حالة من الجدل أثيرت عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتعليق مساهمة بلاده المالية في ميزانية منظمة الصحة العالمية، بعد أيام من كيل الاتهامات الموجهة إلى المنطمة.
واعتبرت إدارة ترامب، أن المنظمة اعتمدت بشكل كبير على التصريحات الرسمية الصينية بعد ظهور «كورونا» أواخر العام الماضي في مدينة ووهان الصينية.

sss

وقد انعكس ذلك في تصريحات ترامب بالأمس، إذ قال إن المنظمة «ارتكبت أخطاء» خلال أزمة كورونا تسبّبت في وفاة الآلاف، بتقديمها معلومات خاطئة عن تفشّى الفيروس، فضلًأ عن تأخّرها في التحذير من خطر كورونا، ونشر المعلومات الكافية عنه، مما أدى إلى تفشي الوباء على نطاق أوسع.

ولقي قرار ترامب تنديداً سواء في الداخل الأمريكي أو العالم، حيث انتقد “إليوت إنغل”رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، القرار، مشدداً على ضرورة إجراء تحقيق بشأن إدارة المنظمة لمكافحة الوباء، واتهم إنغل إدارة البيت الأبيض بالسعي لإلقاء اللوم على منظمة الصحة العالمية والصين والخصوم السياسيين.

 فيما وصف “باتريك ليهي” السيناتور الديمقراطي، القرار بـ«غير المنطقي»، ولا سيما أن العالم يواجه أسوأ وباء منذ قرن من الزمان، كما انتقده بيل غيتس أحد مؤسسي شركة «مايكروسوفت» التي تعد أول مساهم خاص في موازنة منظمة الصحة.

وعلى الصعيد العالمي، انتقد “أنطونيو غوتيريش” الأمين العام للأمم المتّحدة، بشدّة قرار الرئيس الأمريكي قائلاً:«هذا ليس وقت خفض موارد الحرب ضدّ كوفيد 19».

أقرأ أيضا: “الحزن عن بعد “.. كورونا يجبر ديانات العالم على تغيير شعائر الدفن والجنائز

و علق “تيدروس أدهانوم غيبريسوس” مدير المنظمة الدولية ، على قرار ترامب بقوله على حسابه على «تويتر»: «لا وقت نضيعه، الشاغل الوحيد لمنظمة الصحة العالمية مساعدة كل الشعوب لإنقاذ الأرواح ووضع حد لتفشّي فيروس كورونا» بدون الإشارة إلى قرارا ترامب.

من جهتها، أعلنت “ماريا زخاروفا”المتحدثة باسم الخارجية الروسية، أن قرار الرئيس الأميركي «يثبت أن الولايات المتحدة تحتاج دائماً إلى كبش محرقة».

وأشارت صحيفة الجارديان إلى أن ترامب اتخذ من منظمة الصحة العالمية كبش فداء للتغطية على إدارته السيئة للوباء وعدم تأثيرها خلال الانتخابات الأمريكية، وعلى الصعيد العالمي سينظر إليها على أنها خطوة أخرى تشير إلى تنازل الولايات المتحدة السريع عن القيادة العالمية.

كما أبدى الديمقراطيون في الكونجرس الأمريكي اعتراضهم على قرار ترامب؛ إذ قالوا إنه لا يمكنه قطع تمويل المنظمة العالمية بمفرده، لكن مسؤولين في مكتب الميزانية بالبيت الأبيض قالوا إن لدى ترامب خيارات أخرى؛ مثل مطالبة الوكالة الأمريكية المعنية بإعادة توجيه الأموال إلى أغراض صحية بعينها.

ويعني وقف المساهمة المالية الأمريكية فقد 20% من إجمالي ميزانية الصحة العالمية بحسب البيانات الأخيرة؛ مما يعني أنها المانح الأكبر لها، وغيابها يعني أن المنظمة ستواجه نقصًا كبيرًا في التمويل، وكانت الولايات المتحدة قدّمت مبلغ 453 مليون دولار للمنظمة خلال السنة المالية 2019، وهو 10 أضعاف ما قدمته الصين.

