فى محاولة للتهدئة، بعد توترات شهدتها الحدود السودانية الإثيوبية، بعد اشتباكات محدودة بين البلدين، أعربت وزارة الخارجية الإثيوبية، عن استيائها إزاء الحادث الذي وقع على الحدود نهاية الأسبوع الماضي، ودعت إلى مشاورات دبلوماسية لاحتواء التوتر، في وقت اعتبر فيه مراقبون بأن تبعات تلك الواقعة قد تمتد على مفاوضات سد النهضة الثلاثية، عقب الإعلان عن استئناف المفاوضات.
وقالت الوزارة في بيان على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أمس، الأحد، : “من أجل احتواء الوضع على الأرض ومن أجل تجنب المزيد من التوتر، تؤكد الوزارة على ضرورة أن يعمل البلدان من خلال الآليات العسكرية القائمة لمعالجة الظروف المحيطة بالحادث والتحقيق فيها بشكل مشترك”.
ولفتت الوزارة إلى أنها تعتقد اعتقادا قويا بأنه “لا يوجد سبب معقول يجعل البلدين تنجرفان نحو الأعمال العدائية”، وشددت على ضرورة “استمرار التعاون الوثيق بين الإدارات المحلية والإقليمية في الجارتين لضمان السلام والأمن في المنطقة الحدودية”.
وأضافت: “نرى أن أفضل طريقة لمعالجة مثل هذه الحوادث هو من خلال المشاورات الدبلوماسية على أساس العلاقات الودية والتعايش السلمي بين البلدين”، مشددة على أن “هذا الحادث لا يمثل العلاقات القوية بين شعبي البلدين”.
عودة بعد غياب
بحسب وسائل إعلام سودانية، بدأ الجيش السودانى في الأشهر الأخيرة الانتشار في المناطق الحدودية وذلك بعد غياب دام سنوات، وقد استغلت المليشيات الإثيوبية هذا الغياب لتتوغل داخل الأراضي السودانية طاردة السكان منها بقوة السلاح.
وزار رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وكبار قادة الجيش في الثامن من أبريل الفائت المقار العسكرية في الحدود السودانية الإثيوبية، وقال إن الجيش لن يفرط في حماية حدود بلاده.
الخطوة الإثيوبية، جاءت عقب استدعاء وزارة الخارجية السودانية أمس الأول، السبت، القائم بالأعمال الإثيوبي “للاحتجاج على توغل ميليشيات إثيوبية مسنودة من الجيش الإثيوبي واعتدائها على المواطنين والقوات المسلحة السودانية داخل الأراضي السودانية، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من ضباط وأفراد القوات المسلحة ومواطنين سودانيين من بينهم أطفال”.
ونقل مدير إدارة دول الجوار بالوزارة للقائم بالأعمال الإثيوبي، إدانة ورفض الحكومة السودانية لهذا الاعتداء الآثم، الذي يأتي في وقتٍ كانت الاستعدادات تجري في الخرطوم لعقد الاجتماع الثاني للجنة المشتركة رفيعة المستوى لقضايا الحدود التي يرأسها من الجانب السوداني وزير رئاسة مجلس الوزراء ومن الجانب الأثيوبي نائب رئيس الوزراء.
وطالب باتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف مثل هذه الاعتداءات، ونبّه إلى أن استدامة وتطوير التعاون بين البلدين لا بد أن يبنى على الاحترام المتبادل لسيادة واستقلال وحدود كلٍ منهما وحق شعبيهما في العيش في أمانٍ وسلام واستخدام مواردهما الطبيعية والاقتصادية دون تغول أو اعتداء من أي طرف على الآخر.
المرة الأولي
وتعد هذه المرة الأولى التي يتهم فيها السودان صراحة الجيش الإثيوبي بالتورط في الاعتداء على الأراضي والموارد السودانية، حيث كانت السُلطات تقول إن القوات التي تتوغل في الأراضي السودانية عصابات خارجة عن سيطرة الحكومة الإثيوبية.
الخرطوم لم تكتفي بتلك الخطورة، حيث حذرت قبل استدعاء القائم بالأعمال الإثيوبي علي أراضيها، بيوم واحد، من اندلاع ما سمته ب «حرب شاملة مع إثيوبيا »، و أنه رأي إعطاء فرصة للدبلوماسية، وذلك غداة مقتل ضابط سودانى وإصابة 6 آخرين فى اشتباكات وقعت مع ميليشيا إثيوبية على الحدود خلال محاولة المليشيات سحب المياه من نهر عطبرة، وزراعة أراضٍ سودانية دون موافقة الخرطوم.
