لا تبدو القارة الإفريقية بمعزل عن المخاطر المحدقة التي تسبب فيها تفشي فيروس كورونا المستجد، على الرغم من أنها لا تزال من الأماكن الأقل تأثرًا بالجائحة، إلا أن ضعف إمكانيات النظام الصحي قد يدفعها إلى مواجهة “جائحة صامتة” بحسب منظمة الصحة العالمية.

sss

وطبقاً لإحصاءات يوم 26 مايو 2020، تم رصد 115 ألفاً و346 حالة من المصابين بفيروس كورونا المستجد و3 آلاف و471 حالة وفاة في 54 دولة إفريقية، ويمثل ذلك نحو 2٪ من جميع الحالات المُبلَّغ عنها عالمياً، إذن كيف يمكن تفسير ذلك في سياق التزايد المستمر في أعداد المصابين وبعيداً عن الخبرة السابقة في مجال التعامل مع الأوبئة والأمراض المتوطنة في إفريقيا؟

ووفقًا للمبعوث الخاص للمنظمة، سامبا سو، فإن عدم وجود اختبارات سيؤدي إلى انتشار وباء صامت في القارة السمراء، مشددًا على الاستمرار في حث القادة الأفارقة على إعطاء الأولوية للاختبارات.

والشائع عالميًا تبني سياسة زيادة نسبة الاختبارات للكشف عن المصابين بهدف التغلب على “كورونا”، إلا أن هذا الأمر يواجه عقبات ومشكلات كثيرة في القارة الإفريقية بالنظر إلى امتلاك هذه الدول لأجهزة الفحص والاختبار، ومواد الاختبار الأخرى.

تحديات أمام تنفيذ الفحوصات الشاملة

وفي دراسة نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، رصدت عدة تحديات تواجه تنفيذ الفحوصات الشاملة، حتى مع وجود أموال كافية، وبرزت هذه التحديات أولاً أن الحصول على مجموعات الاختبار في القرى النائية والمناطق العشوائية المكتظة بالسكان، وحتى في بعض المناطق الحضرية؛ عقبة رئيسية في أجزاء كثيرة من القارة؛ فخلال موسم الأمطار تصبح الطرق الترابية صعبة، وتشكل عقبة أمام الوصول إلى المجتمعات الريفية والنائية. وإذا كان الاختبار في المناطق الريفية بعيد المنال، تقوم معظم الدول –بحكم الضرورة– بقصر الاختبار على المناطق الحضرية. وعلى أي حال، فإن الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية مع اكتظاظها بالسكان، يصعب الوصول إليها بسبب افتقار السكان إلى العناوين والسجلات المادية. ولعل ذلك كله يجعل مشكلة التوثيق والمعلومات من التحديات الكبرى التي تواجه النظام الصحي في إفريقيا.

 

 

كذلك تفرض البنية التحتية الصحية المتهالكة، وقلة الموارد البشرية وضعف التمويل؛ قيوداً إضافية على نجاح توزيع مجموعات الاختبار. وعادةً ما تكون معظم العيادات المحلية وحتى المستشفيات الإقليمية في إفريقيا غير مجهزة جيداً لاستقبال المرضى الذين يعانون من الأعراض، والمخالطين الذين يتطلعون إلى الاختبار. وفي ظل احتمالات تزايد معدلات تفشي فيروس كورونا، فإن انهيار النظام الصحي المحتمل في كثير من الدول، قد يصبح أمراً لا مفر منه.

ووفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، لا يزال عدد أسرَّة المستشفيات في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى متخلفاً بدرجة مثيرة للصدمة عن باقي مناطق العالم. وتمتلك 21 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء ثمانية أسرَّة مستشفى أو أقل لكل عشرة آلاف شخص. وفي الوقت الذي طورت فيه بعض الدول –مثل كوريا والإمارات العربية المتحدة– طريقة مبتكرة لاختبار مواطنيها من خلال محطات اختبار القيادة عبر السيارات؛ فإن هذا الحل –ببساطة– غير ممكن في معظم أنحاء إفريقيا، وخاصةً في القرى الريفية أو المناطق الحضرية المزدحمة للغاية.

