الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يحمل في يده نسخة من الإنجيل أمام كنيسة سان جورج المواجهة للبيت الأبيض، ليعيد إلى الأذهان صورا للرئيس الأسبق جورج بوش الابن الذي غزا العراق “امتثالا لإرادة الله”.
sss
ردود الفعل الغاضبة جاءت سريعة، لتثير حالة احتقان من هذا الفعل الذي قام به الرئيس الذي يواجه موجة احتجاجات كبيرة، امتدت لتشمل إضافة إلى معارضيه، أنصاره أيضًا داخل الحزب الجمهوري، وتسببت في حرج شديد لوزير دفاعه الذي بدأت الأصوات تطالب بإقالته لمشاركته تلك الصورة ضمن عدد من المسؤولين، كما اعتبرها مرشح الحزب الديمقراطي، جو بايدن، أبرز منافسي الرئيس الحالي “صورة للكراهية”.
ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خرج أنصار “ترامب” لتبرير فعتله باعتبارها رد فعل عاطفي بشأن الكنيسة التي احتشد في محيطها محتجون سلميون من أجل التقاط صورة بالقرب من البيت الأبيض، إلا أنه تم إجلاؤهم بالقوة، بينما اعتبر معارضوه أنه يرسل رسالة للداخل الأمريكي والعالم الخارجي، بأنه يفرض سيطرته على الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ 25 مايو الماضي، تنديدا بوفاة جورج فلويد، الأمريكي من أصل إفريقي والذي لفظ أنفاسه الأخيرة بعدما جثم ضابط شرطة أبيض بركبته على عنقه لمدة تسع دقائق في مدينة منيابوليس.
هجوم كاسح
المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية، جو بايدن، شن هجوما كاسحًا على دونالد ترامب، معبرا عن أمله بأن يكون الأخير قد فتح الإنجيل وتعلم منه محبة الآخرين.
وقال “بايدن” في كلمة له: “عندما يتم فض احتجاجات قرب بيت الشعب، البيت الأبيض، باستخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الضوئية كي يقوم الرئيس بالتقاط بعض الصور في واحدة من الكنائس التاريخية في البلاد، يمكن مسامحتنا إذا قلنا إن الرئيس مهتم بالقوة أكثر من المبدأ”.
وأضاف عن “ترامب”: “يهتم بخدمة مصالح قاعدته الشعبية أكثر من رعيته، وهذا الهدف من الرئاسة، واجب الرعاية تجاه الجميع وليس فقط تجاه من يصوت لنا”.
وتابع: “رفع الرئيس الإنجيل في كنيسة سان جون أمس، آمل أن يكون قد فتحه مرة واحدة في يوم من الأيام، بدلا من التهديد به، إذا فتحه يوما كان ليتعلم شيئا، أن المطلوب منا أن نحب بعضنا مثلما نحب أنفسنا، وهذا عمل يتطلب جهدا كبيرا، ولكن لمصلحة أمريكا”، على حد تعبيره.
انتقادات
وجه زعماء للبروتستانت والكاثوليك فى الولايات المتحدة، انتقادات لاذعة للرئيس دونالد ترامب، تنديدا بمعاملة الإدارة الأمريكية واستخدم أفراد من الشرطة يمتطون الجياد وجنود مسلحون الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي مساء الاثنين لإبعاد المحتجين قبل أن يسير ترامب من البيت الأبيض عبر ساحة لافاييت إلى الكنيسة التي لحقت بها أضرار بسبب النيران في غمرة الاحتجاجات مساء الأحد الماضي، ورفع ترامب الإنجيل أمام الكنيسة.
وفاز ترامب في انتخابات 2016 الرئاسية بدعم قوي من الكاثوليك والإنجيليين البيض ومع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر، يحاول ترامب استمالة هؤلاء الناخبين بالصورة التي التقطت له أمام كنيسة القديس يوحنا الأسقفية وبزيارة يوم الثلاثاء، لنصب تذكاري للبابا يوحنا بولس الثاني وبأمر تنفيذي يوجه الوكالات الأمريكية “لحماية” الحريات الدينية في الخارج، بحسب “رويترز”.
رجال دين
وقال كبير الأساقفة ويلتون جريجوري، وهو أكبر زعيم ديني كاثوليكي في العاصمة الأمريكية، في بيان إن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، بابا الكنيسة الكاثوليكية لما يقرب من 40 عاما، ما كان “ليتغاضى عن استخدام الغاز المسيل للدموع وغيره من وسائل الردع لإسكات (المحتجين) أو تفريقهم أو ترويعهم من أجل صورة أمام مكان للعبادة والسلام”.
واصطف مئات المحتجين الذين يرددون الهتافات في الشارع قرب النصب المقام للبابا حاملين لافتات مكتوب عليها “ترامب يهزأ بالمسيح” و”كنيستنا ليست مكانا لالتقاط الصور”.
بينما انتقد الأسقف مايكل كوري رئيس المجلس التنفيذي للكنيسة الأسقفية ترامب لاستخدامه الكنيسة والإنجيل لغايات حزبية.
