في مشهد يبدو غريبًا للبعض، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي، يده في يد رئيس الوزراء الإثيوبي، وارتسمت علي وجههما ابتسامة دبلوماسية، كإشارة للتقارب السياسي بين البلدين، الذي يفصلهما آلاف الأميال جغرافيًا، ولكن تجمعهما مصالح سياسية، جعلت أحفاد أبرهة يضعون أيديهم في يد أولاد صهيون.

sss

لتتحول أديس أبابا إلي باب خلفي لإسرائيل، للتسلل إلي دول القرن الإفريقي وحوض النيل، وهي منطقة ذات أهمية دولية استيراتيجية، لتحكمها في حركة التجارة العالمية، في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومنابع نهر النيل، وتمثل أهمية خاصة لمصر.

وجدت إسرائيل ضالتها في أديس أبابا، للتسلل إلي دول منابع النيل، مستغلة الضعف الاقتصادي والسياسي لدولة الأحباش، لتستغل ذلك في ربط دول شرق أفريقيا بمصالح مشتركة، من خلال تعاون زراعي وصحي وسياسي وعسكري.

ووصلت هذه العلاقات قمتها في عهد “أبي أحمد” رئيس الوزراء الأثيوبي، وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، في وقت كانت العلاقات الأثيوبية المصرية، تمر بأسوأ أوقاتها بسبب أزمة سد النهضة، وبدا هذا ظاهرًا من خلال الزيارات المتبادلة بين الطرفين، وتوقيع اتفاقيات تعاون وتبادل تجاري إضافية.

أقرأ أيضًا: رمال مسكونة بالموت .. حقول اللغم تحصد أرواح المصريين

تسلل إسرائيل لإفريقيا  

بعيدًا عن أزمة سد النهضة، وتدفق مياه النيل وما يمثله للمصريين، تبقى العلاقة بين تل أبيب وأديس أبابا، علاقة يشوبها الريبة والشك، لاسيما أن إسرائيل تلعب في سياساتها الخارجية على المتناقضات،  لتحقيق مكاسب استيراتيجية للضغط على الدول المعادية.

ومدت أديس أبابا يدها لإسرائيل، لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية وعسكرية، لتتحول بفضل تحالفها مع بني صهيون، لقوة صاعدة في القرن الإفريقي.

عُرفت سياسة إسرائيل خلال هذه الفترة ب”طرق الأبواب الخلفية” وتقديم المساعدات الاقتصادية للدولة الأفريقية

بدأت العلاقات بين الدولتين منذ خمسينات القرن الماضي، مع بداية قيام دولة إسرائيل، بعد أن تمكنت العصابات الصهيونية من احتلال فلسطين، بالتزامن مع بداية حركة التحرر الأفريقي، التي ساندتها مصر في فترة الستينات.

وتمكنت السياسة المصرية خلال هذه الفترة، من فرض العزلة على الدولة الصهيونية عربيًا وإفريقيًا، ولكسر هذه العزلة لعبة إسرائيل علي المتناقضات، واستغلال حاجة وفقر الدولة الأفريقية، والصراعات العرقية والإقليمية.

عرفت سياسية إسرائيل خلال هذه الفترة، بسياسة “طرق الأبواب”، وتقديم المساعدات الاقتصادية للدولة الأفريقية، فكانت أثيوبيا على رأس الدول التي حصلت علي مساعدات من تل أبيب دون قيد أو شرط.

أقرأ أيضًا: أطلقوا سراحهم قبل أن يحول كورونا سجونهم إلي مقبرة

المساعدات العسكرية

لم تتوقف المساعدات العسكرية الإسرائيلية لأبناء الحبشة، منذ أن نشأت دولة بني صهيون، وكان الهدف الأساسي من ذلك، وضع موطئ قدم بمنطقة القرن الإفريقي وباب المندب، مفتاح البحر الأحمر جنوبًا، والمؤدي لقناة السويس.

