في خطوة اعتبرها البعض استجابة لمطالب المنظمات الحقوقية الدولية، وتحول نوعي في المواقف الإصلاحية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية مؤخرا، ألغت السلطات السعودية عقوبة الجلد، برغم انشغال المملكة بالإجراءات الاحترازية لمكافحة انتشار كورونا، وفقا لوثيقة قانونية تداولتها وسائل الإعلام.

sss

ويُعتبر الجَلد عقوبة مشهورة في الدول التي تُطبِّق الشريعة الإسلامية، تحت مسمى الحدود عقابًا على جرائم مثل الزنا وتعاطي الخمور والافتراء، قد يُغض عنها الطرف أحيانًا ويُحكم حُكمًا تقديريًا تحت مسمى “التعذير” لجرائم متعددة مثل انتهاك قوانين التعامل الجندريّ (الزنا).

ووفقا للوثيقة التي نقلتها عددا من وسائل الإعلام السعودية والدولية، فإن المحكمة العليا في السعودية قررت إلغاء العقوبة على أن تستبدلها بعقوبتي السجن أو الغرامة

وتُقام تلك العقوبة عادة في العلن، وبالرغم من ذلك يصر بعض الأكاديميّون أن هذه الممارسات لا تتوافق مع تعاليم الإسلام، في الإسلام، تُعاقب النساء غالبًا بالجَلد، مع وجود القرآن تحت الذراع لتقليل الضربة وكتذكير بأنه مصدر التشريع، لا يجب أن تسبب تلك الضربات ندوب دائمة، وعندما يكون عدد الضربات كبير تُقام ممارسة الجَلد على دفعات.

ووفقا للوثيقة التي نقلتها عددا من وسائل الإعلام السعودية والدولية، فإن المحكمة العليا في السعودية قررت إلغاء العقوبة على أن تستبدلها بعقوبتي السجن أو الغرامة.

استكمالا للإصلاحات في مجال حقوق الإنسان بالمملكة

وقالت الوثيقة أن القرار جاء استكمالا “للإصلاحات والتطورات المتحققة في مجال حقوق الإنسان في المملكة التي جاءت بتوجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز وبإشراف ومتابعة مباشرتين من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

اقرأ أيضًا:

“كورونا يحكم”.. “الفيروس يتلاعب بطموحات “بوتين”

والجَلْد، أو ” السيط “هو عمليّة ضرب الجسد البشريّ بأدوات خاصة مثل السوط ذي الذيل الواحد أو متعدد الذيول أو العصا أو الحبل، وهي عقوبة تُطبَّق على شخص بغير رضاه، ولكنها تحدث في بعض الأحيان برضا الشخص المُعذَّب في سياقات دينيّة أو في الممارسة الجنسيّة السادومازوخيّة، حيث تُصوَّب السياط عادة على الجِلد العاري عن الملابس وغالبًا ما تصوَّب على الظهر، وتحت ظروف معينة يمكن أن تصوَّب على مناطق جسديّة أخرى.

وانتهى استخدام الجلد كعقاب في معظم الدول الغربيّة، سواء الضرب بالعصا أو بالسوط، بما في ذلك عقوبة الضرب على القدم.

 لكن تلك العقوبة مازالت مستمرة في بعض الدول المُطبِقة للشريعة الإسلاميّة في بعض مناطق العالم، وفي بعض المناطق التي كانت تحت الحُكم البريطانيّ. يُطبَّق الضرب بالعصا تحت الإشراف الطبيّ في بعض الدول بأوامر المحكمة كعقوبة على بعض الجرائم في دول مثل سنغافورة وبروني وماليزيا وإندونيسيا وتنزانيا وزيمبابوي وغيرها.

وقالت وكالة ” رويترز” : إنها ” اطلعت على وثيقة من المحكمة العليا السعودية، تُؤكد الغاء المملكة العربية السعودية لعقوبة الجلد التي كان معمول فيها كنوع من أشكال التعزير في المملكة”.

