فى تطور جديد، وتصعيد خطير يزيد من حالة الارتباك التى تشهدها منظمة الصحة العالمية، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وقف كل علاقات الولايات المتحدة مع المنظمة على الرغم من استمرار جائحة فيروس كورونا.
وقال ترامب، في مؤتمر صحفي عقده مساء الجمعة، إنه قرر “قطع كل العلاقات مع منظمة الصحة العالمية” بسبب رفضها تنفيذ الإصلاحات التي طالب بها سابقا.
وذكر ترامب أنه أمر بتحويل الأموال، التي كان من المخطط تخصيصها لمنظمة الصحة العالمية وتبلغ نحو 450 مليون دولار سنويا، إلى مؤسسات أخرى تعمل على تلبية الاحتياجات الصحية العاجلة في العالم.
تهديدات سابقة
القرار الأخير جاء بعد تهديدات سابقة للرئيس الأمريكي، و التى وجهت إدارته اتهامات كثيرة لمنظمة الصحة العالمية بـ”الفشل” في تزويد الدول بالمعلومات الضرورية حول تفشي فيروس كورونا المستجد والانحياز إلى الصين، داعية إلى محاسبة هذه المؤسسة الدولية.
وكانت آخر التهديدات الأمريكية للمنظمة الدولية في 19 مايو الجاري ، حيث أمهل ترامب منظمة الصحة العالمية مدة 30 يوما لإجراء إصلاحات جوهرية، مهددا بقطع التمويل عنها حال عدم قيامها بذلك، وبتعليق عضوية الولايات المتحدة فيها.
وصعد ترامب من هجومه ووصف منظمة الصحة العالمية بأنها “دمية في يد الصين”، قائلا ” إن الولايات المتحدة ساعدت في تمويل المنظمة الأممية وتستخدمها كأي دولة أخرى، لكنها أعطت البلاد الكثير من النصائح السيئة للغاية، نصائح رهيبة، وكانوا مخطئين والتزموا دائمًا جانب الصين”.
وقال الرئيس الأمريكي: “دفعت الصين 40 مليون دولار العام الماضي للمنظمة، وكنا ندفع 450 مليون دولار سنويًا، على مدى سنوات، لذا كنت أفكر في تخفيض التمويل إلى 40 مليون فقط وسنتخذ القرار النهائي قريبًا”.
ووجه ترامب رسالة لرئيس منظمة الصحة العالمية فند فيها ما اعتبرها أخطاء ارتكبتها المنظمة في إدارة أزمة انتشار فيروس كورونا، معتبرا إن المنظمة تجاهلت التقارير الأولية عن ظهور الفيروس واتهمها بالقرب الشديد والتسامح مع الصين.
إنقاذ الأرواح
في 15 أبريل الماضي، علق مدير منظمة الصحة العالمية، على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعليق التمويل الأمريكى لها، قائلا إن “لا وقت نضيعه” و”الشاغل الوحيد” للمؤسسة هو إنقاذ الأرواح من وباء كورونا.
وكتب تيدروس أدهانوم غيبريسوس على حسابه في موقع “تويتر” ردا على انتقادات واشنطن لسلوك المنظمة الدولية التى تتخذ من جنيف مقراً : “لا وقت نضيعه الشاغل الوحيد لمنظمة الصحة العالمية مساعدة كل الشعوب لإنقاذ الأرواح ووضع حد لتفشى فيروس كورونا المستجد”، دون الإشارة مباشرة لقرار ترمب.
ويستند ترامب فى تصريحاته والمسؤولين الأمريكيين الهجومية على منظمة الصحة العالمية، إلي أن التدابير التي اتخذتها لمواجهة الأزمة ولاسيما الإغلاق التدريجي للحدود، واجهت “مقاومة شديدة” من جانب منظمة الصحة العالمية التي “استمرّت في الإشادة بالمسؤولين الصينيين لاستعدادهم لتقاسم المعلومات”.