قال المتحدث باسم الجيش السوداني العميد الركن عامر محمد الحسن، في تصريحات صحفية،« إن السودان يرى إعطاء فرصة للدبلوماسية مع إثيوبيا قبل اندلاع حرب شاملة بين البلدين ، مضيفا أنه “على إثيوبيا تنفيذ ما اتفقنا عليه بشأن ترسيم الحدود وانتشار القوات”، مشيرا أن هناك اتصالات بين قيادتي الجيشين السوداني، موضحا أن «المليشيات الإثيوبية بإسناد من الجيش الإثيوبى درجت على تكرار الاعتداء على الأراضى والموارد السودانية”.
حبال الصبر
ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا )، عن الحسن قائلا: «الخرطوم تمد حبال الصبر فى إكمال العملية التفاوضية الرامية إلى وضع حد لهذه الأعمال العدائية والاجرامية”.
ووفقا للرواية السودانية فإنه و فى 26 مايو الماضي، انتشرت قوة تقدر بقوة سرية مشاة للجيش الإثيوبى حول معسكر القوات السودانية فى منطقة العلاو داخل الأراضى السودانية، مضيفا أنه بعد مفاوضات بين الجانبين جرى الاتفاق على سحب نقطة المراقبة التابعة للقوات السودانية إلى داخل المعسكر، على أن تعود السرية الإثيوبية إلى معسكرها.بحسب ما ذكره الحسن.
وأضاف« وصلت مليشيات إثيوبية، إلى الضفة الشرقية لنهر عطبرة (أحد روافد نهر النيل)، من أجل سحب المياه منه، قبل أن تمنعها قوات سودانية.
وتابع الناطق باسم الجيش السودانى أن الميليشيات انسحبت إلى المعسكر الإثيوبى، بعد اشتباكات نتج عنها إصابة أحد عناصرها، إلا أنها عادت مرة أخرى إلى منطقة شرق بركة نورين مدعومة بتعزيزات من فصيلة من الجيش الإثيوبى، واشتبكوا مع القوات السودانية مجددًا.
ووواصل إنه فى نفس اليوم وصلت إلى الضفة الشرقية لنهر عطبرة سرية مشاة من الجيش الإثيويى، واشتبكت مع القوات السودانية غرب النهر، ما أدى إلى مقتل ضابط سودانى برتبة نقيب، وإصابة 6 أفراد، بينهم ضابط برتبة ملازم أول، فضلا عن إصابة 3 مدنيين سودانيين ومقتل طفل.
تهديدات إثيوبية
وفى 30 مايو الماضي، اقدم مسؤول محلي اثيوبي على التهديد بزراعة الاراضي السودانية بالقوة في حل تم رفض طلب بالسماح لهم بزراعة الاراضي في تحد سافر تزامنا مع استمرار الاعتداءات على المواطنين من قبل ميلشيات اثيوبية مدعومة من الجيش الاثيوبي ، بحسب صحيفة أخبار السودان.
تشهد فترتى الإعداد للموسم الزراعى والحصاد دائماً اختراقات وتعديات متواصلة من المليشيات الإثيوبية الخارجة عن سيطرة السلطات الأثيوبية بالمناطق الحدودية، إلا أن الناطق الرسمي للقوات المسلحة السودانية أشار هذه المرة بانها مسنودة من القوات الإثيوبية.
بحسب مراقبون فإن مشكلة التعدي على الأراضي السودانية، قديمة ويتجاوز عمرها نصف قرن، وعلي مدار السنوات الماضية تغاضت الأنظمة السياسية المتعاقبة عنها بالتجاهل وعدم التصعيد، بدوافع واعتبارات سياسية، والتستر عليها فى أحيان كثيرة .
ما الذي غير من طريقة التعامل عبر تصريحات المسؤولين السودانيين التصريحات الرسمية السودانية الأخيرة فيما يتعلق بهذا الأمر، ما هي إلا تحذير وتنبيه للرأي العام الإقليمي والدولي بعد أن شعرت الخرطوم للمرة الأولى أن أديس أبابا قد خدعتها فيما يتعلق بمفاوضات سد النهضة”. هكذا رأت وكالة سبوتنيك الروسية، بناء علي استنتاجات لعدد من الخبراء والمهتمين بالشأن السوداني.
1700 مزارع إثيوبي داخل السودان
وقدر الدكتور محمد مصطفى رئيس المركز العربي الإفريقي لثقافة السلام والديمقراطية، بأن “هناك أكثر من 1700 مزارع إثيوبي يزرعون داخل الأراضي السودانية منذ سنوات، وكانت حكومة البشير تغض الطرف عنهم ولم تستطع التحرك لإنهاء هذا الوضع وحسم الأمر خوفا من تحريك إثيوبيا ملف محاولة اغتيال رئيس جمهورية مصر العربية الأسبق محمد حسني مبارك.