ويتضح ذلك بالأرقام والبيانات، ففي فترة الستينات، وتحديدًا في عام 1966، أرسلت تل أبيب وفدًا عسكريًا، يتكون من 100 قائد عسكري إسرائيلي، لتدريب عددًا من المظليين الإثيوبيين، ووحدات لمكافحة التمرد، التابعة للفرقة الخامسة وتسمى “لهب”، لمساعدة الأحباش في مواجهة جبهة التحرير الإريترية، كما حصلت أديس أبابا على أسلحة وذخيرة من إسرائيل.

واستمرت هذه المساعدات سرًا طول فترة الستينات والسبعينات، رغم إعلان إثيوبيا قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، تضامنًا مع الموقف الإفريقي المتعاطف مع مصر، أبان فترة احتلال الكيان الصهوني لسيناء بعد حرب 1967.

وعندما اشتعلت الثورة الإثيوبية، وما تبعها من حرب أهلية طاحنة، انتشر الخبراء الإسرائيلون في أجهزة أديس أبابا، لمساعدة الحكومة المركزية، لعبور هذه المرحلة الصعبة، باللعب على المتناقضات وتقديم المساعدات لعودة الحياة لطبيعتها في بلاد الحبشة.

وكشفت النشرة العسكرية البريطانية، الصادرة في عام 1998، المدى الذي وصلت إليها هذه العلاقات فجاء فيها معلومات، تؤكد وجود تعاون استخباراتي وثيق الصلة في كل المجالات، يربط إسرائيل وأثيوبيا.

 ولفتت النشرة إلى أن جهاز الموساد الإسرائيلي، يعمل بشكل مكثف في أديس أبابا، ويدير عمليات استخباراتية، عن طريق عملاء، متخذ من جزيرة “دهلك” الإريترية مركزًا للإدارة والمراقبة، لحركة المرور في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

امتد هذا التعاون لمجال التدريب العسكري والسياسي، فقامت إسرائيل بتدريب إثيوبيين في مجالات الاتصالات عام 1983 وتدريب الحرس الرئاسي، وموظفين المعلومات والتقنيات في جهاز الشرطة الإثيوبية وتدريب 38 طيارًا إثيوبيًا في إسرائيل عام 1987

وتمكن الموساد من جمع معلومات سرية وشديدة الأهمية، عن الدول العربية اليمن والسعودية والسودان، ومعلومات حساسة عن حجم الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.

 وامتد هذا التعاون لمجال التدريب العسكري والسياسي، فقامت إسرائيل بتدريب إثيوبيين في مجالات الاتصالات عام 1983، وتدريب الحرس الرئاسي، وموظفين المعلومات والتقنيات في جهاز الشرطة الإثيوبية، وتدريب 38 طيارًا إثيوبيًا في إسرائيل عام 1987.

لم يتوقف التعاون العسكري عند حد التدريب، أو تقدم المساعدات التقنية والتعاون الاستخباراتي، ويتضح ذلك من حجم الأسلحة التي حصلت عليها إثيوبيا من إسرائيل.

ففي عام 1983 قدمت إسرائيل معدات عسكرية لإثيوبيا بقيمة 20 مليون دولار، وهي أسلحة استولت عليها إسرائيل من المقاومة الفلسطينة. 

وفي عام 1985 منحت إسرائيل أديس أبابا، ذخائر سوفيتية الصنع وقطع غيار، تم الاستيلاء عليها من الفلسطينيين في لبنان، بقيمة 25 مليون دولار، وفي عام 1987 تلقت الحكومة الإثيوبية مساعدات عسكرية من إسرائيل بقيمة 83 مليون دولار.

وفي عام 1989 عقدت تل أبيب اتفاقا سريًا جديدًا مع أديس أبابا، قدمت إسرائيل بموجبه مزيدًا من المساعدات العسكرية، وفي عام 1990 منحت تل أبيب مجموعة جديدة من المساعدات العسكرية إلى أديس أبابا بنحو 150 ألف بندقية وقنبلة عنقودية، وفي عام 2003 قدمت إسرائيل معدات عسكرية لإثيوبيا، بلغت 25 مليون دولار.

