أعلنت السلطات التشادية، السبت الماضي، إقليمين قرب بحيرة تشاد “منطقة حرب”، بما يمنح السلطات الأمنية المحلية مزيداً من النفوذ للرد على جماعة “بوكو حرام” الإرهابية التي هاجمت قوات حكومية مؤخراً، ما أدى إلى مقتل قرابة 100 جندي.

sss

عمدت “بوكو حرام” إلى تصعيد هجماتها هذا العام في منطقة بحيرة تشاد،  تلتقي حدود تشاد ونيجيريا والكاميرون والنيجر، مستغلة خبرة عناصرها بطبيعة المنطقة الجغرافية التي تتميز بكثرة جزرها وأهوارها.

وهاجم مسلحون يوم الأثنين الماضي قاعدة عسكرية في جزيرة بوهوما، ما أدى إلى مقتل 98 جندياً في إحدى أسوأ الهجمات على الإطلاق على القوات الحكومية.

وتعهدت تشاد في الأشهر الماضية بإرسال 480 جندياً لمنطقة محاذية لثلاث دول هي: مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لمحاربة الجماعات المتطرفة. وترسل تشاد جنودها خارج الحدود في إطار التعاون الإقليمي ضد الجهاديين مقابل الحصول على تمويل، لكن هذا التعاون يلقى انتقادات في الداخل من مواطنين يبدون قلقهم من ازدياد وتيرة العمليات في منطقة “بحيرة تشاد”.

 

الجماعة الأكثر إثارة للرعب

تأسست “بوكو حرام” كجماعة سلمية في مدينة “ميدوجوري” النيجيرية عام 2002، تحت هذا الاسم الذي يعني بلغة الهوسا المحلية “التعليم الغربي حرام”، باعتباره سبب انتشار الفساد في المجتمع الإسلامي، أي أن الجماعة نشأت لمناهضة انتشار التعليم الغربي الذي “ألحق الضرر” بآلاف المسلمين الذين يعانون البطالة والتهميش، كما يرى أنصار الحركة التي كانت تضم في بدية نشأتها مثقفين وأكاديميين.

ولكن، مع استمرار اعتماد الدولة النيجيرية على المسار الأمني من دون غيره لمواجهة المتطرفين، تصاعدت أعمال العنف، حتى تحولت الجماعة إلى تنظيم إرهابي.

 

ومن أخطر الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل الغربي الأفريقي، حركة “الجهاد والتوحيد” التي ظهرت للوجود إثر انشقاق قادتها على تنظيم “القاعدة”. وأعلنت الحركة في أول بيان لها صدر أكتوبر 2011 “الجهاد” في أكبر قطاع من ساحل غرب أفريقيا، وهي توصف بأنها “الجماعة الإرهابية المسلحة الأكثر إثارة للرعب في شمال مالي”.

اقرأ أيضًا: مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي.. المهمة المستحيلة (1- 2)

من جهته، يشن تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى”، وهي جماعة مسلحة لها روابط وثيقة بالتنظيم الأم “داعش”، هجمات قوية في المناطق الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وفي الأشهر الأربعة الماضية، داهم مسلحون أربعة مواقع عسكرية رئيسية في مالي والنيجر، ما أسفر عن مقتل نحو 300 جندي من قوات البلدين.

توجه جديد نحو إحلال القوة العسكرية المشتركة من جيوش المنطقة مكان القوة الفرنسية والأممية، بعد رفع عددها إلى 20 ألف جندي

وبالتوازي مع العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الفرنسية والأوروبية منذ عام 2014 تحت اسم “عملية برخان”، ثمة توجه جديد نحو إحلال القوة العسكرية المشتركة من جيوش المنطقة مكان القوة الفرنسية والأممية، وذلك بعد رفع عددها من 5 آلاف جندي إلى 20 ألفاً. ومع هذا التوجه، تتجه الأنظار إلى موريتانيا، العضو في تجمع دول الساحل، والتي تشترك في حدود برية طويلة (2200 كيلومتر) مع مالي، إحدى أكثر دول الساحل عرضة للهجمات الإرهابية، ويوجد على هذه الحدود إقليم كيدال الخاضع لسلطة المتمردين والذي نزح منه نحو موريتانيا 53 ألف لاجئ مالي منذ بدء الصراع عام 2012، ولا يزال هؤلاء يعيشون في مخيمات أقامتها مفوضية اللاجئين في شرق موريتانيا.

وتعد موريتانيا، العضو في التجمع، هي البوابة الأفريقية الوحيدة لمنطقة الساحل، إضافة إلى ذلك تعتبر هي الدولة العربية الوحيدة من دول الساحل الأفريقي، وهذا الأمر يجعلها محورًا أساسيًا في عملية التواصل مع الداعمين للمجموعة في محاربة الإرهاب.

