“كلٌ يُغني على ليلاه”.. قد تكون هذه الكلمة مناسبة لوصف حالة الهجوم الواسع ضد رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ السيناتور الأمريكي، ريتشارد بو، الفترة الماضية، وذلك بعد اتهامه بالاستفادة من معلومات سرية واستغلاله أزمة كورونا للتربح من سوق الأسهم، فبينما كان العالم يكافح للاستعداد لمواجهة الجائحة كان هناك آخرون يحاولون الاستفادة ماليًا من هذه الأوضاع.

القصة بدأت عندما كشفت مصادر مالية في فبراير الماضي أن السيناتور الأمريكي، ريتشارد بور وزوجته باعا ما لا يقل عن 582 ألف دولار حتى 1,6 مليون دولار من الأسهم في البورصة، في اليوم نفسه، باع صهر “بور” أسهماً تصل قيمتها إلى 280 ألف دولار .

وقبلها بأيام، كتب السينارتور الأمريكي الذي يتلقى تقارير شبه يومية من الاستخبارات الأمريكية حول التهديدات التي تتعرض لها البلاد، مقالاً نشر في السابع من فبراير على الموقع الإلكتروني لشبكة “فوكس نيوز” أن الحكومة الأمريكية “مستعدة اليوم أكثر من أي وقت مضى” لمواجهة وباء كوفيد-19، وأكد أن الأمريكيين يتمتعون بحماية جيدة.

ومنذ ذلك الحين انخفضت أسعار الأسهم مع اجتياح الوباء العالم، وقد أصيب بفيروس كورونا المستجد 1,4 مليون شخص في الولايات المتحدة وتوفي 85 ألفا، وهو العدد الأكبر بين دول العالم.

 

ويبدو أن “بور” الذي يتلقى المعلومات الاستخباراتية نفسها التي تقدم إلى البيت الأبيض، كان لديه وجهة نظر عن التهديد، مختلفة عن موقف الحكومة، ففي 19 مارس، سربت إذاعة “ناشيونال بابليك”الأمريكية، “أن بي أر”، تسجيلًا صوتيًا للسينارتور الأمريكي في اجتماعه مع بعض المتبرعين من الأثرياء، بأن فيروس كورونا يشكل تهديدا يشبه الإنفلونزا الإسبانية التي انتشرت في 1918 وأودت بحياة الملايين.

 

اقرأ أيضًا:

“دونالد ترامب”.. رحلة الغرور والنفوذ والسقوط أمام العنصرية

 

وبحسب التسجيل الصوتي، قال “بور” لبعض المانحين في ولاية كارولاينا الشمالية، المسئول عنها،:”يمكنني أن أبلغكم بأمر واحد هو أنه (الفيروس) أكثر شراسة في انتقاله من أي شيء رأيناه في التاريخ الحديث”.

ووفقًا للسجلات الفيدرالية، فقد تبرع هؤلاء المانحون والمسئولون عن مجموعة شركات ومنظمات في الولاية، بأكثر من 100 ألف دولار لحملة “بور” الانتخابية في عامي 2015 و 2016.

وأشارت الإذاعة الامريكية، في تقريرها، إلى أن قبل ثلاثة عشر يومًا من بدء وزارة الخارجية الأمريكية بتحذير رعاياها من السفر إلى أوروبا، وقبل 15 يومًا من حظر إدارة ترامب الأوروبيين من دخول أراضيها، حذر “بور” أولئك المانحين من هذه الخطوة مسبقًا، حيث قال:”يجب أن تدرك كل شركة أنها في الفترة المقبلة قد تضطر إلى إلغاء رحلاتها إلى أوروبا، والعوض عنها بمؤتمرات عن بعد.. لماذا المجازفة؟!”.

كما أكد “بور” إمكانية تعبئة الجيش لمكافحة كورونا، وذلك قبل إعلان هذا الأمر للشعب الأمريكي بعد ثلاثة أسابيع، ألا أن بعد نشر التسريب اتهم السناتور “بور” إذاعة “ناشيونال بابليك” بأنها “فسرت بطريقة غير مسؤولة” تصريحاته للمتبرعين.

تحقيق ومصادرة الهاتف

وبعد تداول الأخبار في وسائل الإعلام المحلية، خضع “بور” في 20 مارس، لتحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، وتم مصادرة هاتفه للإطلاع على بياناته، إلا أنه نفى هذه التهم عن نفسه، كما طلب من لجنة الأخلاقيات في مجلس الشيوخ، مراجعة كشوف مبيعاته.