وتعتمد منظمة الصحة العالمية على مساهمة طوعية تتقدم بها الدول، فوق المساهمات المقدرة؛ فقد قدمت واشنطن في 2017 مساهمة طوعية قدرها 400 مليون دولار، بحسب تحليل مؤسسة “كايزر فاميلي”، وفي ظل قرار ترامب الحالي، يتوقع تعطيل بعض البرامج في ظل أزمة وباء كورونا.

وتتلقى المنظمة الدولية أموالًا من وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الصحة ووكالات أخرى، مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو إس إيد)، واستخدمت هذه الأموال الأمريكية للمساعدة في مكافحة شلل الأطفال في إفريقيا، ودعم خدمات صحية وغذائية أخرى.

وفي عام 2020، ستكون الحصة الأمريكية أقل بقليل من 116 مليون دولار، بحسب «وول ستريت جورنال»، وذلك بعد أن اقترحت إدارة ترامب في فبراير الماضي خفضاً للمساهمة الأمريكية في تمويل المنظمة الدولية.

وبحسب الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية، فإن الميزانية المتوقعة للعام المالي 2020 ـ 2021 هو 4.8 مليار دولار، وفي ظل قرار ترامب الحالي، فلا يتوقع أن تكون هناك ميزانية أمريكية، ما قد يعطل بعض البرامج في ظل أزمة وباء كورونا.

ويرى رئيس منظمة الصحة العالمية أن التضامن الدولي هو العامل الحاسم في القضاء على فيروس كورونا، مؤكدا أن الفيروس قد يستغل الانقسام الدولي ويصبح الوضع أكثر خطورة، وواصل قائلا: “حان الوقت لتوحيد الجهود من أجل نضال جماعي لمواجهة تهديد مشترك هو فيروس كورونا”.

أقرأ أيضا: بين الإهمال والتراخي.. استغاثة تمريض المنوفية بعد إصابة 6 طلاب من الامتياز

وعن تطورات المنظمة بشأن إنتاج لقاح لفيروس كورونا، فإن هناك 3 لقاحات لكورونا دخلت مرحلة التجارب السريرية و70 أخرى قيد التطوير، وتدرس المنظمة تداعيات القرار الأمريكي والعمل على نقص التمويل للمنظمة وخصوصا مع بداية التجارب السريرية لإنتاج لقاح مضاد للفيروس.

وصف أحد أطباء الأمراض المعدية وأستاذ في كلية الطب بجامعة بوسطن قرار ترامب بأنه “كارثة مطلقة”، مشيرًا إلي أن منظمة الصحة العالمية هي شريك عالمي وهي المنصة التي تتبادل من خلالها الدول ذات السيادة التكنولوجيا والمعلومات في الحرب ضد الوباء.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن ريتشارد هورتون، رئيس تحرير مجلة لانسيت الطبية ، قوله إن قرار ترامب يمثل “جريمة ضد الإنسانية.. كل عالم وكل عامل صحي وكل مواطن يجب أن يقاوم ويتمرد ضد هذه الخيانة للتضامن العالمي”.

فيما قالت” لوري جاريت”، وهي صحفية سابقة كبيرة في مجال الصحة العالمية، إن قرار ترامب بمثابة عمل “ملعون” من قبل الرئيس الأمريكي، وسيكلف الكثير من الأرواح، مضيفة أن “منظمة الصحة العالمية هي شريان الحياة الوحيد لدى معظم دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا والمحيط الهادئ”.

تخطّى عدد الإصابات بفيروس «كورونا» في الولايات المتحدة حاجز الـ600 ألف، فيما سُجّل اليوم 2410 وفيات، ما رفع الحصيلة إلى أكثر من 26 ألف ضحية، ووصل عدد حالات الشفاء إلى أكثر من 38 ألف حالة، وذلك وفق موقع «Worldometer». 

أما عن الحصيلة الكلية، فقد أصاب الفيروس ما يزيد على مليون و900 ألف شخص حول العالم، وتسبب في وفاة أكثر من 126 ألفاً، وتصدرت الولايات المتحدة، وإيطاليا، وإسبانيا وفرنسا قائمة الوفيات بالفيروس القاتل حول العالم.