ظلت طائفة الهندوس ، منذ قرون ، تتجمع لحرق الجثث في المحارق الجنائزية على طول نهر جانجا المقدس ، بينما يتلقى اليهود العزاء على مدار سبعة أيام في المنزل ، ويتكاتف المسلمون لتغسيل جثث أحبائهم في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي .
ولكن وباء كورونا تسبب في تغيير طقوس الدفن عالميا بشكل جذري بينما أكدت منظمة الصحة العالمية في إرشاداتها بشأن مراسم الدفن أن جثث الموتى ليست معدية بشكل عام ، ولكن توصياتها تحذر في هذا الصدد الأقارب من لمس أو تقبيل الجثة في حين أن القواعد الحكومية الخاصة بـ”التباعد الاجتماعي ” للحيلولة دون انتشار المرض قد غيرت الطقوس الجنائزية في جميع ديانات العالم .
sss
فمثلما تقوم الولايات المتحدة حاليا بتقييد التجمعات بالجنازات ، تفعل بالمثل كثير من الدول والسلطات الدينية .
تغيرت التقاليد والشعائر الدينية في جميع الدول بسبب فيروس كوفيد-19 ، وهو ما سعى فريق من المراسلين الأجانب كشف تفاصيله في تحقيق كبير نشرته شبكة “الإذاعة الوطنية الأمريكية ” إن بي آر “
إقرأ أيضا : النظام الصحي لن يصمد..كورونا يقترب من أطفال ونساء محتجزين بشرق ليبيا
يشارك الأهل والأقارب في العراق في تغسيل جثث أحبائهم و يجهزونها للدفن ، بينما يتم دفن المتوفي في نفس اليوم كلما كان ممكنا .
وتعقد ثلاثة أيام لتلقي العزاء عند المسلمين والمسيحيين وذلك في سرادقات كبيرة أو في قاعات مناسبات بالمساجد والكنائس ، بينما تحاط الأسرة “الحزينة ” بالأقارب والأصدقاء والجيران ، ويكون تدفق مشاعر الحزن متوقعا ومحبذا ، ولكن مع تفشي ذلك الوباء ، لم يعد مسموحا بتجمعات الحزن العامة .
وقال عبد الهادي مجيد ، الذي توفي والده متأثرا بـ”كوفيد-19 ” في أحد مستشفيات بغداد بشهر مارس الماضي ، إنه استغرق ثمانية أيام حتى يستلم جثة أبيه من المشرحة ، وكان ترتيب عملية الدفن في غاية الصعوبة، مضيفا أن جثة أبيه كانت من بين مجموعة من الجثث التي نوت الحكومة دفنها في أحد الحقول بالقرب من بغداد وخارج المدينة ، ولكن الزعامات القبلية رفضت السماح بدفن الجثث هناك ، خوفا من أنها قد تنشر المرض .
لكن القوات شبه العسكرية ، التي ارتدت السترات الواقية من العدوى ، تولت عملية الدفن طبقا لشعائر الشريعة الإسلامية في جبانة مترامية الأطراف بمدينة النجف الأشرف جنوب بغداد ، حيث تم تخصيص قسم منها لضحايا كورونا .
تعطيل الحرق على ضفاف جانجا
تغيرت التقاليد والشعائر الدينية في جميع دول العالم بسبب كوفيد-19، وصارت تقام الجنازات عن بعد أو من خلال الفيديو كونفرانس
وجرى في الهند إصدار إرشادات جديدة للتخلص من الجثث ، وذلك في منتصف الشهر الماضي ، حيث تقلص عدد المشيعين للجنازة ليصل إلى 20 شخصا أو أقل ، ومن ثم لم يعد هناك مواكب جنائزية عامة و كبرى والتي كانت جزءً رئيسيا من مراسم العزاء لأتباع عدة أديان في جنوب آسيا .
عندما تذهب إلى مدينة فارانسي الهندوسية المقدسة ، والواقعة على ضفاف نهر جانجا ، تجد كاهنا يقف وحيدا ، ويتلو الصلوات اليومية مختزلة كإشارة رمزية للإلهة الهندوسية جانجا والتي يعتقد المؤمنون بها أنها تجسد النهر .
اعتاد آلاف من الناس من بينهم سائحون ، على التجمع هناك من أجل طقوس تبجيل إلهة النهر من شروق الشمس وحتى غروبها.
وأصبح جانبا النهر خاويين على عروشهما بسبب إجراءات الإغلاق في جميع أحياء البلاد ، بعد أن كانا مكتظين بالمحارق الجنائزية المصفوفة ، وكومات الحطب الضخمة التي كانت تعد لإحراق الجثث .