واتجهت موريتانيا لمحاربة الإرهاب منذ عام 2011 بمفردها، لأكثر من سبب، فهي لديها جيش قوي من حيث العدد والعتاد، إضافة إلى ذلك سياستها الدفاعية والأمنية التي تتبعها، شهدت تطورًا كبيرًا خلال السنوات العشرة الماضية، ذلك بعكس جيوش المنطقة المجاورة لها التي أنهكت جيوشها في الحرب على الإرهاب خلال الأعوام الماضية.

حرب بلا نهاية

غير أن تنامي التهديد الإرهابي والجريمة المنظّمة والتوسّع السكاني في منطقة الساحل، والذي يشكّل في الكثير من المناطق حاضنة للجماعات المسلحة، تسبّب في إضعاف المنطقة سياسياً وعسكرياً وإنمائياً، ورفع سقف التحدي لأي خطة إنقاذ أو إصلاح للمنظومة الأمنية والعسكرية.

ويعترف العقيد نيكولاس ميونييه، قائد مجموعة المعارك الصحراوية الفرنسية، بأن نتائج العمليات العسكرية الفرنسية والأوروبية على الأرض “متواضعة”، فعندما أرسلت فرنسا قواتها إلى مالي، المستعمرة الفرنسية السابقة، بعد أن سيطر مسلحون متطرفون على مدن شمال غربي أفريقيا، كان من المفترض أن تستمر مهمتهم لبضعة أسابيع فقط. كان ذلك قبل 7 سنوات، ومنذ ذلك الحين، انتشر التهديد الإرهابي عبر مساحات شاسعة من الأراضي جنوب الصحراء المعروفة باسم الساحل، ومعها انتشرت معارك فرنسا لمكافحة الإرهاب. ونتيجة لذلك، قتل أكثر من 10 آلاف شخص من غرب أفريقيا، وفرّ أكثر من مليون مواطن من منازلهم، وتعرضت القوات العسكرية في غرب أفريقيا وقوات فرنسا لخسائر كثيرة.

اقرأ أيضًا: تكبدت خسائر ضخمة.. فرنسا تبحث خططاً بديلة لحرب الصحراء الكبرى

من جانبه، يقول الخبير العسكري محمد سالم ولد حمدي: “أصبحت هناك رؤية واضحة لفرنسا ودول المنطقة تتلخص في الاعتماد على تنحية الجنود الأجانب والاعتماد على جيوش المنطقة لأسباب متعددة، منها الكلفة الكبيرة للقوات الأجنبية وضغط الرأي العام، سواء في أوروبا الرافض لإقحام جنودها في معارك بعيدة، أو في دول الساحل التي خرجت فيها مسيرات ترفض هذا التدخّل، إضافة إلى استمرار معاناة الجيوش المحلية من الاستهداف على الرغم من مرور 6 سنوات على تدخّل القوات الأجنبية، ما فرض البحث عن خيار جديد هو تجهيز الجيوش المحلية وتحويلها من الدفاع إلى الهجوم”.

خبير عسكري: أصبحت هناك رؤية واضحة لفرنسا ودول المنطقة تتلخص في الاعتماد على تنحية الجنود الأجانب والاعتماد على جيوش المنطقة

مثل هذا الخيار أصبح يفرض نفسه بقوة، خصوصاً بعد فشل فرنسا في إقناع دول أوروبية بالمشاركة بقوة في الحرب على الإرهاب في الساحل، خاصة أن الفارق في الكلفة المالية هو لصالح جيوش المنطقة، فالقوة الأممية التي يبلغ تعدادها في مالي 13 ألف جندي كلفت منذ إنشائها نحو ملياري دولار، بينما القوة الأفريقية تأمل أن يتم تمويلها فقط بـ400 مليون دولار لخمس سنوات، إضافة إلى أن عامل الاستمرارية أيضاً لصالح الجيوش المحلية الباقية على الأرض والتي لا تفكر في حسابات الربح والخسارة، فخيارها الوحيد إما أن تنتصر، أو تسقط ضحية الإرهاب المستفحل.

ووفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، نُشر أمس الأول، الاثنين، فإنه “في الوقت الذي يكثف فيه الفرنسيون والأوروبيون ودول غرب أفريقيا القتال، تفكر إدارة ترامب في سحب القوات الأمريكية، وإغلاق قاعدة جوية جديدة في النيجر بناها الأميركيون بتكلفة 110 ملايين دولار.

وهكذا، ستجد فرنسا نفسها عالقة الآن في منطقة الساحل، مثلما وجدت الولايات المتحدة نفسها متورطة في أفغانستان والعراق؛ حيث قضت القوات الفرنسية سنوات، وأنفقت مليارات على محاربة الجماعات المتطرفة في صحاري وأدغال صعبة وغير مألوفة، وهي حرب لا نهاية لها في الأفق.