لماذا لا تصبح مصر مصنعا للشرق الأوسط وأوروبا؟.. سؤال لا يبدو غريبًا في خضم التغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم في خضم أزمة كورونا بعدما ذاق مرار نقص مستلزمات العناية الشخصية والمستلزمات الطبية التي تحتكر مصانع الصين إنتاجها، فتشت الدول الكبير في مخازن الطوارئ فلم تجد ما يسد رمق شعوبها، وبحثت عن البدائل فلم تجد مع توقف حركة الطيران والنقل.

sss

تنافس الدول النامية حاليًا كالهند والفلبين وفيتنام والمكسيك على تقديم نفسها على الساحة الدولية ووصل ببعضها إلى إعلانات مدفوعة الأجر بوسائل الإعلام الغربية أو مخاطبات للسفراء الأجانب تشرح فيها قدرات للقيام كبديل أو حتى مساهم في إنتاج ما يحتاجها العالم مع الصين تقسيم “مصنع البشرية”.. وإعادة هندسة العالم لخلق منافسين جددد للصين.

رغم الأزمة التي تمر بها الصين حاليا لكنها تمثل تجربة ملهمة للدول النامية التي تشق طريقها نحو الانطلاق الصناعي فالدولة التي كانت قبل أربعة عقود شديدة الفقر بشوارع ترابية ومنازل لا تتعدى طابقين وتختفي فيها وسائل المواصلات العامة، أصبحت حتى الآن تحتكر نحو ربع إنتاج العالم كله من المنتجات الصناعية، وإنتاجها لا يخلو من أي منزل في العالم.. تجربة ملهمة للراغبين.. كيف تحولت الصين إلى قبلة الاستثمار الصناعي؟

يتفق خبراء الاستثمار حاليًا على أن مقومات الجذب المصرية مثلما تقول الأبجديات الاقتصادية نصًا فالعوامل كليها متوفرة من طاقة ومواد خام وعمالة وبيئة تشريعية وضريبية وموقع متميز، لكن تبقى بعض الرتوش البيروقراطية والتكاليف المرتفعة في تأسيس الشركات وتراخيصها نقط سوداء تكدر الثوب الأبيض وتحتاج إلى تدخل سريع من الدولة للحاق بكعكة الاستثمارات الصينية التي يبدو أنها في طور التقسيم. والذي يرسم خارطة طريق لاستقطاب الأموال الراحلة من الصين.

يمكن لمصر الاستفادة بقوة من التجربة الصينية في الصناعة والاستثمار على حد سواء خاصة أن البلدين جمعتهما كثير من المتشابعات فكلاهما انتقلا من الاقتصاد الاشتراكي إلى الاقتصاد الحر المنفتح مع اختلافات في التطبيق ودور الدولة، وكلاهما يعجان بالقوى البشرية القادرة على العمل، وكلاهما يتمتعان أيضًا بعملة مشجعة على التصدير.. مصر تمتلك مؤهلات الانطلاق.. ماذا تحتاج في عصر ما بعد كورونا؟

تشق مصر طريقها حاليًا في طريق الصناعات الإلكترونية بقوة مع دورها الرائد في صناعة التعهيد، فأنشأت مصانع لتصنيع الشاشات التليفزيونية بالتعاون مع شركة “سامسونج” والتي تصدر غالبية إنتاجها للخارج خاصة للأسواق الإفريقية والعربية، ونجحت في إنتاج أول هاتف ذكي محلي لكن تبقى الإشكالية دائما في المكون الأجنبي بالصناعة “التوطين الكامل لصناعة التكنولوجيا بمصر يبدأ من “المسمار” و”الكارت”.

يظل العامل كلمة السر في أي نهضة صناعية، فكان البطل الأول في الصين وكوريا الجنوبية، وكان تدريبه الجيد الوسيلة الأبرز في التسويق للاستثمار في دول مثل ماليزيا وأندونيسيا، لكن مصر تعاني من غياب العمالة المدربة أو رحيلها إلى قطاعات غير صناعية وخدمية كقيادة السيارات أو التسويق العقاري بسبب ضعف الأجر..  العامل “كلمة السر”.. لا بديل لتطور الصناعة إلا بـ”البوريتاريا” المدربة.

في هذا الملف نعالج مشكلات الاستثمار المصري دون الاكتفاء بسردها، ولكن بمنطق الطبيب الذي لا يكتفي بالتشخيص دون وصف العلاج، ووصولا في النهاية إلى خريطة طريق للاقتصاد المصري لاعتلاء مكانة أفضل على خريطة العالم الصناعية في عصر ما بعد كورونا الذي سيشهد تغييرات جذرية.