كما أن أزمة الثقة والخوف من الآثار الاجتماعية المرتبطة بالمرض، والاستجابة الصحية المصاحبة له، وتشكُّك العديد من المجتمعات الإفريقية في السلطات الحكومية والجهات الخارجية والعاملين في القطاع الصحي؛ ما يؤدي إلى تفاقم المشاكل اللوجستية المتعلقة بإرسال موظفي الصحة إلى المناطق الحضرية المكتظة بالسكان أو القرى النائية.

اقرأ أيضًا:

مطالب جديدة.. التوتر بين السودان وإثيوبيا يغير محور مفاوضات السد

 

لقد أدى ذلك إلى إعاقة معالجة حالات تفشي فيروس إيبولا الأخيرة في غرب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ حيث تعرض العاملون في مجال الرعاية الصحية لأعمال عنف وهجمات من قبل المدنيين. من جهة أخرى، يعاني المصابون بفيروس إيبولا وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) من وَصْمهم بالعار من قِبل مجتمعاتهم في جميع أنحاء القارة. وعليه، قد يتردد الأفراد في الخضوع لاختبار فيروس كورونا إذا كانوا يخشون النبذ أو الأعمال الانتقامية الأخرى من مجتمعاتهم. ومثلما أطلق على فيروس الإيدز من قبل اسم “مرض الرجل الأبيض”، فقد أدت جائحة فيروس كورونا إلى تأجيج مشاعر كراهية الأجانب، ليس ضد مواطني شرق آسيا فقط، بل وضد الأوروبيين والأمريكيين بوتيرة متزايدة. وعليه، فإن وجود العاملين في مجال المساعدات الأجنبية في المجتمعات التي يوجد فيها انعدام الثقة، سيثير الخوف ويلامس التوترات الموجودة من قبل. لذلك، يجب دمج الاعتبارات الأمنية في الاستجابات الأوسع نطاقاً، وهو ما يعني مزيداً من التكلفة والتعقيد.

نظم صحية متهالكة

تعاني عدة دول أفريقية من مشكلات كبرى، إلا أن جائحة “كورونا” سلطت الضوء على النظم الصحية المتهالكة بالفعل، والتكلفة المرتفعة للأمراض المعدية والمتوطنة بحسبانها عواملَ من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم انتشار ‏فيروس كورونا، كما أنه ستترتب على تدابير الإغلاق والحجر الصحي عواقبُ ‏اقتصاديةٌ واجتماعيةٌ غير مقصودة وغير مرغوب فيها.‏

وتتوقع أحدث نماذج منظمة الصحة العالمية أن ‏يصاب ما بين 29 مليون و44 مليون إفريقي في السنة الأولى من انتشار فيروس كورونا –إذا فشلت إجراءات الاحتواء– مع زيادة ‏حالات الوفاة لتصل إلى ما بين 83 ألف وفاة و190 ألفًا.‎

العلاج بالأعشاب

ويوجد نقص متزايد في الدراسات المتعلقة بفيروس كورونا في القارة؛ فمن بين 2032 تجربة سريرية مُسجَّلة بحلول 14 مايو من هذا العام تتعلق بالفيروس، نجد 35 دراسة فقط أُجريت في إفريقيا. منها 23 في مصر و12 فقط استخدمت تجارب سريرية في دول أفريقية جنوب الصحراء الكبرى. وكان من بين الدراسات الاثنتي عشرة، سبعٌ شاركت فيها دول متعددة. أما الدراسات الخمسة الباقية فقد أجريت في كل من نيجيريا وجنوب إفريقيا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التجارب السريرية الاثنتي عشرة التي تشمل إفريقيا جنوب الصحراء محدودة للغاية؛ حيث يركز معظمها على عقار هيدروكسي كلوروكوين، بينما يبحث بعضها في مجالات الطب التقليدي.

