تصاعدت مخاوف إدارة ترامب ووزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، من تزايد نفوذ الصين وروسيا عبر إفريقيا، بعد أن أصبحا يشكلان تهديدا كبيرا لمصالح الأمن القومي الأمريكي.حيث عززت بكين وموسكو علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية بشكل مطرد في جميع أنحاء إفريقيا، بالإضافة إلى التأثير الدبلوماسي، وتوسيع نفوذهما الثقافي.
sss
هذه الجهود كانت تواجه بالنفوذ الأمريكي في القارة السمراء، حتى جاء قرار ترامب الأخير بإضافة كل من نيجيريا وإريتريا وميانمار وقيرغيزستان والسودان وتنزانيا إلى قائمة حظر السفر ومنعهم مواطنيها من دخول الولايات المتحدة.حيث يقول الصحفي الإنجليزي تشارلز دونست في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إنه من المحتمل أن يؤدي هذا الحظر الجديد إلى توتر العلاقات مع هذه الدول، ويدفعها أكثر إلى التقرب من بكين، وذلك بعد أن عمقت جميع الدول المشمولة بالقرار، العلاقات الاقتصادية والتعاون مع الصين في السنوات الأخيرة.
ويشير دونست إلى أن الاهتمام الصيني بالبلدان المستهدفة كان واضحا منذ سنوات، حيث تعد خمسة من البلدان المشمولة بالحظر الأخير جزء من مبادرة الصين الطموحة “الحزام والطريق” التي تبلغ قيمة استثماراتها تريليون دولار.
إريتريا، التي أحجمت في البداية عن المشاركة في المبادرة الصينية، أعربت العام الماضي عن دعمها للمشروع، وهو موقف غير مفاجئ نظرا لأن الصين هي “أكبر مستثمر ودائن وشريك تجاري لإريتريا”.
الحظر الجديد يؤدي إلى توتر العلاقات مع الدول الإفريقية المشمولة بالقرار ويدفعها إلى مزيد من التقرب إلى بكين
في الجانب الآخر من القارة، جعلت الصين نيجيريا واحدة من أكبر شركائها الاقتصاديين في إفريقيا، حيث استثمرت هناك 5 مليارات دولار في عام 2015 وحده.
كما وصلت الاستثمارات الصينية في تنزانيا إلى ما يتجاوز 7 مليارات دولار، وتخطى الأمر الاستثمارات حيث شطبت الصين 10 مليارات دولار من ديون السودان في عام 2018، وكانت “الحصة الأكبر” من المساعدات الصينية لإفريقيا البالغة 60 مليار دولار من نصيب السودان.
بالنسبة لروسيا، ظلت موسكو هادئة نسبيا على الساحة العالمية في الآونة الأخيرة، خاصة مع تركيزها على القضايا الأقرب إلى أراضيها، ولكن التأثير الروسي في جميع أنحاء العالم، وفي إفريقيا على وجه الخصوص، أصبح واضحا.
وتشير شبكة “سي إن بي سي” الأمريكية، إلى أن استثمارات أوروبا والولايات المتحدة والصين في إفريقيا ومساعداتها قد تكون قوية للغاية، لكن ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن روسيا كان لها تأثير قوي في القارة خلال الحقبة السوفيتية.
ورغم تضاؤل هذا التأثير بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، أصبحت روسيا حريصة مؤخرا على زيادة علاقاتها التجارية مع إفريقيا والوصول إلى ثروة البلاد المعدنية الهائلة واستغلال الفرص التجارية بها.
ففي أكتوبر 2019 ، استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، القمة والمنتدى الاقتصادي الروسي الأفريقي بمشاركة أكثر من 40 رئيس دولة إفريقي.
قبل القمة، أكد بوتين على احترام روسيا سيادة الحكومات الإفريقية، قائلا: “نرى كيف تلجأ مجموعة من الدول الغربية إلى الضغط والترهيب والابتزاز للحكومات الإفريقية ذات السيادة”، وأضاف أن روسيا مستعدة لتقديم المساعدة دون “شروط سياسية أو شروط أخرى”.
وهو ما يتعارض مع ما كشفت عنه الوثائق المسربة التي نشرتها صحيفة “الجارديان” البريطانية، في يونيو 2019، والتي تقول إن روسيا تسعى إلى تعزيز وجودها والتدخل في ما لا يقل عن 13 دولة في جميع أنحاء إفريقيا.
الوثائق المسربة التي حصل عليها “مركز الملفات”، وهو وحدة تحقيق مستقلة مقرها لندن، تشير إلى أن ذلك سيتم من خلال بناء علاقات مع الحكام الحاليين، وإبرام الصفقات العسكرية، وتهيئة جيل جديد من “القادة” و”العملاء” السريين.
روسيا تحترم سيادة الحكومات الإفريقية بينما تلجأ الدول الغربية إلى ممارسة الضغط والترهيب والابتزاز
حيث تسعى روسيا إلى زيادة حصتها من المكاسب في القارة الإفريقية، وزادت اتفاقياتها العسكرية بنسبة 200%، كما تعد موسكو أحد كبار تجار الأسلحة في القارة، حيث تبيع معدات عسكرية بما يقرب من 9 مليارات دولار للدول الأفريقية.
وبعيدا عن الأسلحة ، يُقال إن موسكو تتطلع في الوقت الراهن إلى اتفاق مع دولة أرض الصومال، لبناء قاعدة في ميناء بربرة، بالقرب من المعسكر الأمريكي في جيبوتي، والذي يبعد بضعة كيلومترات عن القاعدة الصينية.
وتستهدف روسيا أيضا أن يكون لها مركز لوجستي بحري في إريتريا، وهو ما سيؤدي الآن إلى قلب الموقف الجغرافي السياسي للدول الثلاث في القرن الإفريقي.
من جانبه لم يقتنع رئيس قسم أوروبا وآسيا الوسطى في شركة “فيرسيك مابلكروفت” لتقييم المخاطر، داراج ماكدويل، بأن نفوذ روسيا في إفريقيا واسع النطاق، مشيرا إلى أن الشركات الروسية الخاصة حققت نتائج جيدة في القارة، لكنه قال لـ”سي إن بي سي”: “لست متأكدا من أنه بإمكاني وصف ذلك بأنه فوز لروسيا”.
وأضاف أن “استخدام شركات المرتزقة الخاصة التي يمكن إنكار علاقاتها مع موسكو، يعني أن روسيا لا تربح الكثير على أرض الواقع”.
في الوقت نفسه كانت هناك علامات على تزايد المشاعر المعادية للصين حول القارة، حيث قتل عدد من العمال الصينيين في السودان، وتراجعت تنزانيا عن اتفاق مع الصين لبناء ميناء.