أفرد العدد الأسبوعي من صحيفة الجارديان البريطانية (الأوبزرفر) المقال الافتتاحي لمناقشة تخلي المملكة المتحدة عن التزامها بقانون حقوق الإنسان. وبدأت الصحيفة المقال بقولها إن الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان ليس تدبيرا من الاتحاد الأوروبي لحفظ السيطرة على بريطانيا، كما قد يشير البعض في الحكومة.
محذرة إنه مع تشويه وتقويض القوانين والمؤسسات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية من قبل المستبدين والشعبويين مثل دونالد ترامب، فإنه ليس الوقت للبدء في العبث بالحمايات القانونية الأساسية للمواطنين البريطانيين.

sss

كما أشارت إلى ما يمثله ذلك تهديدا أساسيا على حقوق المواطنين البريطانيين، والذين خلافا لما في ديمقراطيات أخرى كثيرة، لا توجد ضمانات دستورية تحميهم أو قانون حديث للحريات. وتحذر الصحيفة إنه إن تخلت المملكة المتحدة عن الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، فإنها ستلحق بذلك ببيلاروسيا، الديكتاتورية المستبدة الدولة الأوروبية الوحيد التي ليست طرفا في الميثاق. وحتى روسيا تحت حكم فلاديمير بوتين أصبحت عضوا بها منذ 1998.

وتضيف الصحيفة إلى الشكوك حول أن الحكومة يمكن الثقة بها في الوفاء بالتزاماتها بالحفاظ على معايير بيئة العمل، والمعايير البيئية ومعايير الطعام فيما بعد البريكست، ما أشارت إلى أنها مخاوف حقيقية باتت مؤكدة بشأن استمرار التزامها بالقانون الدولي لحقوق الإنسان- ما يعني على وجه التحديد، الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان. ووصفت التراجع عنه بالحماقة المدمرة وغير مقبول بالمرة.

وتوضح الصحيفة أن هذه المسألة برزت الأسبوع الماضي بعد كشف ميشيل بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، عن أن المملكة المتحدة قد أخطرت الاتحاد الأوروبي أنها لا ترعب في الالتزام رسميا بتطبيق الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان. ومن جانبها، زعمت الحكومة البريطانية بعد ذلك أنها مستمرة في دعم المعاهدة، التي انضمت إليها المملكة المتحدة في 1951، لكنها لا ترغب في أن تكون عضويتها بها أن تشكل جانبا ملزما قانونا في اتفاق التجارة المستقبلي بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.

ثم تستطرد بأنه على ما يبدو مما قد يظهر كتفاصيل ثانوية، إلا أن الأمر ينطوي على ما هو أكثر من ذلك، مفسرة أن ربط الاتفاقيات التجارية بحقوق الإنسان قد بات ممارسة معتادة في السنوات الأخيرة. وكما أشار بارنييه، فإن الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان يوفر دعامة قانونية جوهرية في كثير من المناحي. حيث لفت إلى أن التعاون في المحاكم الجنائية وتطبيق القانون، والذي، كما قال: “يتطلب التزاما من كلا الجانبين مع احترام الحقوق الأساسية للأفراد”.

وتطرح الصحيفة أن رفض المملكة المتحدة الالتزام المستقبلي بالمعاهدة قد يكون له تأثير سلبي خطير محتمل على اتفاقية الجمعة العظيمة (الاتفاقية التي شهدت إنهاء الحرب الأهلية في أيرلندا)، التي تعد المعاهدة مكملا لها. مضيفة أنه فضلا على ذلك فإن التعاون الأمني قد يتأثر أيضا، وكذلك الاتفاقيات المتعلقة بالخصوصية وحماية البيانات الشخصية.

وتتفق الصحيفة مع تحذير بارنييه من أن استمرار بريطانيا في موقفها سيؤدي ذلك إلى عرقلة والحد من حجم العلاقات المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.

أما في التساؤل بشأن هدف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من هذا، تحيل الصحيفة هذا السؤال إلى كبير مستشاريه، دومينيك كامينجز، والذي يعرف عنه رغبته في التخلص كلية من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان. كما أن المحافظين اليمنيين طويلا ما أبدو عدم قبول للمعاهدة وقانون حقوق الإنسان الصادر في عام 1998 والذين ترجما إلى قانون بريطاني، ودائما ما كانوا يعتبرونهما أدوات يستغلها البيروقراطيين في بروكسل لبسط السيطرة على الحياة البريطانية.

وتعلق الصحيفة بأن هذا لطالما كان حجة غير معقولة. حيث توضح أن الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان والمحكمة الملحقة به في ستراسبورج الفرنسية، قد تأسسا قبل قبل الاتحاد الأوروبي المعاصر، وهي منفصلة عنه تماما. وأنهما كانا ناتج عن المجلس الأوروبي المكون من 47 دولة والذي تم تأسيسه بمساعدة ونستون تشرشل، البطل لدى بوريس جونسون. وفي عام 1948، طالب تشرشل بوجود “وثيقة لحقوق الإنسان تحميها الحرية ويدعمها القانون”.

ولذا فإن الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان هو إنجاز ينبغي أن تكون بريطانيا على الأخص فخورة به. ففي استجابة على المآسي المروعة في الحرب العالمية الثانية، كانت المعاهدة تهدف إلى ضمان أن الحكومات لن تسمح مجددا أبدا بإيذاء الأشخاص العاديين والإفلات من المحاسبة. وكان تطويره قد ساعد في إفادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الخاص بالأمم المتحدة. حيث ساعد خبراء بريطانيون في صياغته. وكانت المملكة المتحدة أول من صدق عليه. وكان لها تأثير كبير في إرساء أو رفع المعايير في أوروبا وحول العالم.

وتشير الصحيفة إلى أنه على الرغم من تأكيد رئيس الوزراء بوريس جونسون على أن بريطانيا ستظل من الموقعين، إلا أن رفضه الالتزام الكامل بالميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان يلمح بقوة إلى أنه ربما يسعى مستقبلا إلى إلغاءه (وقانون حقوق الإنسان) كلية- كما يطالب المتعصبون مثل كامينجز. محذرة من أن هذا سيتسبب في ضرر بالغ لموقع بريطانيا في العالم وسمعتها التي نالتها بعد جهد كمدافع بارز عن حقوق الإنسان حول العالم.