وفقا لما يقوله مصطفى فإن “الحكومة الانتقالية الحالية رغم تعقيدات أزمتها الإدارية والاقتصادية الناتجة عن تركة حكومة الإنقاذ الثقيلة فهي تسعي بكل جهدا لحسم هذا الملف”، مشيرا إلى أن “مفاوضات تجري بين الخرطوم وأديس أبابا من أجل إنهاء ملف ترسيم الحدود بين الجانبين، وعليه سوف تظل القوات المسلحة السودانية صابرة رغم جاهزيتها حتى نهاية الربع الأول من العام القادم 2021 موعد انتهاء الحوار حول ترسيم الحدود بين البلدين، ثم بعد ذلك لا عاصم لنا من اختبار وطنيتنا”.
واستبعد ” مصطفي ” ما وصفه بـ “خيار الحرب الشاملة ” قائلا :”غير وارد في الوقت الراهن إلا إذا تكررت الاعتداءات وخرجت الأمور عن السيطرة تماما، حينها قد تنزلق البلدين إلى أتون حرب شعواء”.
خيار الحرب
شاركه الرأي نفسه ،الدكتور أحمد المفتي الخبير السوداني في القانون الدولي الذي قال للوكالة الروسية قائلا: “الغريب في الأمر أن وزارة الري السودانية، أصدرت بيانا حول الموضوع وفق ما تناولته وسائل الإعلام، لا يعد دعما للجيش السوداني، بقدر ما هو دعما لإثيوبيا، عندما قامت بالتذكير بالدور الإثيوبي لإحداث التوافق بين قوى الثورة السودانية، ولم يكن ذلك مستغربا، لأننا نتابع دور وزارة الري في مفاوضات سد النهضة منذ العام 2011، وحتى اليوم”.
استبعد ” المفتي” شن الحرب بين الخرطوم وأديس أبابا ولكنه قال: “لا نطالب بشن الحرب على إثيوبيا، وإن كنا نتوقع أن تشعلها إثيوبيا طال الزمن أم قصر، طمعا في حصة السودان من المياه واراضيه، ولكننا نؤكد طلبنا السابق، بعدم دخول السودان في جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة، إلا بعد إيقاف إثيوبيا تشييد السد وملئه”.
ولكن محللين يرون أن لتك الحادثة رغم اجواء التهدئة وعدم التصعيد بين دولتي الجوار، قد يكون له تأثير بشكل مباشر فى عودة المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة الإثيوبي.
الأزمة تعقد المفاوضات الثلاثية
هذا الرأي يؤكده الدكتور حمدي عبد الرحمن ،أستاذ العلوم السياسية ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، بجامعتي القاهرة، و زايد بالامارات العربية المتحدة، قائلا :”لم تبدأ مفاوضات سد النهضة على المستوى الثلاثي بعد عقب الموافقة على استئنافها على مستوى وزراء الري في الدول الثلاثة”.
وكتب عبد الرحمن فى تدوينة له على موقع “فيس بوك “:”لاتزال المشاورات الأولية بين وزيري الري في كل من أثيوبيا والسودان وقد جاءت أزمة الفشقة الحدودية يوم 28 مايو الماضي لتزيد الأمور تعقيدا وتوترا.
بحسب ما طرحه “عبد الرحمن”، لن تكون قواعد الملء الأولي هي محور المحادثات هذه المرة ولكن سوف ينصب التركيز على اجراءات التخفيف من الجفاف، موضحا بإن إثيوبيا رفضت في مفاوضات واشنطن امكانية اطلاق المياه من خزان سد النهضة لمساعدة السودان ومصر خلال سنوات الجفاف الممتد.
وفقا لما يقوله أستاذ العلوم السياسية فقد ادعت أثيوبيا أن سد النهضة لن يكون خزانا للمياه لصالح دولتي المصب، مضيفا ” يلاحظ أن مسودة اتفاق واشنطن تنص على خطة غير قابلة للتعديل للتشغيل الدائم ، والتي تتضمن ترتيب ”توزيع المياه” بما يحافظ على حقوق مصر التاريخية التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل.
يتساءل “عبد الرحمن” قائلا:”تظل الأسئلة المطروحة هل تبدأ المفاوضات من حيث انتهت في واشنطن أم تعود إلى المربع الأول.هل يتم حصر المفاوضات في الجانب الفني فقط في ظل حالة الشحن والتعبئة غير المسبوقة وحرب الكلمات التي لاتتوقف منذ انسحاب إثيوبيا من مفاوضات واشنطن؟ وهو ما سوف تجيب عنه الأيام المقبلة.