 

وذكرت صحيفة “لوس أنجلس تايمز” أن عناصر من مكتب التحقيقات الفدرالي مزودين بمذكرة صادروا هاتفه المحمول في منزله في واشنطن بعدما اخترقوا ملفات “بور” الشخصية على حسابه على خدمة “آي-كلاود”.

ويخضع “بور” للتحقيق بشأن ما إذا كان قد استخدم صلاحية في الإطلاع على معلومات استخبارية سرية للغاية لبيع أسهم في فبراير قبل أن يضرب وباء فيروس كورونا المستجد الولايات المتحدة وبينما كان الأمريكيون يبلغون بأن خطر الفيروس منخفض.

وأثناء التحقيق، قدم “بور” استقالته من رئاسة لجنة الاستخبارات، إذ صرح أنه أبلغ زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أنه سيتخلى عن الرئاسة مؤقتا أثناء التحقيق الذي يجريه في مكتب التحقيقات الفدرالي.

 وقال في بيان إن “العمل الذي تقوم به لجنة الاستخبارات وأعضاؤها مهم للغاية ولا يمكن المجازفة بإعاقته بأي شكل”، مضيفًا “أعتقد أن هذه الخطوة ضرورية ليتاح للجنة مواصلة عملها الأساسي بدون انشغالها بمسائل خارجية”.

استغلال معلومات سرية

وكان قد أصدر الكونجرس في عام 2012 ، قانونًا لتداول الأسهم في البورصة بالنسبة للمشرعين، حيث نص أنه من غير القانوني استخدام أعضاء المجلس معلومات سرية  للحصول على فائدة مالية، لذا سيحتاج “بور” إلى إثبات أن باع أسهمه بناءً على معلومات عامة وليس تقارير سرية لتداعيات الوباء، بحسب شبكة “سي أن أن” الأمريكية.

والملفت في الأمر، بأن “بور” كان واحدًا من المشرعين الذين صوتوا ضد قانون الكونجرس، من ناحية أخرى، يحصل أعضاء الكونجرس في كثير من الأحيان على إحاطات إعلامية تتضمن معلومات سرية وغير متداولة حول قطاعات الاقتصاد.

فيما نقلت إذاعة سويسرا “سويس إنفو” العالمية، في تقرير لها، بتاريخ 15 مايو، بأن خبراء قانونيون قالوا إنه من النادر أن يفتح مكتب التحقيقات الفدرالي تحقيقا حول عضو مهم في مجلس الشيوخ وكذلك أن توافق على ذلك وزارة العدل على أعلى المستويات.

متهمتان أخريان

ولفتت حادثة السينارتور الأمريكي، ريتشارد بور، الانتباه إلى عضوين آخرين على الأقل في مجلس الشيوخ أجرتا تحويلات استثمارية كبيرة مع انتشار المخاوف من فيروس كورونا، هما الديموقراطية داين فينستين والجمهورية كيلي لوفلر.

وقالت داين فينستين، العضو في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ، إن استثماراتها محفوظة وأن عملية بيع الأسهم قام بها زوجها وهو رجل مال معروف في كاليفورنيا ولا علاقة لها بالوباء.

أما كيلي لوفلر، أغنى عضو في الكونجرس، فمتزوجة من جيفري سبريشر رئيس مجلس الإدارة والمالك الرئيسي لبورصة نيويورك عبر شركته “انتركونتينتال اكستشينج”.

اقرأ أيضًا:

أوباما: سياسة ترامب “كارثية”.. و”العفو الدولية” تدين العنف ضد المتظاهرين

 

وتفيد معلومات أن الزوجين باعا أسهما تصل قيمتها إلى 3,1 ملايين دولار بين أواخر يناير و14 فبراير، لكن مكتب “لوفلر” أكد أنها تصرفت هي وزوجها “بشكل مناسب”، مشيرا إلى أن الوثائق المرسلة إلى وزارة العدل ستثبت “عدم مشاركة الزوجين في إدارة حساباتهما”، كما ورد في بيان نشرته وسائل الإعلام الأمريكية.

وبينما يحقق مكتب التحقيقات الفدرالي في صفقات فينستين، لم يعرف ما إذا كان التحقيق يشمل لوفلر أيضا التي نفت ارتكاب أي مخالفة.

ورغم التحقيقات وما يتداول في وسائل الإعلام، فإن بعض المحللين يرون أن إصدار أي إجراء قانوني ضد ريتشارد بور أو غيره صعب تحقيقه، فالتفريق بين صفقات تمت على أساس معلومات عامة أو سرية ليس بالأمر الهين، لاسيما أن القوانين التي تخص هذا الشأن غير واضحة.