هجوم متواصل
هجوم ترامب على المنظمة الأممية متواصل منذ بداية تفشي الجائحة في العالم والولايات المتحدة الأمريكية والتى بلغت ذروة الإصابات بها إلى نحو 100 ألف حالة إصابة.
وتعتبر الولايات المتحدة الدولة الأولى عالميا من حيث عدد ضحايا الفيروس وكذلك من حصيلة الإصابات، التي تجاوزت حتى الآن 1.7 مليون حالة.
وحتى اليوم الخميس بلغ عدد ضحايا كورونا في الولايات المتحدة، حسب معطيات معهد جونز هوبكينز المعني بمتابعة إحصائية الفيروس في البلاد، 100467 شخصا، بينما تشير معطيات موقع “Worldometers” إلى أن حصيلة المتوفين بسبب الفيروس وصلت إلى 102197.
وفي 17 مايو الجاري ،جدد الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، هجومه على منظمة الصحة العالمية، قائلا فى تغريده على حسابه بموقع “تويتر”، إنه يفكر فى استعادة بعض التمويل الذى دفعته الولايات المتحدة للمنظمة.
وأوقف البيت الأبيض، مساهمات الولايات المتحدة للوكالة الدولية فى الشهر الماضى على الرغم من انتقادات القادة العالميين والديمقراطيين فى الكونجرس الذين يعتبرون الخطوة خطيرة.
وقال ترامب إن المدفوعات التى يدرس استردادها يمكن أن تكون 10 % مما دفعته الولايات المتحدة إلى وكالة الصحة الدولية وقال إنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي بعد ولا تزال الأموال مجمدة في الوقت الحالى.
وخفضت الولايات المتحدة تمويلها لمنظمة الصحة العالمية فى أبريل بعد أن قال ترامب إن المنظمة ارتكبت أخطاء “تسببت في الكثير من الوفيات” وسط وباء Covid-19.
من جانبها، طلبت منظمة الصحة العالمية من دول أخرى سد فجوات التمويل التى خلفها تعليق الولايات المتحدة للأموال للمساعدة فى دعم استجابتها للوباء.
بكين ترد بعنف
بكين ردت الصاع صاعين، ولم تكتف الصين بالرد على اتهامات واشنطن بتصريحات دبلوماسية منعا للتصعيد ولكنها ردت بغضب على التصريحات الأمريكية، فقد اتهمت وزارة الخارجية الصينية ترامب بأنه يحاول صرف النظر عن “عدم كفاءة” إدارته في التعامل مع الأزمة.
وحثت الصين من وصفتهم بـ”بعض السياسيين الأمريكيين” على وقف “لعبة اللوم”، وذلك في تعليق للخارجية الصينية، على تهديدات الرئيس الأمريكي واتهاماته لمنظمة الصحة العالمية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان، بعد سؤاله عن رسالة الرئيس الأمريكي ترامب إلى منظمة الصحة العالمية، “الرسالة الأمريكية مليئة بالغموض، وتحاول تضليل الجمهور لتلطيخ الصين وتحويل اللوم بعيدًا عن الاستجابة الضعيفة لانتشار فيروس كورونا”.
وأضاف المتحدث، “لا يزال فيروس كورونا ينتشر في الولايات المتحدة، المهمة الأكثر إلحاحًا هي التضامن والتعاون لإنقاذ الأرواح. نحن نحث بعض السياسيين الأمريكيين على وقف لعبة اللوم وهزيمة الفيروس معا”.
وعلق تشاو كذلك على تمويل بلاده لمنظمة الصحة العالمية، مؤكدًا أن “دفع الاشتراكات المقدرة بالكامل وفي الوقت المحدد هو التزام على كل دولة عضو في منظمة الصحة العالمية، ودعم منظمة الصحة العالمية هو دعم التعددية ودعم التعاون الدولي، من أجل إنقاذ الأرواح، تلتزم الصين بقواعد منظمة الصحة العالمية وتدفع مساهمتها المقدرة بالكامل”.