وأوضحت الوثيقة أنه ” يُضاف ذلك إلى الإصلاحات والتطورات المتحققة في مجال حقوق الإنسان في المملكة التي جاءت بتوجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز وبإشراف ومتابعة مباشرتين من قبل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.

وبحسب ما نقله موقع بى بى سي عربية، عن ناشطون فإن للسعودية واحدا من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم، حيث يتهموها بأنها تقمع حرية التعبير بقسوة ويخضع معارضو النظام فيها للاعتقال التعسفي، وأنه منذ تولى محمد بن سلمان ولاية العهد اتخذ اجراءات عدة لتحسين صورة المملكة.

وفاة شيخ الحقوقيين والإصلاحيين السجين بالمملكة

 ونعت منظمة القسط، وهي جماعة سعودية لحقوق الإنسان مقرها لندن، الناشط الحقوقي السعودي البارز عبد الله الحامد، المسجون منذ 2013، معلنة وفاته الخميس بأحد السجون السعودية.

وذكرت المنظمة أن الحامد (69 عاما) توفي في مدينة الملك سعود الطبية بالرياض، بعد إصابته بجلطة دماغية في التاسع من أبريل في سجنه.

نعت منظمة القسط الناشط الحقوقي السعودي البارز عبد الله الحامد، المسجون منذ 2013، معلنة وفاته الخميس بأحد السجون السعودية

والحامد يعتبر أحد الأعضاء الأحد عشر المؤسسين لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، وهي مجموعة وثّقت انتهاكات لحقوق الإنسان ودعت إلى ملكية دستورية في البلاد.

اقرأ أيضًا:

“معركة صامتة” .. زياد العليمي من حصانة البرلمان إلى قوائم الإرهاب

وتم حل المجموعة عام 2013 وأصدرت المحاكم السعودية على جميع أعضائها أحكاما بتهم تتعلق بأنشطتها.

واعتقل الحامد سبع مرات آخرها في عام 2013 مع عضو مؤسس آخر للجمعية وحكم عليه بالسجن 11 سنة بتهم منها التشكيك في نزاهة المسؤولين، والسعي إلى زعزعة الأمن والتحريض على الفوضى من خلال الدعوة إلى المظاهرات، وتحريض المنظمات الدولية ضد المملكة.

وكثيرا ما كان يشار إلى الحامد من قبل المثقفين وشخصيات المعارضة، على أنه شيخ الحقوقيين والإصلاحيين في المملكة.

وبحسب ما نقلته “رويترز”  عن، يحيى العسيري رئيس منظمة القسط: “لقد كان من أوائل المثقفين السعوديين الذين طالبوا بدستور وديمقراطية في البلاد، وناضل ضد رجال الدين المحافظين الذين أعلنوه مرتدا”.

وأصيب الحامد بنوبة قلبية في وقت سابق من هذا العام أثناء وجوده في سجن الحاير المعروف، بأنه سجن للمنشقين السياسيين والمتشددين من تنظيم “داعش”.

وقالت المصادر إنه أعيد إلى السجن من المستشفى دون إجراء الجراحة التي قال الأطباء إنها ضرورية لعلاج قلبه واستمرت حالته الصحية في التدهور، حيث تم دفن جثمان الحامد في قريته القصيعة في منطقة القصيم وسط البلاد، يوم الجمعة أول أيام شهر رمضان.

وقالت صحيفة عكاظ السعودية، إنه صدرت توجيهات عليا تقضي بأن تقوم الهيئة العامة بالمحكمة العليا بتقرير مبدأ قضائي يكون مقتضاه عدم الحكم بعقوبة الجلد في العقوبات التعزيرية والاكتفاء بعقوبات أخرى.

ونقلت الصحيفة السعودية عن مصادر أن المحاكم ملزمة بتطبيق هذا المبدأ وعدم الخروج عليه بأي حال من الأحوال.