 كما قامت تل أبيب بتحديث برامج مقاتلات “ميج – 21″ السوفيتية، التي يستخدمها سلاح الجو الإثيوبي، بالإضافة لتحديث أسطول الجو الإثيوبي، بطائرات طراز ” F-5 “.

أقرأ أيضًا: بين اليأس والأمل ..آلام العمالة المؤقتة في زمن الأوبئة

قوة الجيش الإثيوبي

حولت المساعدات العسكرية الإسرائيلية، إثيوبيا لقوة إفريقية عسكرية، فبحسب موقع “جلوبال باور فاير” المتخصص في الشئون العسكرية، يحتل الجيش الإثيوبي المرتبة الثالثة إفريقيًا بعد مصر والجزائر.

ويحتل الجيش الإثيوبي المركز 42 على مستوى العالم، بقوة 2300 دبابة، و800 مركبة، و183 صاروخًا متعدد الإطلاق، و80 طائرة، و33 طائرة هليكوبتر، ويضم حوالي 185 ألف شخص.  

وقد تنوعت مصادر تسليح الجيش الإثيوبي، بين عددًا من دول العالم، وجاء على رأس هذه الدول إسرائيل.

يحتل الجيش الإثيوبي المرتبة الثالثة إفريقيًا بعد مصر والجزائر المركز 42 على مستوى العالم

فيما رصد معهد “ستوكهولم” الدولي لأبحاث السلام، انخفاض ميزانية الدفاع لأديس أبابا خلال العقد الأخير، بالمقارنة بالدول الأفريقية، وذلك بسبب تكيثف إثيوبيا استثماراتها، في مجال التدريب وإنتاج أسلحتها الخاصة، مثل بندقية (AK-47)، والمدفع الإثيوبي الرشاش (PKM) الذي يجمع بين مميزات قاذفات القنابل والذخائر.

التطور الذي وصل إليه الجيش الإثيوبي، يكشف مدى حرص تل أبيب، على صناعة حليف قوى بمنطقة القرن الإفريقي، للسيطرة علي مجريات الأمور بشكل غير مباشر، واللعب من خلف الستار.

أقرأ أيضًا: روايات الأوبئة .. حب معرفة المستقبل ومحاولة الهروب من الموت

يهود “الفلاشا”

لم تحصل إسرائيل على مصالح استيراتيجية وسياسية فقط، في مقابل تقديم المساعدات والمال لأديس أبابا، بل حصلت علي غنيمة كبرى، وهي سماح حكومة إثيوبيا خلال فترة السبعينات، علي تهجير يهود “الفلاشا”.

بعد اتفاقية سرية عقدها موشى ديان، وزير الخارجية الإسرائيل في عام 1977، لتوطين يهود الفلاشا داخل الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، وبدأ تنفيذ هذه الاتفاقية بعد 7 سنوات من توقيعها.

وبحسب مركز التعداد والإحصاء الإسرائيلي، يشكل اليهود من أصل إثيوبي حولي 1.7% من المجتمع الإسرائيلي، ويصل عددهم 140 ألف نسمة، ويلعبون دورًا هامًا في استمرار وتعميق العلاقات، بين تل أبيب وأديس أبابا.

أقرأ أيضًا:”النفايات السامة” تجارة إفريقيا الرائجة على حساب الإنسانية

إسرائيل والتعليم في إثيوبيا

يشير مراقبون متخصصون في الشأن الإفريقي، إلى أن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى إثيوبيا في مختلف المجالات تضاعف بقرابة 30 مرة، خلال السنوات القليلة الماضية.

وكان أخر أوجه التعاون بين البلدين، توقيع اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم، في عدة مجالات عام 2016، في عهد رئيس الوزراء السابق “هيلي ماريام ديسالين”، واستمر هذا التعاون في عهد رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي “أبي أحمد”.