وعلى سبيل المثال، أعلن معهد مدغشقر للأبحاث التطبيقية اكتشاف علاج عشبي من الشيح أطلق عليه اسم “كوفيد أورجانيكس”، هذا النمط يُبقي إفريقيا مستهلِكةً للمعرفة والحلول التي تم التوصُّل إليها في مكان آخر، وخلال هذه الفترة من الجائحة العالمية مع النقص الحاد في الموارد المُنقِذة للحياة، تخسر إفريقيا لا محالة؛ لأنها تفتقر إلى القدرة على إنتاج ما تحتاجه لمواجهة هذه التحديات الجِسَام.

وتولد عن جائحة كورونا في إفريقيا عدة دروس، من أن القارة السمراء لا تستطيع الاستمرار في الاعتماد على الخارج لتحديد المسار الذي تسلكه لتحقيق التنمية والخروج من المأزق، لذا يجب على أبناء القارة السمراء استخدام الاستثمارات المحدودة في مؤسسات البحث العلمي والجامعات الوطنية والإقليمية، كما يجب على البلدان ‏الإفريقية أن تفعل ما بوسعها لاستقطاب أفضل العقول لديها، الذين اضطر معظمهم، على مر السنين، إلى مغادرة إفريقيا.

الدراسة لفتت إلى أن ‏الاستثمارات ستكون في تعزيز المؤسسات المحلية والإقليمية القائمة على المعرفة أساسيةً لتعزيز الأهمية العالمية للقارة وقدرتها على المنافسة، ‏ولا سيما في عالم ما بعد كورونا. أما الدرس الثاني فيتمثل في ضرورة الفهم والتفسير بحيث يتم تقييم وضع إفريقيا الحقيقي في سياق ‏هذه الجائحة القاتلة. 

 

ولعل ذلك يتطلب توضيح أسباب المستويات المنخفضة الحالية للإصابات والوفيات المُبلَّغ عنها.. قد تبدو الأرقام ‏مضللة، وهو ما يتطلب إجراء مزيد من الفحوصات، ولا سيما في البلدان الأكثر عرضةً للإصابة بالفيروس. أما الدرس الثالث ‏فيتمثل في ضرورة القيام بمسوحات وطنية عن الأجسام المضادة من خلال اختيار عينات من مواطنين يمثلون جميع السكان ‏واختبار تلك المسوحات؛ فمثل هذه المسوحات سوف تظهر مدى انتشار العدوى بين السكان، ومن ثم تحدد الاستجابات المناسبة لمواجهة الفيروس.

نماذج مضيئة

إلا أن الدراسة لفتت إلى نماذج مضيئة في إفريقيا فيما يتعلق بامتلامك منظومة صحية مواكبة، فعلى سبيل المثال، تمتلك رواندا نظاماً صحياً يعد الأكثر ابتكاراً على المستوى القاري، كما أنه يكاد يوفر ‏التغطية الكاملة للمواطنينن كما أن أوغندا قد استفادت من الخبرة السابقة في التعامل مع تفشي الأمراض والأوبئة واتخذت العديد ‏من التدابير اللازمة للكشف عن الفيروس التاجي والوقاية منه وتتبُّعه.

اقرأ أيضًا:

“النفايات السامة” تجارة إفريقيا الرائجة على حساب الإنسانية

أما جنوب إفريقيا فقد ذكرت الدراسة أنها تمتلك أفضل نظام للصحة ‏العامة في القارة؛ حيث يعمل العديد من الأطباء المرموقين ذوي السمعة الدولية على توفير أفضل رعاية ممكنة لمرضاهم. وفي السنغال ‏تم تطوير جهاز تشخيص بكلفة دولار واحد للكشف عن الفيروس. ومع ذلك، لا نقرأ ولا نسمع عن نقاط القوة هذه بقدر ما نسمع ‏عن لعنة إفريقيا وبلدانها وفقاً للمنظور التشاؤمي الغربي.