بالقرب من الكورنيش بمنطقة الساحل، في سوق روض الفرج لتجارة الغلال، تراصت أجولة كبيرة، امتلأت عن آخرها بأنواع مختلفة من التمور؛ ولكن لم تجد من يشتريها، بسبب الحظر خوفًا من انتشار فيروس كورونا.
sss
الفيروس القاتل فرض على سوق روض الفرج، ظروفًا خاصة واستثنائية هذا العام، ففي مدخل السوق انتشر رجال الشرطة، ومنعوا وضع أجولة البلح خارج المحال التجارية، وفي حالة وجود تجمع على بائع بعينه، يتم التدخل لفضه فورًا خوفًا من انتشار العدوى.
تسبب عدم الإقبال على الشراء هذا العام، في تراكم كميات كبيرة من التمور بالسوق على غير العادة، وهو ما أدى لانخفاض الأسعار لأقل من خمسة جنيهات للكيلو الواحد، وفي حال استمرار الوضع هكذا، ستتحول هذه التمور لأعلاف للماشية بحسب ما يقول التجار.
في ظل هذه الظروف الصعبة، وقف شاب عشريني يدعى أحمد حسن، يقلب بيده التمور ويفرزها قائلًا: “الحال واقف ومش عارفين نلم فلوسنا، الناس خايفة تنزل تشتري من السوق”.
ما أدى لانخفاض الأسعار لأقل من خمسة جنيهات للكيلو الواحد وفي حال استمرار الوضع هكذا ستتحول هذه التمور لأعلاف للماشية بحسب ما يقول التجار
يسكن “أحمد” بالقرب من السوق، ويعمل في تجارة البلح منذ 10 سنوات تقريبًا، ورث مكانه في السوق عن والده، وينتظر موسم رمضان سنويًا للعمل في تجارة التمور، كعمل موسمي اعتاد عليه سنويًا.
يشير “أحمد” إلى السوق الذي خلا تقريبًا من الزبائن:” لم يتبق على شهر رمضان إلا أيام، وإذا استمر الحال على هذا الوضع، سنبيع هذه التمور لتجار الأعلاف بأقل من جنيه واحد للكيلو لتستخدم علفًا المواشي”.
سيتكبد الشاب العشريني وغيره من التجار خسائر كبيرة، بسبب عدم قدرتهم على بيع التمور هذا العام، فلا يوجد لديهم مكان للتخزين بالطرق الصحيحة، ولا توجد لديهم إمكانية إعادة البضائع لتجار الجملة مرة أخرى، وسيضطرون للتخلص منها بأي سعر.
أقرأ أيضًا: دراما رمضان تحت إخراج كورونا.. حيل مختلفة للحاق بسباق المسلسلات المحاصر
رحلة التمور
بعيدًا عما يعانيه السوق من الظرف الاستثنائي الراهن، والذي أدى لكساد وركود اقتصادي في جميع القطاعات، تبقى التمور وجبة أساسية على مائدة الإفطار في رمضان، اقتداءً بسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
واتخذت بعض أنواع التمور، أسماء شعبية للمشاهير، تختلف من عام لآخر، مثل “أبو صلاح” و “النني” و”عيون ليلى”، وغيرها من المسميات، التي أطلقها البعض على التمور لجودتها.
تقطع التمور قبل وصولها لمائدة الرحمن رحلة طويلة، تبدأ عقب انتهاء شهر رمضان مباشرة، حيث يستعد العاملون في تجارة التمور، إلى شراء البلح على النخيل، وتجمعيه وتجفيفه وتخزينه بشكل جيد في “شون” أعدت خصيصًا لهذا الغرض.
واشتهرت محافظتا أسوان وقنا في جنوب مصر، والتي ترتفع فيهما درجات الحرارة، بإنتاج أنواع التمور الجافة بأنواعه الجيدة، التي يفضل الصائمون تناولها على الإفطار في شهر رمضان، لاحتوائها على مواد سكرية عالية، وفوائد صحية كبيرة.
أمام أحد المحال التجارية بسوق روض الفرج، وقف شاب ثلاثيني، يرتدي جلبابًا بلديًا، يتحدث لغة الدال التي تكشف عن جذوره التي تعود لإحدى محافظات الصعيد، اسمه وليد محمدين من مركز “ديروط” بمحافظة أسيوط، التي يسيطر أبناؤها من قرى “قلانش” و”مزينة” و”مسارة” على تجارة التمور بسوق روض الفرج.
يقول وليد وهو يبتسم:” مهنة تجارة التمور توارثناها أبًا عن جد، نستعد لها بعد انتهاء شهر رمضان مباشرة، بشراء وتخزين البلح في أسوان وقنا، وقبل شهر شعبان، نحضر سنويًا لنستعد للفرش وبدء الموسم ولكن هذا العام لم يبدأ الموسم لينتهي بسبب الحظر وعدوى كورونا”.
تجارة التمور مثلها مثل أي تجارة، لها أصول وأسرار يعرفها أشخاص بعينهم، توارثوا تجارتها وأصبحت مورد رزقهم.
يكشف “وليد” عن بداية رحلة التمور، التي تبدأ من محافظتي أسوان وقنا، اللتين تمتازان بارتفاع درجة الحرارة فيهما، وهي بيئة مناسبة لنمو التمور الجافة، التي يفضلها المستهلك المصري.
