اعتقلت قوات الأمن الإسبانية فجر الخميس، عبد المجيد عبد الباري (29 عاما)، مغني الراب البريطاني من أصل مصري، الشهير باسم “ذبّاح داعش”، وذلك بعد نجاحه في التسلل عبر البحر المتوسط إلى مدينة ” ألميريا”، مستغلا انشغال الشرطة بتطبيق تدابير حظر التجوال في البلاد، على خلفية تفشي وباء كورونا.
sss
استأجر “ذبّاح داعش” ومعه شخصان آخران من أعضاء الجماعات المتطرفة، شقة صغيرة في وسط ألميريا منذ فترة، ومكثوا فيها قرابة 20 يومًا في ظل إجراءات العزل الصحي المفروضة على البلاد، وكانوا نادرًا ما يخرجون إلى الشوارع بسبب طوارئ فيروس كورونا. وإذا خرجوا يرتدون “كمامة” كوسيلة للاختباء عن أعين رجال شرطة مكافحة الإرهاب.
وبعد وصول معلومات إلى أجهزة الأمن بشأن وجود 3 أشخاص من أصول عربية مشتبه بهم داخل شقة مغلقة طوال الوقت، تم اعتقالهم في عملية نفذها مركز شرطة المعلومات العامة فجرًا، بدعم من قوات مركز المخابرات الوطني الإسباني.
وقالت وزارة الداخلية الإسبانية في بيان لها إن “هذا الرجل مصري قاتل في سوريا والعراق، وقد ظهر في صور دعائية دموية لجرائم تنظيم داعش، وكان يختبئ في شقة مع شخصين آخرين اعتقلا أيضًا، وتعمل الشرطة على تحديد هويتهما”.
وأضاف بيان الداخلية أن “هذا الرجل اعتقل عدة سنوات في منطقة حدودية بين سوريا والعراق دون أن تُعرف هويته الحقيقية، وقد بدت عليه سمات خاصة مثل طبيعة تعكس عنفًا إجراميًا بالغًا لفتت انتباه الشرطة وأجهزة المخابرات في أوروبا”.
وريث الدم
كشفت صحيفة “التايمز” البريطانية، في عددها الصادر أمس الأول، عن هوية “ذبّاح داعش”، مؤكدة أنه عبد المجيد عادل عبد الباري الذي اعتقدت السلطات الأوروبية يومًا ما أنه هو نفسه الملقب بـ “الجهادي جون”، لكن لاحقًا كشف عن شخصية جون الحقيقية وهو محمد أموازي، الذي تبين أنه وعبد الباري كانا مقربيّن جدًا خلال وجودهما في سوريا.
عبد الباري، هو واحد من ستة أبناء، نشأ في أسرة متشددة دينيا، حيث أُدين والده “عادل” عام 2015 باتهامات تتعلق بعمليتي تفجير سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا التي نفذها تنظيم “القاعدة” عام 1998
وأشارت الصحيفة إلى أن عبد الباري، وهو واحد من ستة أبناء، نشأ في أسرة متشددة دينيا، حيث أُدين والده “عادل” عام 2015 باتهامات تتعلق بعمليتي تفجير سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا التي نفذها تنظيم “القاعدة” عام 1998، وهي التفجيرات التي أسفرت عن مقتل 224 شخصا، وحُكم عليه في الولايات المتحدة بالسجن 25 عاما.
كان الأب “عادل” محاميًا في قضايا الجماعات الإسلامية والمعتقلين السياسيين، واعتقل عقب اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وكان يدخل ويخرج من السجن كل ستة أشهر، حتى مُنح حق اللجوء إلى بريطانيا عام 1990.
وقالت السيدة “رجاء” والدة عبد الباري في حوار صحفي عام 2013، إن الأب “عادل” أثّر بشكل كبير في ابنه، وأقنعه بأن يطيل لحيته، وطلب من ابنته أن ترتدي النقاب، كما أحرق كل الصور العائلية، وأرغم زوجته على البقاء في المنزل.
وكان الابن يعيش مراهقة عادية في منطقة غرب لندن، حيث أدى عددًا من الأغاني التي جرى بثها على إذاعة “راديو وان”، وعُرف بأسماء فنية من قبيل “كاتب الأغاني “جن” و”إل جني” خلال مشواره كمطرب راب متوسط الشهرة، حيث طرح عددًا من الأغاني دارت حول إدمان المخدرات والعنف، كما تطرق في أغنياته إلى تجربته كطالب لجوء سياسي في بريطانيا.
