يلعب الخطاب الحقوقي دورا بارزا في الاستعداد لانتخابات الرئاسة الأمريكية، المقرر عقدها في نوفمبر المقبل، دخلت مراحلها الأخيرة مع اقتراب نهاية الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لاختيار المرشح المناسب لنيل دعم الحزب في الانتخابات الرئاسية.
أبرز المرشحين المحتملين عن الحزب الديمقراطي هو السيناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز، الذي يتبنى أجندة حقوقية ويسارية، تتعارض بشكل كبير مع كل ما يمثله الرئيس الجمهوري دونالد ترامب.
في حين فرضت قضايا “إلغاء الإعدام ” ، والهجرة غير الشرعية ، والحقوق الاقتصادية نفسها في هذا الانتخابات التي يترقبها العالم كله .

إلغاء عقوبة الإعدام

من بين القضايا الحقوقية الأساسية التي يستخدمها الحزبين الرئيسيين في أمريكا “عقوبة الإعدام” وتعارضها مع الحق في الحياة. المطالبات بإلغاء عقوبة الإعدام حديثة نسبيا مقارنة بالعديد من الحقوق والحريات الأخرى التي أقرتها العديد من الدول والحكومات. وبعد وقف العمل بعقوبة الإعدام الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية وترك الاختيارات بتطبيقها أو منعها حسب التشريعات المحلية لمختلف الولايات عادت الحكومة في عهد ترامب لتطبيق العقوبة حيث قررت استئناف الإعدام .

وفقا لاستطلاعات الرأي التي أجراها مركزا “بيو” للأبحاث و”جالوب”, وهو ما يتماشى مع سياسات الحكومة الأمريكية، التي أصدرت أحكاما بالإعدام على ثلاثة متهمين فقط منذ إعادة العمل بعقوبة الإعدام الفيدرالية في عام 1988، إلا أن الحكومة الأمريكية في عهد ترامب قررت استئناف عقوبة الإعدام لأول مرة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.

ففي يوليو الماضي، أمر وزير العدل الأمريكي، وليام بار، مكتب السجون الفيدرالي بتحديد موعد إعدام خمسة من السجناء المحكوم عليهم بالإعدام.

بار قال في بيان أنه سيتم تنفيذ عقوبة الإعدام من أجل تحقيق العدالة لأسر الضحايا، وأن جميع السجناء الخمسة المحكوم عليهم بالإعدام قد أدينوا جميعاً بالقتل.

في المقابل كشف ساندرز عن خطته لإصلاح العدالة الجنائية، والتي تتضمن إلغاء عقوبة الإعدام على المستوى الفيدرالي، مشجعا حكومات الولايات على فعل الشيء نفسه.

الحقوق الاقتصادية

على المتوى الحقوق الاقتصادية يختلف خطاب ترامب وسياساته جذريا مع خطاب ساندز الأوفر حظا في الفوز بدعم الحزب الديمقراطي. ففي عهد ترامب، شهد الاقتصاد الأمريكي حالة من النمو وسط ارتفاع سوق الأوراق المالية، وانخفاض معدلات البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ عام 1969.

إلا أن التفاوت في الدخل وصل إلى أعلى مستوياته منذ 50 عاما على الأقل في عهد الرئيس الأمريكي، وفقا لبيانات الحكومة الأمريكية.

في الوقت نفسه، ألغى قانون الضرائب الجديد، الذي وضعته إدارة ترامب، ضرائب بلغت 1.5 تريليون دولار، لكنه ساعد المليارديرات على دفع معدل أقل من الطبقة العاملة لأول مرة في التاريخ.

كتاب “انتصار الظلم”: أغنى الأمريكيين يدفعون ضرائب أقل من أفقرهم 

وهو ما كشفه كتاب بعنوان “انتصار الظلم”، والذي يقول إنه في عام 2018، دفعت أغنى 400 أسرة في الولايات المتحدة معدل ضرائب فعلي متوسط ​​قدره 23٪ في حين أن النصف الأفقر من الأسر الأمريكية دفع معدل 24.2٪.

الضرائب على الأغنياء في الولايات المتحدة تتراجع منذ عقود، غفي عام 1960، دفعت أغنى 400 أسرة ما يصل إلى 56٪ من الضرائب، بحلول عام 1980 انخفض المعدل إلى 40٪، لكن التخفيضات الضريبية التي قام بها ترامب ويعتبرها أهم انتصاراته التشريعية، أثبتت أنها نقطة تحول.

ساندرز استغل العوار في سياسة ترامب الاقتصادية، في محاولة لاستمالة المتضررين من هذا التفاوت للتصويت له، معلنا عن خطة لمواجهة “عدم المساواة في الدخل” تدعو إلى زيادات ضريبية حادة على الشركات التي تدفع رواتب للمديرين أكثر بكثير من متوسط ​​رواتب عمالها.