تأثيرات على الدول النامية
بحسب رؤية مراقبون و خبراء فإن المناوشات الأمريكية الصينية و التى تأتى على لسان المسؤولين فى كل من واشنطن وبكين بشأن دعم المنظمة الأممية، وآخرها قرار واشنطن قطع علاقاتها هو قرار سياسي بامتياز يترجم خطورة ومسار الحرب أو قل المواجهة الشاملة الأمريكية الصينية وتصاعدها بحسب ما يقول السفير محمد مرسى، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق .
ويرى مرسي أنه ورغم رعونة ترامب،إلا أن قراره هذا يأتي منسجما وفي إطار سياسة أمريكية راسخة تتسم بغطرسة وسيطرة القوة والتحيز والكيل بعدة مكاييل، لافتا إلى أنه قد سبق أن انسحبت أمريكا من اليونسكو بسبب انحيازها الأعمى.
وتوقع مرسي أن تتخذ واشنطن مسلكا مشابها بشكل أو بآخر قريبا مع منظمة التجارة العالمية ، خاصة بعد حربها التجارية المكشوفة مع الصين وسياساتها الحمائية التي تضرب عرض الحائط بقواعد وقوانين المنظمة، على الرغم من أن المنظمة وكل المؤسسات المالية والاقتصادية الأخرى ستتعرض قريبا وفي كل الأحوال لتسونامي كورونا .
يحمل السفير السابق بالخارجية منظمة الصحة العالمية المسؤولية قائلا : “أخطأت المنظمة وتخبطت كثيرا خاصة في ظل قيادتها الحالية ، وتحت وطأة قسوة وشدة وباء الكورونا وتداعياته السريعة والمتلاحقة، ووصل الأمر إلي حد اتهامها بالتواطؤ مع الصين وأمور أخري”.
وفقا لما يراه ” مرسي” فإن توقيت الانسحاب الأمريكي سيئ للغاية ، فالمنظمة باعتبارها الواجهة الرسمية العالمية لأي جهد دولي لاحتواء وباء كورونا وللأنشطة والسياسات الصحية العالمية الأخرى قد منيت الآن بضربة قوية ستؤثر دون شك علي أدائها و ونحن في قلب أزمة هذا الوباء اللعين .
ويؤكد أن دول العالم الثالث الفقيرة كالعادة سوف تدفع ثمن هذا الصراع العالمي وإضعاف المنظمة، مشددا على أهمية أن تتراجع الولايات المتحدة عن هذا القرار ، تأسيسا على أهمية دور المنظمة خلال ذروة الأزمة.
توقعات “مرسي” شملت أيضا تغيرات جوهرية بالمنظمة قائلا :”سيعاد فور انتهاء أزمة الوباء هيكلتها وتحديد أدوارها المستقبلية بعد أدائها الضعيف المهتز في مواجهة أول أزمة صحية عالمية في تاريخها”.
ولكن ما علاقة مصر بقرار واشنطن قطع علاقاتها مع الصحة العالمية من عدمه، يقول مرسي تعليقا على ذلك “ربما يرى البعض دعوتي هذه للمتابعة ودراسة آثار هذه التوقعات والتطورات العالمية المستقبلية على مصر وموقفنا منها على أنها نوع من رفاهية التفكيرحيث إن جل اهتمامنا اليوم هو التفكير فقط فيما سنفعل غدا، أما المستقبل حتي القريب منه ، فهو بيد خالقه، ولكني أراها غير ذلك، فملامح المستقبل يحددها تفكير الأمس ويؤكدها قرار اليوم” .
يشدد مرسي على “أننا في مصر ، فلدينا قليل من الوقت لتقييم هذه التطورات العالمية سواء المرتبطة بمنظمة الصحة العالمية أو غيرها من المؤسسات الدولية الإقتصادية والسياسية وغيرها ، والتي ستتغير ملامحها وآليات عملها وأهدافها وأولوياتها بعد انهاء زمن كورونا” .