وأصدرت الهيئة العامة للمحكمة العليا فى السعودية قراراً بالأغلبية ينص على المحاكم الاكتفاء في العقوبات التعزيرية بالسجن أو الغرامة أو بهما معاً، أو عقوبات بديلة بحسب ما يصدره ولي الأمر من أنظمة أو قرارات بهذا الشأن.

تطور نوعي وإصلاحي

ومنذ عامين وتشهد السعودية تحول نوعي في العديد من المجالات في بلد اشتهر عنه فرض قيود شديدة علي أوضاع حقوق الإنسان أثار ردود أفعال جيدة بين أوساط نشطاء حقوق الإنسان بال، حيث سُمح للنساء السعوديات بدخول ملاعب كرة القدم لأول مرة في يناير 2018، وهو العام نفسه الذي أنهت فيه المملكة حظرا دام عقودا على قيادة المرأة للسيارة.

سُمح للنساء السعوديات بدخول ملاعب كرة القدم لأول مرة في يناير 2018، وهو العام نفسه الذي أنهت فيه المملكة حظرا دام عقودا على قيادة المرأة للسيارة

وشهد العام الماضي تطورا آخر حين أتاح مرسوم ملكي للمرأة السعودية السفر إلى الخارج دون إذن ولي الأمر، وكذلك إلغاء فصل النساء في المطاعم.

ومع ذلك، فقد تم اعتقال العديد من المدافعات البارزات عن حقوق المرأة حتى بعد أن قامت الحكومة بإصلاحات.

ويقول محرر شؤون الشرق الأوسط في بي بي سي إن آخر مرة برزت فيها عقوبة الجلد في العناوين الرئيسية حول العالم كانت منذ سنوات عدة في قضية المدون السعودي رائف بدوي الذي عوقب بالجلد أمام العامة مما أدى إلى حالة من الانتقادات والغضب حول العالم، مشيرا إلى أن السلطات السعودية استجابت ولم تستكمل العقوبة بخاصة أن بدوي كاد أن يموت جراء الجلد.

حملة إصلاحات منذ 2016

يشرف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على مجموعة إصلاحات اجتماعية واقتصادية، ضمن خطط لتحديث المملكة المحافظة، وجذب استثمارات أجنبية في إطار توجه لتنويع الاقتصاد.

يشرف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على مجموعة إصلاحات اجتماعية واقتصادية، ضمن خطط لتحديث المملكة المحافظة، وجذب استثمارات أجنبية في إطار توجه لتنويع الاقتصاد

الإصلاحات أطلقها ولي العهد في 2016 في إطار رؤية أجندة رؤية 2030 وشملت، إصلاحات اجتماعية حيث أعلن في إبريل 2016 عن الحد من نفوذ الشرطة الدينية التي كانت تجوب الأماكن العامة لفرض قواعد اجتماعية صارمة، تبعه في ديسمبر 2017 قرار بإنهاء الحكومة حظراً دام 35 عاماً على دور السينما، وتعتزم فتح أكثر من 300 دار عرض أخرى بحلول 2030  .

وفي يونيو 2018، رفعت السعودية حظراً استمر عقوداً على قيادة النساء للسيارات، تبعه مرسوم ملكي في يناير 2019، يسمح بتشغيل الموسيقى في المطاعم مع ازدهار أماكن الترفيه العامة في أنحاء المملكة، وتخفيف الحظر على الاختلاط بين الجنسين.

 لسنوات طويلة انتقدت السعودية لملف المرأة ، وهو ما قامت الحكومة، بإعلان قرار فى أغسطس  2019، بإجراء تعديلات تنظيمية تسمح للنساء السعوديات بالسفر دون شرط موافقة ولي الأمر، والتحكم بدرجة أكبر في الشؤون العائلية، ثم تبعه قرار في أكتوبر 2019، بوضع  نظام جديدة لتأشيرات السفر السياحية لجذب السائحين، وتحديد قواعد زي محتشمة للزائرين منهياً بذلك شرط ارتداء النساء أزياء تغطيهن بالكامل. كما أصبح مسموحاً لأي رجل وامرأة من الأجانب مشاركة غرفة الفندق دون تقديم ما يثبت الصلة بينهما.