تقطع التمور قبل وصولها لمائدة الرحمن رحلة طويلة تبدأ عقب انتهاء شهر رمضان مباشرة حيث يستعد العاملون في تجارة التمور، إلى شراء البلح على النخيل وتجمعيه وتجفيفه وتخزينه بشكل جيد في “شون” أعدت خصيصًا لهذا الغرض
فبعد جني وجمع البلح من النخيل، يتم فرشه على مساحات واسعة في الصحراء “لتجفيفه”، وبعد أيام يتم جمعه وفرزه، في أجولة وتخزينه في شون مخصصة لهذا الغرض.
يستمر التجار في عملية جمع التمور طول العام، وتخزينه بشكل جيد في شون مناسبة ومعدة لهذا الغرض، وقبل رمضان بداية من شهر رجب، تبدأ عمليات النقل والتوزيع لكل أنحاء الجمهورية.
أما التمور المغلفة التي تنتجها المحافظات الصحراوية، في سيناء ومطروح، فيطلق عليها التمور الطرية، ويوجد لها طرق أخرى لجمعها وتخزينها وتوزيعها.
ينهي “وليد” حديثه وقد ارتسمت على وجهه علامات الأسف، بسبب الخسائر التي سيتكبدها بسبب عدم الإقبال على تجارته هذا العام، وهو ما سيضطره لبيع التمور لتجار الأعلاف بأسعار متدنية بأقل من تكلفتها، في نهاية موسم تجارة التمور، الذي ينتهي في أول يوم رمضان.
يؤكد “وليد” أن ما يحدث لسوق التمور هذا العام استثنائي بكل المقاييس، فقبل ذلك كان يبيع بضاعته كلها قبل رمضان بأسبوع على الأقل، ويعود لقضاء رمضان في بلدته مع أسرته بأسيوط، ولكن هذا العام لم يبع أقل من نصف بضاعته، وسيحاول إيجاد طريقة لتقليل خسائره.
أقرأ أيضًا: سعد الدين إبراهيم: كورونا غيّر حسابات النظام..والسلفيون وقود للإخوان
أصل تجارة البلح في مصر
يتداول تجار البلح في سوق روض الفرج، حكايات كثيرة عن بداية تجارة البلح بالسوق وأصلها، ويشير التجار إلى محل كبير يتوسط السوق، عُلقت عليه لافتة كبيرة، حملت اسم “يوسف عزيز معوض”، الذي ينتمي لواحدة من كبرى العائلات القبطية في مصر.
ويرجع التجار بداية تجارة البلح في السوق، لوالده “عزيز معوض”، الذي بدأ هذه التجارة، في منتصف القرن الماضي، بإحضارها من أسوان وقنا، وتجفيفه وتجميعه في شون كبيرة، وتوزيعه على التجار، ومنذ ذلك الحين، بدأت تجارة البلح في مصر بشكل منتظم.
بداية تجارة البلح في السوق، لوالده “عزيز معوض” الذي بدأ هذه التجارة في منتصف القرن الماضي بإحضارها من أسوان وقنا وتجفيفه وتجميعه في شون كبيرة وتوزيعه على التجار، ومنذ ذلك الحين
وتوجد لتجارة التمور أصول وطرق، يعرفها تجار الغلال وتتوارثها الأجيال، يبدأ الموسم عقب انتهاء شهر رمضان والعيد، فيتم تجهيز الشون المخصصة للتجفيف والتخزين، بمحافظات الصعيد التي ترتفع فيها دراجات الحرارة، ولاسيما قنا وأسوان.
وهي عملية صعبة للغاية، وأي خطأ في عملية الفرز والتخزين، قد يؤدي لخسائر كبيرة في نهاية الموسم، حيث يتم تجميع التمور وشرائها خلال وهو أعلى النخيل، بعدها تبدأ عملية الجني والتجفيف والفرز، وفي النهاية يتم تعبئته وتشوينه وتخزينه، قبل إحضار التمور للقاهرة، لتنطلق العربات لتوزيعها في جميع أنحاء الجمهورية.
أقرأ أيضًا: الثورة الصناعية الرابعة تنتظر الضوء الأخضر في إفريقيا
فوائد التمور
عندما يرتفع صوت المؤذن في شهر رمضان، تمتد أيدي الصائمين لتناول التمور، التي تتوسط مائدة الرحمن بأنواعها “سكوتي” وبرتمودي” و”قنديلي”؛ سيرًا على هدي النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي أوصي بالإفطار على التمور، لما تحتويه من فوائد صحية للصائم.
وأوضحت دراسات علمية وطبية حديثة، صحة ما أكده وأوصي به الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، قبل 1400 عام، بشأن فوائد تناول التمر للصائم.
وأوضحت دراسات علمية وطبية حديثة صحة ما أكده وأوصي به الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام قبل 1400 عام، بشأن فوائد تناول التمر للصائم
وينصح الأطباء الصائمين الذين يشعرون بتعب، بتناول التمر عند إفطارهم على مائدة رمضان، لاسيما أن الأبحاث العملية، أثبتت أن من فوائد التمور، زوال كل هذه الأعراض خلال نصف ساعة فقط، هذا بالإضافة لفوائد التمر الكبيرة في علاج الأنيميا وأمراض القلب، وكما يُعتبر مناعة ضد مرض السرطان لاحتوائه على المغنسيوم.
كما يساعد تناول التمر على تقوية البصر والجسم بشكل عام، لاحتوائه على مجموعة من الفيتامينات، وله تأثير جيد ومهدئ للأعصاب، وعلاج مناسب للإمساك لاحتوائه على ألياف تساعد الأمعاء على الحركة الطبيعية.
أقرأ أيضًا: من وباء كورونا لوباء الإرهاب.. هل يستهدف “داعش” الكنائس المصرية مجددا؟