريحات الدكتورة مني عبد المقصود، الأمين العام للأمانة، فإن المرضى الذين ترددوا على العيادات النفسية بلغ عددهم 527 ألف مريض، فيما استقبلت عيادات الأطفال والمراهقين 39 ألف حالة للأطفال و22 ألف مراهق، وبلغ عدد الزيارات لعيادات الإدمان 87 ألف زيارة. 

في صباح اليوم التالي بدأت في الاتصال بأحد أرقام الخط الساخن، وبعد أقل من 5 ثواني، رد علي أحد الأشخاص لم يقدمني نفسه ولكنه طلب مني تقديم نفسي (الاسم، العمر، العمل، العنوان). 

أجابته على تلك الأسئلة ومن ثم بدأت التساؤلات:” بتشتكي من إيه اتفضلي“، بدأت في سرد ما أمر به تلك الفترة، فقد أخبرته بأنني أعمل صحفية، لم يقاطعني وأبدى اهتماما كبيرا بما أحدثه، بدأت أصف له ما ترادوني من أفكار عن القلق والتوتر وقلة النوم، عن الارتباك والخوف في هذه الفترة. 

استمع لكل شكواي وأبدى الكثير من التفاعل ومع انتهاء حديثي بدأ في الكلام:” مبدأيا احنا عارفين أن الوضع الفترة ديه صعب على كل الناس، لكن كمان مينفعش أبدا نسيب نفسنا للقلق والتوتر، اللي زادوا الفترة ديه نتيجة للتباعد الإجتماعي والقعدة في البيت في ظل الحظر الليلي، هقولك على شوية حاجات هتساعدك على تقليل القلق والتوتر”. 

اقرأ ايضًا: عيد القيامة فرحة مختزلة.. كورونا يكسر احتفالات الأقباط ويحول بيوتهم لكنائس

صمت قليلا ثم عاود التساؤل” ساكنة فين” لأبلغه بمكاني ومن ثم عاد لينصحني: مبدأيا بحكم عملك وانخراطك في الأحداث والأخبار طول الوقت ده مسببلك القلق والتوتر، وبالتالي انتي محتاجة أنك تحددي ساعات العمل ومن بعدها ابتعدي عن أي أخبار لها علاقة بالأوضاع الحالية نهائيا”. 

كما أوصاني بضرورة ممارسة بعض التمرينات الرياضية في البيت، واللعب من طفلي الصغير، وضرورة التواصل مع عائلتي وأصحابي وأقاربي عن طريق الهاتف والفيديو كول، عن خلق حالة من المرح داخل المنزل فقد اقترح علي إجراء بعض الأنشطة، الأشغال اليدوية، ممارسة بعض الهوايات المفضلة”، كل هذا في سبيل إشغال الوقت وتقليل التوتر والقلق. 

كما حدثني عن ضرورة عمل تمارين النفس عن طريق الشهيق بهدوء لمدة 3 ثواني والزفير أيضا بهدوء في 3 ثوان، مؤكدا أن تلك التمارين تساعد كثيرا على تقليل التوتر والقلق. 

قاطعته لأحدثه عن أشياء أخرى تؤرقني تلك الفترة، فقد استقبل بكل مرونة ولم يكل من أسئلتي الكثيرة المتتالية، يحاول أن يجيبني عليها بهدوء وبدون إبداء أي ازعاج منها أو من تكراراها. 

عاد لنصائحه مجددا، وكانت نصيحته الأخيرة في حالة تزايد الأمر فعليكي التوجه للكشف الطبي، وقد رشح لي أقرب مستشفى لمحل السكن للصحة النفسية وتابعة للهيئة، كما أكد لي على مواعيد العمل. 

انهيت المكالمة وقررت المحاولة مجددا في إتباع التعليمات للتغلب على التوتر والقلق، حتى استطع أن اتغلب على تلك الفترة الصعبة بصحة نفسية غير منهكة.