تستمر الأزمة الإنسانية في شمال غرب سوريا في الاتجاه نحو الأسوأ، فمنذ الأول من ديسمبر الماضي، نزح أكثر من 900 ألف شخص، 80% منهم من النساء والأطفال، حيث أجبرت حملة قصف مكثفة وهجوم بري متقدم من القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، الآلاف على الفرار في فترة قصيرة أكثر من أي وقت آخر منذ اندلاع الصراع في عام 2011.
sss
ويعاني العديد من النازحين السوريين من الصدمات بسبب هول ما رأوه، حيث اضطر العديد منهم على النوم في العراء في درجات حرارة تصل إلى التجمد بعد أن امتلأت المخيمات، بحسب الأمم المتحدة.
جمانة قدور: مصير إدلب مهم للغاية لجميع السوريين
ولم تسلم المدارس والمساجد والأسواق والمنشآت الصحية والمناطق السكنية من القصف العشوائي على إدلب، حيث يعيش نحو ثلاثة ملايين مدني سوري محاصرين هناك.
سلام لم يدم
المدينة السورية عاشت في فترة سلام قصيرة، بعد اتفاق في سبتمبر 2018 بين روسيا وإيران وتركيا، اللاعبون الرئييسون الدوليون في الحرب السورية، الذي بموجبه وعدت أنقرة التي تدعم العديد من الجماعات المسلحة المتبقية التي تعارض الأسد، بفصل مقاتلي المعارضة عن الجهاديين المرتبطين بالقاعدة، في المقابل، تعهدت موسكو بكبح جماح حليفتها دمشق.
صمد الاتفاق حتى منتصف العام الماضي، ونجح في منع قوات النظام السوري من التقدم تجاه إدلب، لكن بحلول أبريل 2019، استؤنف الهجوم، ومنذ ذلك الحين فشلت محاولات وقف إطلاق النار المتعددة.
إدلب التي تعد موطنا لمئات الآلاف من السوريين الذين نجوا من المعارك الأخرى، هي الجيب الأخير الذي تسيطر عليه المعارضة، تشهد الآن كارثة إنسانية في آخر أيام الثورة السورية التي خلفت ما لا يقل عن نصف مليون قتيل، وأجبرت نصف السكان على ترك منازلهم، ودفعت الملايين إلى البحث عن ملجأ في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.
تقول الشريك المؤسس لمنظمة الإغاثة والتنمية السورية، جمانة قدور إن إدلب “آخر منطقة يمكن أن يكون فيها هؤلاء الأشخاص أحرارا، لهذا السبب، فإن مصير إدلب مهم للغاية، ليس فقط للأشخاص الذين يعيشون هناك بل لجميع السوريين الذين خرجوا مطالبين بحريتهم وكرامتهم”.
ومع تقدم النظام السوري باتجاه الغرب، وتطهير طائراته الحربية بلدة تلو الأخرى قبل أن تدخلها دباباته، لم يعد هناك مكان يفر إليه المحاصرون في إدلب مع إغلاق الحدود التركية، واكتظاظ البلدات الواقعة على طول الحدود بالنازحين.
تصاعدت حدة المأساة مع دخول فصل الشتاء، حيث لا يجد النازحون أماكن لنصب الخيام بسبب التضاريس الصخرية للمنطقة، وتعرضت المستشفيات والمدارس والمستودعات المليئة بالمساعدات لقصف قوات الأسد.
سونر كاجابتاي: إدلب أصبحت نسخة سورية من قطاع غزة
نائب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأمم المتحدة في سوريا مارك كوتس، يقول إن وكالات الإغاثة أرسلت 1200 شاحنة من إمدادات الطوارئ عبر الحدود إلى إدلب في يناير، إلا أنه أكد أن حجم المساعدات لا يتناسب مع الأزمة.
أزمة سكانية
بعد أن أصبح على مشارف الهزيمة، استطاع الأسد استعادة السيطرة على معظم سوريا وتطهير المدن والأراضي التي يسيطر عليها المتمردون في جنوب ووسط البلاد، بمساعدة من روسيا، التي بدأت في التدخل لدعمه في 2015.
إلا أن محافظة إدلب والأجزاء الغربية من حلب المجاورة استعصت على الأسد، وأصبحت موطن لمئات الآلاف من أولئك الذين رفضوا التصالح مع النظام السوري، ليتضاعف عدد سكان إدلب منذ عام 2011.
حيث كشفت دراسة أجرتها لجنة الإنقاذ الدولية في إدلب العام الماضي أن العائلات التي تعيش هناك انتقلت في المتوسط خمس مرات منذ بداية الحرب الأهلية، حيث أفاد 16% منهم أنهم نزحوا أكثر من 10 مرات.
ومع غلق الحدود التركية، أصبح الوضع في شمال غرب سوريا أكثر سوءا، وسط مخاوف من تحويل المنطقة إلى قطاع غزة جديد، حيث يقول المحلل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى سونر كاجابتاي، “لدينا الآن نسخة سورية من قطاع غزة”.
أوضاع متدهورة
من بين هؤلاء الذين فروا إلى إدلب متمردون مدعومون من تركيا المجاورة، التي تقوم بتنظيم وتسليح وتدريب القوات المناهضة للأسد منذ عام 2012، إلا أن العام الماضي، شهد سيطرة هيئة تحرير الشام، التي كانت فرعا لتنظيم القاعدة، على المدينة بعد أن أطاح بالمتمردين المدعومين من تركيا.
وتعتمد هيئة تحرير الشام، التي يصل عدد أفرادها إلى أكثر من 10 آلاف مقاتل، في تمويلها على فرض الضرائب والرسوم الجمركية على المعابر الحدودية وبيع الأراضي.
ورغم اعتياد السوريون في السنوات الأخيرة على التعامل مع الجماعات المسلحة التي حاولت فرض ضرائب عليهم، لم يجد النازحون في إدلب أي خدمة مقابل هذه الضرائب.
حيث أوقفت أكثر من 70 منشأة طبية في إدلب وما حولها عملها وسط أعمال العنف، كما أن هناك نقص في أماكن الإيواء، حيث تُستخدم الخيام لاستيعاب ما يصل إلى ثلاث عائلات في وقت واحد.