على سيارة “مرسيدس” بيضاء.. كتب أحد المتظاهرين من أصل افريقي عبارة “التهموا الأثرياء” ليلخص معها شعور الأقليات الأمريكية بالتمييز الاقتصادي قبل التمييز السياسي، ويلخص معه تاريخ طويل من شعور الملونين في أمريكا بأنهم مواطنون درجة ثانية.
كانت السيارة البيضاء الوحيدة الباقية من بين عدة سيارات باهظة الثمن تحمل العلامة الألمانية الفاخرة المتبقية، والتي تم حرقها وتدميرها في معرضها، ضمن موجة موجهه لمحلات بضائع الأثرياء في مدن “مينيابوليس” و”بورتلاند” و”واشنطن”، ومتاجر “جوتشى” و”آبل” التي نهبت بالكامل.
ووفقًا للإحصائيات الرسمية الأمريكية فإن معدل البطالة بين الأمريكيين من أصل إفريقي، يعادل ضعف البيض، وهي نسبة تظل مستمرة على الدوام مهما تغيرت الحكومات، واستمرت أيضاً عندما اعتلى رئاسة أمريكا أول رئيس من أصل إفريقي “باراك أوباما” مما جعل تلك العنصرية أمر معتادًا بالنسبة لواضعي السياسات.
وتصل معدلات البطالة بالنسبة للأمريكيين من أصل إفريقي، إلي 7.4% مقابل 3.8%، وبالنسبة لخريجي الجامعات فإن متوسط معدل البطالة بينهم 4.2% لأصحاب البشرة السمراء، مقابل 2.5% للبيض، بالإضافة إلي مواجهة صعوبات و وقتا أطول في البحث عن وظائف، فضلا عن الأجور الضئيلة، فالعامل ذو البشرة السمراء الذي يعمل بدوام كامل أقل من 40 ألف دولار سنويًا مقابل 52 ألفًا للعامل الأبيض.
وتؤكد تقارير أمريكية أن اثنين من كل 3 أطفال يعيشون تحت خط الفقر، في أمريكا ينتمون لأبناء الأسر السوداء في تجسيد لأهم أقوال “مالكوم أكس”، الزعيم الأمريكي الأسود، الذي قال:”إن الأجانب يعيشون أحسن من أصحاب البشرة السمراء في أمريكا”، في مجتمع متعدد الأجناس والأعراق والألوان والديانات من العنصرية والتفرقة والتمييز والفصل.
وتبدو العنصرية في أجلى سماتها في رفض البيض دخول جامعة هاوراد، التي تأسست قبل 140 عامًا، نظرًا لأن غالبيتها من “الزنوج”، بينما تقبل الجامعات الأخرى الأمريكيين من جميع الاصول بين صفوفها فقط لتعزيز فرص فوز فرقها الرياضية بكرة السلة الأكثر شعبية في الولايات المتحدة، كرة السلة.
وتؤكد تصريحات “كينيث فرايزر” المستشار السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي استقال بسبب دور تلك الإدارة في استمرار العنف والتمييز ضد الأمريكيين من أصل أفريقي، فنسبة مساهمة الزنوج في الإدارة العليا للشركات لا تتجاوز 1% رغم أنهم يمثلون 14% من السكان تقريبًا.
وتقول الدكتورة نورهان موسى، أستاذ القانون الدولي والمستشار السابق للنقابة الأمريكية للمحامين والقضاة، إن الواقع على الأرض في أمريكا يختلف عن الصورة التي تقدمها لنفسها كأكثر الدول استخداما لورقة حقوق الإنسان في سياستها الخارجية وتقوم بتقسيم الدول إلى محاور خير وشر واعتدال وتطرف وتضعها على لوائح سوداء وملونة على أساس احترام حقوق الإنسان.
وفي مجتمع السجون بأمريكا يتبين أن 40% من تعدادها من من أصحاب البشرة السمراء، ونصفهم مسجونون لتكرار الجنحة لمرة الثالثة، وجنايات أخرى صغيرة، ويتضح أيضًا أن البيض لا يلقون الجزاء القاضي في العقاب الذي يتعرض له البيض رغم ارتكابهم الجرم ذاته، ومن أشهر الجرائم التي يتعرض بسببها السود للسجن “السرقات” المرتبطة في المقام الأول بضعف الدخل الاقتصادي.
وتكشف إحصائيات أمريكية مستقلة، أن نوعية الوظائف التي يشغلها الأمريكيون من أصول أفريقية عادة ما تكون أقل في درجة السلم الوظيفي في أغلب المنشآت، وأن أصحاب البشرة السمراء الذين حصلوا على تعليم ثانوي فقط يحصلون على أجور أقل بـ22% من نظرائهم البيض.
وتضيف موسى، في تصريحات خاصة لمصر 360، أن العنصرية ظاهرة تاريخية ومتغلغلة في المجتمع الأمريكي حتى في عهد الرئيس السابق أوباما الذي شهد في عهده استمرار التمييز الاقتصادي ولم يقدم أي امتيازات أو علي الأقل مساواة بين الأمريكيين من أصل إفريقي وبين البيض، فالتضييق على ذوي البشرة السمراء “تقليد مستمر”.
وتوضح أن الفجوة والتمييز في الأجور متواجدة في أمريكا حتى بين الرجل والمرأة ليس فقط بين ذوي البشرة السمراء و البيضاء، وتظهر العنصرية أكثر في النظام القضائي والقانوني، حتى أن جهاز الشرطة الذي لم ينضم إليه الأمريكيين ذات البشرة السوداء قبل 1970، يشهد حاليًا تركيزًا للبيض بصورة كبيرة، وتتزايد المشكلة إذا كان مسلما فالأمريكيين من أصل إفريقي ينظر إليهم كمشكلة داخلية، أما المسلمون الأمريكيون فقضية خارجية دخيلة.”
وحتى الثمانينات كانت عشرين ولاية من الولايات المتحدة تمنع أصحاب البشرة السمراء بأن يتعلموا في مدرسة واحدة مع البيض، والفصل حتى في توزيع الكتب المدرسية والفرق المسرحية بينهما، ويمتد الأمر للفصل في أماكن الإقامة قي المصانع، ورغم تغيير تلك القوانين نظريا لكن الكثير منها لا يزال قائما على أرض الواقع.
وفي الأمراض، كان الزنوج يتلقون الخدمة الصحية حال انتهاء البيض منها، فالإصابة بالسل في الأربعينيات كانت إصابات البشرة السمراء خمسة أضعاف البيض، ومعدل الوفيات بين الصغار السمر 70% زيادة عن الأطفال البيض، ولا تزال الأحياء الأمريكية الإفريقية التي تحتوي على عدد كبير من الأصول الأفريقية شاهدًا على التمييز ضدهم بارتفاعات كبيرة في معدلات الفقر والبطالة وانتشار الجريمة والمخدرات، والتي تؤكد أن أمريكا لن تتغير في التمييز والعنصرية، مهما تشدقت عن المساواة والحريات.