بالتزامن، سخر حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو، من التقاط الرئيس الأمريكي صورة وهو يرفع الإنجيل أمام كنيسة بالقرب من البيت الأبيض.
وقال كومو في إيجاز صحفي، قبل أن يقرأ بعض فقرات من الكتاب المقدس “الرئيس رفع الإنجيل ذلك اليوم في العاصمة واشنطن. نحن هنا في نيويورك نقرأ الإنجيل”.
وكومو المنتمي للحزب الديمقراطي والذي دائما ما يتبادل الانتقادات مع الرئيس الجمهوري قال أيضا إنه يعارض استخدام العسكريين في إخماد الاضطرابات التي تهز البلاد، مشيرًا إلى أن وزير الدفاع بإدارة ترامب عارض أيضا الفكرة.
وقال وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر في إيجاز صحفي إنه لا يدعم التذرع بقانون التمرد لنشر قوات عسكرية عاملة للتصدي للاحتجاجات، وهي الخطوة التي هدد بها ترامب.
أمة الإسلام
لم تتوقف الانتقادات عند رجال الدين المسيحي، فخرج لويس فرخان محمد، زعيم ما يطلق عليه بـ” التنظيم السياسي والديني، ” أمة الإسلام” والذي جرى تأسيسه منذ عام 1981 ، في مقطع فيديو حقق ملايين المشاهدات وهو يهدد الرئيس الأمريكي ترامب متوعدا إياه بقرب انتهاء حياته السياسية ساخرا منه: “سوف تهرب في النهاية وتختبئ في دبي والله سوف يلاحقك”، قائلا :”هددت أخوتى الصغار لكن دعني أخبرك بشىء أخوتي بحالة سئية، لقد حذرتكم قبل 3 عقود بأن الجيش قادم”، مضيفًا: “حذرتكم أيضًا بإأ الولايات المتحدة تخطط للحرب مع المسلمين خلف البحار، وأيضًا هنا على أرض أمريكا ضد أصحاب البشرة السوداء والمسلمين”، مستطردا ” نحن لسنا أناسًا مستعضفين”.
واشتهر ” فرخان” بتنظيم مسيرة المليون شخص في واشنطن العاصمة عام 1995.
وكان يعرف سابقًا باسم لويس إكس وشغل في السابق منصب إمام المساجد في بوسطن وهارلم وتم تعيينه ممثلاً وطنياً لجماعة أمة الإسلام من قبل زعيم أمة الإسلام السابق إلايجا محمد.
بعد أن قام وارث الدين محمد بإعادة تنظيم أمة الإسلام لتكون ضمن التيار العريض للإسلام السني، الجمعية الأمريكية للمسلمين، بدأ فاراخان في إعادة بناء أمة الإسلام باعتبارها “الدعوة الخاتمة”.
يوصف فرخان بأنه معاد للسامية من قبل رابطة مكافحة التشهير وغيرها من المنظمات، فاتهمت جماعة أمة الإسلام بأنها تنشر تدينًا يعادي البيض، كما اعتبرت بعض ملاحظاته ضد مثلي الجنس.
رغم تقليص”فرخان” من نشاطه مع أمة الإسلام في عام 2007 بسبب مشاكل صحية، إلا أنه استمر في إلقاء الخطب والتحدث في مناسبة منظمة أمة الإسلام، وفي عام 2015 ترأس المناسبة العشرين لمسيرة المليون: العدالة وإلا.
فن الصفقات بديلا للإنجيل
في عام 2018، كشفت مساعدة سابقة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن أنه كان يرغب في أداء يمين القسم عند تنصيبه، على كتابه “فنّ الصفقات” بدلا من الكتاب المقدس، كما هو معمول به في التقليد الأمريكي.
ونقلت بوابة المعلومات “سليت” مقتطفات من كتاب تعده المديرة السابقة للاتصالات في إدارة البيت الأبيض للعلاقات مع المنظمات العامة، أوماروسا مانيجولت نومان، ورد فيها أن رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الحالي، أراد أن يقسم اليمين الدستورية واضعا يده على الكتاب الذي هو ألفه “فن الصفقات” بدلا من الإنجيل المقدس، في حفل تنصيبه.
وتقول مانيجولت-نيومان، التي كانت تعتبر واحدة من المقربين من ترامب، إنه قبل تنصيبه في واشنطن في 20 يناير 2017 ، قال ترامب إنه يود أن يؤدي يمين القسم خلال المراسم الدستورية على نسخة من كتابه” فن الصفقات”، الذي أصبح من أكثر الكتب مبيعا، حسب قوله.
ووفقا لـ مانيجولت-نيومان، فقد سألها ترامب عن رأيها في ذلك، ونقلت في كتابها “Unhinged” أي “المعتوه” عن الرئيس قوله: “هذا أعظم كتاب عن الأعمال في التاريخ”، وإن من شأن القسم عليه أن يرمز إلى أنه على وشك “إبرام صفقات ممتازة للبلاد”، واعتبر أيضا أن هذا سيزيد من مبيعات الكتاب، حسب قول المساعدة الرئاسية السابقة.