ويعتقد أكثر الهندوس، الذين يشكلون غالبية الهند ، أن حرق الجثث بجوار نهر جانجا أو ذر رمادها في مياهه ، يضمن لهم الخلاص ، ولكن مع تقليص وسائل النقل العام و تحجيم السفر بمقتضى إجراءات الإغلاق ، فالعلائات عاجزة عن نقل جثث أو رماد أحبائهم إلى النهر ،وهناك تقارير عن تراكم الرماد في محارق الجثث لأن عائلات المتوفين لا يستطيعون الذهاب لتجميعها .
وأصدرت الحكومة المركزية بالهند توجيهات جديدة تحظر تغسيل أو تحنيط الجثة المصابة بـ”كوفيد- 19 ” كما تمنع الأقارب من تقبيل أو حضن الجثة تجنبا للإصابة بالفيروس ، حيث تم صياغة هذه القواعد بعناية دون ذكر أي دين بعينه ، غير أن تغسيل الجثة يجري بشكل نموذجي بين المسلمين الذي لا يقل عددهم عن 180 مليون نسمة في الهند .
لم يعد مسموحا بإقامة سرادقات العزاء ، ولجأت ديانات العالم إلى طقوس وشعائر بديلة حفاظا على أرواح المعزيين
وأعلنت السلطات البلدية بالعاصمة التجارية مومباي ، الشهر الماضي أنه يجب حرق الجثث المصابة بـ”كوفيد -19 ” ، موضحة في أمرها أن مدافن المدينة تقع في مناطق كثيفة السكان ، والتي قد تشكل خطورة الإصابة .
ولكن على الرغم من أن الغالبية الهندوسية بالهند تمارس طقوس حرق الجثث ، إلا أنها محرمة تحريما باتا في الإسلام ، ومن ثم تم سحب هذا الأمر في غضون ساعات من إصدارها بعدما تدخل رجل سياسة مسلم ، في حين يستطيع المسلمون الاستمرار في دفن جثثهم مع إلغاء الأمر .
وهناك أحد تقاليد الدفن في الهند والذي لا ينطوي على زحام ، ومن ثم مازال مسموحا به والذي يعرف بـ”مدافن السماء ” والذي تمارسه طوائف “الفارسيين ” بالهند والزرادشتيين وبعض البوذيين بهضبة التبت ، ويقوم أتباع هذه الديانات بوضع الجثث على موضع عال أو فوق قمة جبل ويسمحون للنسور بالتخلص منها .
“الحزن عن بعد ”
أصدر إقليم النجاب بباكستان الأكثر اكتظاظا بالسكان إرشادات تطلب ممن يمارسون “تغسيل الجثة ” على الطريقة الإسلامية أن يرتدوا معدات وقائية مناسبة كما دعا مجلس ديني بارز المسلمين الباكستانيين إلى ممارسة البتاعد الاجتماعي عندما يقيمون صلوات الجماعة التقليدية في الجنازات .
وجرى في تركيا استبدال ، “الوداع عن قرب ” بـ”الجنازات عن بعد” ، ولا يسمح إلا لمن شاركوا في طقوس الغُسل الذين هم من أسرة المتوفي بطبيعة الحال ، كما يمكن لأقرب المقربين أن يحضروا الجنازة ، بينما يصلى الإمام من مسافة بعيدة آمنة ويتحدث وهو يرتدي كمامة ، كما منعت السلطات المشيعين من الاقتراب من النعش لإلقاء نظرة أو كلمة أخيرة .
اقرأ أيضا :صرخات العالقين.. مصريون بالخارج منعهم الوباء من احتضان الوطن
وصمم البعض في إيرلندا على أداء واجب العزاء رغم الإجراءات الجديدة ، فعندما توفي أحد سكان قرية كاونتي كيري ، الأسبوع الماضي ، اصطف الأبارشة الكاثوليك على ما يزيد من ميل على طول الطريق المؤدي إلى المدافن المحلية ، والذين تركوا مسافات تباعد اجتماعي تقدر بعدة أقدام تفصل كل واحد عن الآخر .
وتحجم بعض الدول من عدد المعزيين الذين يحضرون الجنازات ، فالسلطات في كل من فرنسا و البرازيل ، تحث الناس على تقليص الجنازات حتى عشرة أشخاص يحضرونها فقط ، وتشدد البرازيل على ضرورة ترك مسافة ستة أقدام بين كل معز وآخر ، وهو اختلاف كبير عما كانت عليه التجمعات الجنائزية التقليدية هناك والتي عادة ماكانت تستمر طوال اليوم ويحضرها مئات الناس.