وكان التعليم والجانب الإنساني والثقافي، واحد من أهم الملفات التي تعاونت فيه تل أبيب مع أديس أبابا، من خلال الدعم وتطوير المناهج والتدريب، بالإضافة لإنشاء إسرائيل جامعة “هيلاسيلاسي” في إثيوبيا، وتسعي إسرائيل من خلال ذلك، بالتلاعب بعقول أبناء الحبشة.

التعاون التجاري والزراعي

وعلى مستوى التعاون التجاري والصناعي والزراعي، فقد حرص جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، على ربط أديس أبابا بمصالح استيراتيجية، تضمن له اللعب بحرية في أراضي الحبشة.

وتشير تقارير دولية، إلي أن إسرائيل تصدر لإثيوبيا المواد الكيماوية، والآلات الصناعية والبرمجيات، فيما تستورد إسرائيل المنتجات الزراعية والتبغ.

وكشفت التقارير أن هناك 121 شركة إسرائيلية تعمل داخل إثيوبيا، وهو ما أدى لتضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين، أكثر من فترة التسعينات، لتصل إلي أكثر من 85 مليون دولار في الوقت الحالي.

وتسعي الدولتين لتعزيز هذا  التعاون، وهو ما يتضح من خلال تصريحات رئيس الوزراء الأثيوبي، خلال لقائه الأخير مع بنيامين نتنياهو، قائلًا:” أريد بث الروح فى علاقتنا الثنائية وفق المصالح المشتركة وتوجيهها نحو الشراكة الاستراتيجية”.

وعلى مستوى التعاون الزراعي، تقوم الوكالة اليهودية للتنمية الزراعية “ماشاف” بتقديم برامج لتنمية وتطوير الريف والقطاع الزراعي في إثيوبيا.

وأنشأت إسرائيل مركز “بوتا جيرا” بالتعاون مع الحكومة الإثيوبية، لتطوير الشتلات الزراعية، وتمتلك شركات استثمار زراعي إسرائيلية، ما يزيد عن 400 ألف فدان في أثيوبيا، تستغل في إنتاج الطاقة المحروقة.

تقدم شركات استثمارات إسرائيلية يمتلكها جنرالات متقاعدون في الموساد عروضًا ومشورات للمساهمة في بناء السدود علي منابع النيل وهو ما يكشف عن دور خفي لتل أبيب في بناء سد النهضة 

وفيما يخص التعاون المائي، بحسب تقارير دولية في هذا الشأن، تقدم شركات استثمارات إسرائيلية، يمتلكها جنرالات متقاعدون في الموساد، عروضًا ومشورات للمساهمة في بناء السدود علي منابع النيل، وهو ما يكشف عن دور خفي لتل أبيب، في بناء سد النهضة. 

مرت العلاقات بين تل أبيب وأديس أبابا بمراحل متعددة، حرصت خلالها إسرائيل على تحويل بلاد الحبشة لنقطة ارتكاز، للانطلاق نحو القرن الإفريقي، لمراقبة حركة التجار العالمية، والتجسس علي الدول العربية، بالتوازي مع مد جسور للتعاون مع دول منابع نهر النيل، وربطها بمصالح مشتركة مع الكيان الصهيوني ولاسيما إثيوبيا، التي ينبع من أراضيها النيل الأزرق، أكبر روافد مياه نهر النيل.

في المقابل حصلت أثيوبيا علي مدار عقود طويلة منذ الستينات، على مساعدات عسكرية واقتصادية، مكنتها السيطرة علي مجريات الأمور في محيطها، لتتحول الدولة الحبيسة الفقيرة، التي مزقتها الصراعات والحروب الأهلية، لقوة صاعدة في شرق إفريقيا، بفضل التعاون مع إسرائيل، التي متدت نفوذها على الساحة الإثيوبية، فيما تقلص الدور المصري، وتوترت العلاقات بين البلدين، ببناء سد النهضة، الذي تحول لكابوس يهدد المصريين. 

أقرأ أيضًا: “طفرة في العنف المنزلي “..كورونا أفقد سيدات الشعور بالأمان