وكما هي تقول، نتيجة لجهودها مع غيرها من مساعدي الرئيس، أمكن إقناع ترامب بأن يؤدي اليمين الدستورية بالقسم على الكتاب المقدس عند تنصيبه، وفي وقت لاحق، حاول ترامب إنكار ذلك وقال إنه كان يمازحها، ومع ذلك، أكدت مانيجولت – نيومان، أنها كانت تعرف أن ترامب كان جادا في اقتراحه هذه الفكرة وهو قدّمها على محمل الجد.
كتاب ألفه ترامب
تكتب بوابة المعلومات “سليت” أنه تم نُشر كتاب “فن الصفقات” في عام 1987، وقد ألّفه ترامب بالتعاون مع الصحفي توني شوارتز.
كما لاحظت سليت، تكتب مانيجولت – نيومان في كتابها الجديد، العديد من الوقائع عن ترامب. وعلى وجه الخصوص، تقول إن الرئيس لديه عادة إهانة مرؤوسيه، واختراع ألقاب لهم، وأيضاً استخدام تعابير عنصرية.
وتدعي مانيجولت نيومان أن مساعدي ترامب عرضوا عليها دفع 15000 دولار شهريا بعد أن غادرت البيت الأبيض، مقابل شراء صمتها حول الأنشطة الداخلية للإدارة وما كان يدور في أروقة البيت الأبيض بعد وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة.
تركت مانيجولت- نيومان وظيفتها في يناير 2018 بفضيحة، وطُردت من مقر إقامة رئيس الدولة بشكل شبه قسري، لكنها ادعت مرارا أنها تركت عملها بإرادتها الحرة وأنها لم تطرد.
الدور السياسي للدين
تصاعد الدور السياسي للدين أصبح ظاهرة عالمية، هكذا رأى الكاتب الصحفي، عبد العظيم حماد، في تدوينة له على موقع “فيس بوك”، متسلائلا :”هل هو حلول صراع الحضارات محل الصراع الإيديولجي بظهور بوادر تراجع ثم انهيار الاشتراكية ؟ وهل ساعد على ذلك وصول حركات التحرر الوطني إلى طرق مسدودة وتسوية الصراع الطبقي بدرجة معقولة في الدول الصناعية مما خلق فراغا شغلته سياسات الهوية ؟ أم ماذا ؟”.
“حماد” طرح تساؤلاته من خلال ما وصفه بـ “ذكريات شخصية وأفكار بمناسبة (إنجيل ترامب)، قائلا “في عام ٢٠٠٠ كنت أغطي سباق انتخابات الرئاسة الأمريكية بين جورج بوش الابن وبين آل جور وفِي مدينة سبرينج فيلد بولاية ماتشوستس شهدت وشاركت في ندوة في المقر الانتخابي للسناتور ادوارد كنيدي الذي اعتذر في آخر لحظة ولكن مساعديه قاموا بالواجب وكتبت للأهرام مقالا يشرح مخاوف الليبراليين في الشمال الشرقي الأمريكي من فوز بوش وكان أهمها إلغاء المسافة الفاصلة بين الدولة والكنيسة”.
يرى “حماد” أن معظم المثقفين لم يصدقوا مارأوه وسمعوه في حملة رونالد ريجان الرئاسية عام ١٩٨٠ أو اعتبروه تطورًا عابرًا وذلك حين تحالف علنا مع اليمين المسيحي ومع الصهيونية المسيحية ثم أضفى مضمونا دينيًا علي سياساته الداخلية والخارجية كقوله :”نحن المحافظون المسيحيون آخر أمل لخلاص الإنسان علي الأرض”، وكوصفه للاتحاد السوفيتي بإمبراطورية الشر وكإضفاء مغزى إنجيلي على دولة إسرائيل.
يضيف “حماد”: “مما ساعد على نسيان تديين السياسة في حقبة ريجان أن الرئيسين اللذين خلفاه -بوش الأب وكلينتون-لم يكونا كذلك فاعتقد كثيرون أن هذا الدجل انتهى مع ريجان وبلا رجعة، ولم يصدقوا أن بوش الابن سيعيده بصورة أفدح وأوقحأ فيقول لشيراك وشرودر إنه سيغزو العراق امتثالا لإرادة الله وكأنه البابا أوربان مشعل الحروب الصليبية”.
وللتأكيد على ظاهرة تدين السياسية بأنها أصبحت عالمية يقول “حماد”: “أيضا لم يلتفت الكثيرون إلى ظواهر تديين السياسة في الهند مع صعود حزب جاناتا وفِي تركيا فضلا عن إيران والدول العربية كما لم يلتفتوا إلى قول رجل علماني بوزن جيسكار ديستان مؤيدا من كل اليمين في أوروبا إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يبقى ناديًا مسيحيًا ويرفض عضوية تركيا المسلمة فيه”.