وفي عام 2013، حدث تحول غير عادي في حياة عبد الباري، حيث قرر فجأة أن يغادر بيت العائلة “يعيش حياته في سبيل الله”، وهاجر إلى سوريا حيث انضم إلى تنظيم “داعش”، حيث عُرف بأنه واحد من فرقة أطلقت على نفسها لقب “خلية البيتلز الداعشية”، اشتهرت بذبح الرهائن، وعرفت بوحشيتها في تعذيب السجناء، بأساليب غير إنسانية لاسيما في مدينة الرقة السورية، معقل التنظيم السابق، واتهمت هذه الخلية بقتل وذبح نحو 27 أسيرًا، منهم 4 صحفيين ومصوران أمريكيان.
وفي 20 أغسطس 2014، بث “داعش” مقطعًا مصورًا كان عنوانه “رسالة إلى أمريكا”، ظهر فيه عبد الباري ملثمًا، ويقف بجوار رجل قدم على أنه الصحفي الأمريكي جيمس فولي، يرتدي سترة برتقالية، ويجلس على ركبتيه في منطقة صحراوية. وتحدث فولي معطيًا رسالة إلى أسرته، ورابطًا ذبحه الوشيك بحملة قصف الحكومة الأمريكية لأهداف لتنظيم “داعش” في العراق. وقال “أطالب أصدقائي وأسرتي وأحبائي بالوقوف ضد قتلتي الحقيقيين، وهم الحكومة الأمريكية، لأن ما سيحدث لي هو فقط بسبب تواطؤهم وإجرامهم”.
وعقب بيانه القصير، حذر الرجل الملثم، الذي كان يتحدث الإنجليزية بلكنة بريطانية، واتضح فيما بعد أنه عبد الباري، الحكومة الأمريكية بقوله: “أنتم لا تقاتلون متمردين. نحن جيش إسلامي، ودولة قبلها عدد كبير من المسلمين عبر أرجاء العالم”.
وتحدث عن هجمات الولايات المتحدة على مقاتلي تنظيم “داعش”، قائلا “إن أي محاولة من جانبك يا أوباما لعدم الاعتراف بحقوق المسلمين في العيش في أمان في ظل الخلافة الإسلامية ستؤدي إلى سفك دماء شعبك”. وبعد الانتهاء من حديثه، ظهر “ذبّاح داعش” وهو يبدأ في قطع رقبة فولي، قبل أن يقطع الفيديو. ثم شوهد جسد الصحفي وهو ملقى على الأرض.
أخطر إرهابي في أوروبا
ذكرت مصادر أمنية إسبانية، أن عبد الباري حاول أن يستغل مرحلة وباء كورونا، حتى يعمل على إخفاء هويته، لاسيما في ظل تضرر إسبانيا بشدة من الفيروس، لكنه لم ينجح في مهمته، مشيرة إلى أن مظهره تغير بشكل كبير، ما دفع السلطات للتأكد من هويته عن طريق البصمات، كما أنه ورفاقه في السكن كانوا لا يخرجون من المنزل إلا نادرًا، وفي حالة فعلوا ذلك يتفادون الخروج بشكل جماعي كما كانوا يعملون على تغطية وجوههم بالكمامات.
مصادر أمنية إسبانية: عبد الباري حاول أن يستغل مرحلة وباء كورونا، حتى يعمل على إخفاء هويته، لاسيما في ظل تضرر إسبانيا بشدة من الفيروس، لكنه لم ينجح في مهمته
ومن جانبه، قال جون شارل بريسارد، الباحث الأوروبي في شؤون الإرهاب والجماعات المتشددة، إن عبد الباري الذي جرى اعتقاله في ألميريا أخطر متشدد مطلوب على مستوى أوروبا. وشكل الرجل إلى جانب مقاتلين أجانب آخرين في “داعش”، هاجسًا أمنيًا كبيرًا للدول الأوروبية، وسط مخاوف من عودتهم بخبرات واسعة في القتال، أو رجوعهم بقناعات متشددة ربما يحولونها إلى اعتداءات دموية في الدول الغربية.
وأوضحت صحيفة “الديا” الإسبانية أن ما يثير القلق هو وصول عبد المجيد عبد الباري على الساحل الأندلسي، إلى دولة ذات خبرة طويلة في مكافحة الارهاب، إلا أنه لم يتم الكشف عنه إلا بعد رصده من الشرطة الإسبانية، مشيرة أنه لابد من وجود اتصالات له في أوروبا تسمح له بالدخول خلال رحلته من شمال إفريقيا.
ولفتت الصحيفة الإسبانية إلى أن الفرضيات الأولى لدى أجهزة مكافحة الإرهاب في البلاد حول وجوده في إسبانيا، تشير إلى وجود مخطط كبير لتجنيد أشخاص جدد لحساب تنظيم “داعش”، والتخطيط انطلاقًا من هناك لتنفيذ عمليات إرهابية كبيرة في بعض دول أوروبا.