من شأن اقتراح السيناتور عن ولاية فيرمونت أن يرفع الضرائب بمقدار 0.5 نقطة مئوية على الشركات التي تدفع رواتب لكبار المديرين التنفيذيين أكثر من 50 ضعف متوسط ​​رواتب العمال. 

وفي محاولة لتقليص الفجوة في الرواتب بين المديرين والموظفين العاديين، من المقرر أن ترتفع العقوبات الضريبية إلى حد أقصى قدره 5 نقاط مئوية للشركات التي يحصل مسؤولها الأعلى راتبا يصل إلى 500 ضعف متوسط ​​الأجر للعامل في الشركة نفسها.

في الوقت نفسه تبنى ساندرز خطة لفرض “ضريبة الثروات المفرطة” بمعدلات تبدأ من 1% على الثروات التي تبلغ أكثر من 32 مليون دولار، وتصل إلى 8% على الثروات التي تزيد عن 10 مليارات دولار.

الهجرة غير الشرعية

ومن أهم الملفات الحقوقية التي تبرز التناقص بين خطاب ترامب وخطاب منافسه المحتمل بيرني ساندرز هو ملف “المهاجرين”. بنى ترامب حملته الانتخابية عام 2016، على وعود بتقليل أعداد المهاجرين القادمين إلى الولايات المتحدة، وتبنى خطاب معادِ للمهاجرين، وهو ما برز خلال فترته الرئاسية الأولى، حيث عمل على تنفيذ خطته، للفوز بإعادة الانتخاب في الانتخابات المقبلة.

أول ما بدأ به الرئيس الأمريكي في حملته على المهاجرين، كان مشروع  «برنامج العمل المؤجل من أجل حماية الأطفال “داكا”» الذي يوفر الحماية للمهاجرين غير الشرعيين الذين دخلوا الولايات المتحدة وهم أطفال، حيث شرع في إعادة النظر في المشروع  الذي كان يعيش بموجبه 800 ألف مهاجر غير شرعي في الولايات المتحدة.

ساندرز: سجن المهاجرين غير الشرعيين لم يحل المشكلة

الاقتصاد الأمريكي كان أداة أخرى في يد ترامب لوقف الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، حيث هدد بفرض رسوما جمركية على المنتجات المكسيكة حال فشلت الأخيرة في منع المهاجرين القادمين من دول أمريكا الوسطى من عبور الحدود الأمريكية بشكل غير شرعي، بالإضافة لإجبار عشرات الآلاف من طالبي اللجوء على الانتظار في المكسيك أثناء النظر في طلباتهم.

كل هذا لم يكن كافيا لإرضاء رغبة ترامب في وقف الهجرة غير الشرعية على الحدود الجنوبية، حيث عمل على بناء جدار حدودي  على الحدود مع المكسيك، وهو أحد أهم تعهدات حملته الانتخابية.

تكلفة الجدار الحدودي، الذي إذا استكملته إدارة ترامب فسيتم غلق 75% من الحدود الأمريكية المكسيكية، وصلت إلى 11 مليار دولار ليصبح أغلى جدار في العالم.

على النقيض من ذلك، يتبنى ساندرز، رؤية متفتحة حول الهجرة والمهاجرين، حيث كشف عن رؤيته لإصلاح نظام الهجرة في البلاد، وصفتها حملتها الانتخابية بأنها “أكثر مقترحات الهجرة تقدمًا في تاريخ الرئاسة”، والتي تتعهد بتوفير الحماية للعديد من المهاجرين غير الشرعيين.

في اقتراحه، يعد ساندرز بـ “تفكيك” وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية، ليكون أول مرشح ديمقراطي محتمل يدعو إلى حل الوكالة، بعد أن عززت إدارة ترامب إجراءات فرض القانون على الحدود.

وفي الوقت نفسه أكد ساندرز في مقترحه على إلغاء تجريم المعابر بشكل غير شرعي، قائلا إنه “تم تبرير السياسات العقابية كرادع للهجرة، لكن بالإضافة إلى كونها خاطئة أخلاقيا، لا يوجد دليل على أن هذه السياسات قد خدمت هذا الغرض”.

سيسعى المرشح المحتمل إلى إعادة الحياة إلى برنامجين من عهد أوباما، وهما «العمل المؤجل من أجل حماية الأطفال “داكا”»، و«العمل المؤجل للآباء الأمريكيين والمقيمين الدائمين الشرعيين»، اللذين يهدفان إلى السماح لـ85% من المهاجرين غير الشرعيين الذين عاشوا في الولايات المتحدة لمدة خمس سنوات على الأقل البقاء دون تهديد بالترحيل.