الجنازة بالفيديو كونفرانس
وفي إسرائيل حيث هيمنة الديانة اليهودية ، تضع بعض المستشفيات ، مثل مركز شيبا الطبي ، جثة المتوفي في صندوق زجاجي ، وبهذه الطريقة تستطيع العائلات التي لم تتمكن من الحضور مع الشخص المحتضر ، أن تلقى عليه نظرة الوداع الأخيرة ، بينما تقف العائلات على الجانب الآخر من جدار ويختلسون النظر عبر نافذة لرؤية المتوفي .
و يقيد مسؤولوا الدفن عدد الضيوف الحضور إلى 20 شخصا و يمنعون عادة تمرير جاروف على الحضور لالتقاط قبضة من التراب و إلقائها على القبر ، حتى لا يلمس المشاركون نفس الجاروف .
ويصر بعض المشاركين على الاحتفاظ بتقاليد تكريم الموتى من خلال ذر التراب بأيديهم عارية و يجري لف جثث ضحايا فيروس كورونا في حقيبتين بلاستيك لحماية من يتعاملون مع الجثة ، وبما أن النعوش لا تستخدم في طقوس الدفن اليهودية في إسرائيل ، فإنه يتم لحد الجثة مباشرة في القبر بعد تكفينها .
إقرأ أيضا : بين اليأس والأمل ..آلام العمالة المؤقتة في زمن الأوبئة
ربما لم يعد الإسرائيليون يستقبلون المعزيين في أسبوع العزاء المسمى بـ”شيفا ” والذي يجمع العائلة والأصدقاء ومن يقدمون أسمى الأمنيات للمتوفي ، ومن ثم يجب على المكلوم أن يحزن وحيدا في بيته ، وبعضهم يعقد تجمعات العزاء من خلال “الفيديو كونفراس ” ولكن يبقى على كثير من اليهود المتشددين التخلي عن تلاوة صلوات “القادش ” الخاصة بالتعازي لأنها تشترط الحضور”جسديا ” ولا تنقعد إلا بنصاب عشرة أفراد .
وسمح بعض الحاخامات الأكثر ليبرالية بعقد “نصاب افتراضي ” للتجمع عبر فيديو كونفرنس لإقامة صلاة الجنازة “
مهرجان كنس المقابر
لم تتمكن العائلات، في مدينة ووهان بؤرة الفيروس في الصين، من تجميع رماد الجثث الخاصة بأحبائهم بسبب إجراءات الإغلاق ، وذلك على مدار شهرين وحتى آخر شهر مارس قبل أجازة “كنس المقابر ” ، وهو المهرجان الصيني التقليدي والذي يخصص لتبجيل وتكريم الأسلاف والذي يقام في 4 أبريل .
طقس “مدافن السماء ” أحد تقاليد الدفن في الهند والذي لا ينطوي على زحام ، ومن ثم مازال مسموحا به
و تطلب السلطات في ووهان من العائلات تخصيص فترة زمنية قصيرة لالتقاط رماد أحبائهم ودفنه ، بينما يرافقهم أحد مسؤولي الحي ، وذلك للحيولة دون تشكل حشود كبيرة .
وقام عمال الدفن في 3 أبريل ، وقد ارتدوا سترات واقية ، بتفريغ حمولتهم والتي كانت عبارة عن جثة شخص يفترض أنه توفي متأثرا بإصابته بفيروس كورونا التاجي ، وذلك كي يتم حرقها في مقابر عامة في العاصمة مانيلا .
الحرق والدفن في الفلبين
و ينص مرسوم الحكومة الفليبينية على ضرورة حرق بقايا ضحية كوفيد -19 في غضون 12 ساعة ، باستثناء ما إذا كان هناك دين يحرم حرق الجثث ، فإذا كان المتوفي مسلما ، على سبيل المثال ، ففي هذه الحالة ينبغي أن توضع جثة المتوفي في حقيبة محكمة الإغلاق و يدفن في أقرب مقبرة للمسلمين وفقا لشعائر الدين الإسلامي ، وفي غضون 12 ساعة أيضا .
وتعتبر طقوس الدفن السريع “خروجا مزعجا ” عن المدافن المسيحية التقليدية في الفلبين ذات الأغلبية الكاثوليكية ، حيث يمكن أن يستمر طقس “لاماي ” والذي يعني الاستيقاظ من ثلاثة إلى سبعة أيام .