اقرأ أيضًا:

“إنفوجراف”..إجراءات الوقاية من “كورونا” طوق نجاة “سكان الزنازين”

وشملت القرارات أيضا إصلاحات اقتصادية، حيث وضعت قواعد عمل جديدة في 2016، تجعل وظائف معينة مقصورة على المواطنين السعوديين، إلى جانب زيادة نسبة السعوديين العاملين في الشركات، وفي عام 2017 تم إطلاق برنامج حساب المواطن، وهو عبارة عن مخصصات نقدية للسعوديين أصحاب الدخل المنخفض والمتوسط لمواجهة إجراءات التقشف.

وفي يناير الماضي، قالت منظمة العفو الدولية إن منتدى مجموعة العشرين للمجتمع المدني العالمي الذي تستضيفه السعودية هذا العام هو محاولة هزلية من جانب مضيفي مجموعة العشرين الجدد للتستر على سجلهم المزري لحقوق الإنسان.

وأصدرت المنظمة الدولية بيانًا مشتركًا ، إلى جانب منظمة الشفافية الدولية ومنظمة سيفيكوس، يوضح سبب عدم مشاركتها في عملية مجموعة العشرين للمجتمع المدني لهذا العام، وهي دورة من الاجتماعات التحضيرية الممهدة إلى قمة مجموعة العشرين السنوية.

وقال نتسانيت بيلاي، مديرالبحوث وكسب التأييد في منظمة العفو الدولية “من المفترض أن يوفر اجتماع مجموعة العشرين للمجتمع المدني منصة لأصوات المجتمع المدني من جميع أنحاء العالم للتأثير على أجندة مجموعة العشرين، مضيفا بـ “بما أن السعودية قامت بسجن معظم نشطائها المستقلين، فإن المنظمات المحلية الوحيدة الموجودة ستكون متحالفة مع الحكومة – الأمر الذي يعد مدعاة للسخرية من العملية برمتها”.

نفي المملكة

من جهتها، تنفي المملكة وقوع أي انتهاكات تتعلق بحقوق الإنسان رغم قيام مجموعات مختصة بحقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بالسعودية مرات عديدة بالتعبير عن قلقها على وضع حقوق الإنسان في البلاد.

تضمن رؤية المملكة 2030 العديد من مجالات حقوق الإنسان، كالحق في الحياة، والحق في الأمن، والحق في الصحة، والحق في التربية والتعليم والتدريب والحق في العمل وحماية الأسرة وتمكين المرأة

وتؤكد السعودية بأن أنظمتها تكفل حرية الرأي والتعبير، وتكوين الجمعيات، بما فيها نظام المطبوعات والنشر، ونظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وأنها لا تمنع الممارسات السلمية المشروعة.

اقرأ أيضًا:

هل يتخلى العالم أخيرًا عن خرافة الربط بين «الإرهاب والإسلام»؟

وتستند حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية إلى تفسيرات المذهب الحنبلي في الشريعة الإسلامية، وتعمل السعودية حاليًا على مراجعة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة وخطتها التنفيذية التي ترتكز على ستة محاور رئيسة ينبثق منها أكثر من 100 مبادرة تشمل جميع مجالات حقوق الإنسان.

 وتتضمن رؤية المملكة 2030 العديد من مجالات حقوق الإنسان، كالحق في الحياة، والحق في الأمن، والحق في الصحة، والحق في التربية والتعليم والتدريب والحق في العمل وحماية الأسرة وتمكين المرأة، وتعزيز المشاركة في الحياة السياسية والعامة وغيرها.

وفي ديسمبر 2018، أشاد المنسق المقيم للأمم المتحدة بالإنابة فراس غرايبة بجهود المملكة في حماية حقوق الإنسان وتنظيمها لاحتفالية الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، معتبرًا هذه المبادرة تعبيرًا عن التزام المملكة بدعم القيم العالمية لحقوق الإنسان.