أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جدلاً واسعًا، بعد تهديده  بنشر قوات الجيش في الشوارع لفض الاحتجاجات التي دامت على مدار أسبوع في أعقاب مقتل الشرطة لمواطن من أصول إفريقية، يدعى جورج فلويد، البالغ من العمر 46 عاما والذي قضى نحبه خلال توقيفه على يد شرطي أبيض في ولاية مينيسوتا في 25 مايو  الماضي، لتصعد العديد من التساؤلات حول دستورية قرار “ترامب” في استدعاء قوات الجيش تحت أي ظرف.

ويبدو أن المظاهرات التي اجتاحت الولايات المتحدة تزداد حدة كل يوم عن سابقه، وهو ما ينذر بتأزم الأوضاع الداخلية، لاسيما في ظل جائحة كورونا، والتي تخطت عدد الإصابات الـ مليون حالة، بجانب اقتراب الانتخابات الرئاسية وجدلها المعتاد.

وقد انتشرت الاحتجاجات من مدينة مينيابوليس في الغرب الأوسط لتسيطر على الشوارع في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك لوس أنجلوس ونيويورك وأمام البيت الأبيض، حيث بدت السلطات غير قادرة إلى حد كبير على وقف الاضطرابات.

 اقرأ ايضًا: منال الطيبي تكتب.. جريمة مينيابوليس.. تعذيب حتى الموت وليس قتلا غير متعمد

سلطة استدعاء الجيش

وفي أول من يونيو، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في تصريحات صحفية، بإرسال قوات من الجيش إلى مينيسوتا، وقال: “لدينا جيشنا جاهز ومستعد وقادر إذا أرادوا استدعاء جيشنا في أي وقت، يمكن أن يكون لدينا قوات على الأرض بسرعة”.

وقال “ترامب” على تويتر “يجب على حكام الولايات ورؤساء البلديات الليبراليين أن يكونوا أكثر صرامة وإلا ستتدخل الحكومة الاتحادية وتفعل ما يجب القيام به، وهذا يشمل استخدام القوة غير المحدودة لجيشنا والعديد من الاعتقالات”.

وتعليقًا على تصريحات “ترامب”، نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، مقطع فيديو، للرئيس الوزراء الكندي،  جاستن ترودو، الأربعاء، وهو يتردد حوالي 20 ثانية للرد على سؤال مراسل شبكة “سي بي سي” الكندية الوطنية، حول رأيه في إعلان “ترامب” استخدام القوة لفض الاحتجاجات، حيث قال بعد فترة، “نحن نشاهد ما يحدث في الولايات المتحدة ونشعر بالرعب، هذا وقت لنكون معًا.. هذا وقت التعلم”، متغاضيا بذلك عن الإجابة المباشرة حول تصرف الرئيس الأمريكي وقانوينته.

وما بين تردد رئيس الوزراء الكندي وما بين إثارة “ترامب” الجدل، فردت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تقريرًا مطولاً، حول الاحتجاجات الأمريكية، مضمنة ذلك قانونية قرار الرئيس الأمريكي بانتشار قوات الجيش، موضحة أن الأخير يحاول استخدام كافة القوانين الفيدرالية للسيطرة على المتظاهرين.

ونقلت الصحيفة، في تقريرها، الثلاثاء، قول تشاك ويكسلر، المدير التنفيذي لمنتدى البحوث التنفيذية للشرطة، وهو مركز بحثى مقره واشنطن، “لا أتذكر آخر مرة تم فيها جمع هذا العدد من القوات الفيدرالية لمحاولة السيطرة على المتظاهرين”، واصفًا اندفاع القوات الفيدرالية النظمية بهذا الشكل في الولايات بـ”الفوضى المدبرة”.

وقد أعلن البيت الأبيض، الاثنين، الماضي أن الحكومة الأمريكية سترسل قوات إضافية إلى الولايات للتعامل مع موجة الاحتجاجات التي تعم البلاد بعد مقتل المواطن من أصول إفريقية، جورج فلويد.

وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كيلي ماكيناني، في مؤتمر صحفي، أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أجرى اجتماعين مع كل من وزير الدفاع، مارك إسبر، ووزير العدل، ويليام بار، مبينة أنه تقرر بعد هذه المحادثات أنه “سيتم نشر أصول فدرالية إضافية في كل أنحاء البلاد” في الوقت القريب للتعامل مع المحتجين”.

ويتم حاليا نشر أكثر من 17 ألف من أفراد الحرس الوطني عبر 23 ولاية لدعم وإسناد الشرطة المحلية، كما شاركت وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية ، بما في ذلك مكتب التحقيقات الفدرالي والجمارك وحماية الحدود في المهمة، وبعد أيام قليلة على “أعمال الشغب” في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأمريكية، نشرت الإدارة الأمريكية الحرس الوطني في المدينة، بعد فشل قوات الأمن المحلية في لجمها.

وفي ظل ذلك، أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنه إذا كان من المسوح للرئيس الأمريكي إضافة إلى كل الإجراءات السابقة، استدعاء قوات الجيش لفض الاحتجاجات، مع العلم بأن قانون بوسيت كوميتاتوس الصادر عن الكونجرس عام 1878، يمنع الجيش الأمريكي من الانتشار داخل الولايات المتحدة أو أداء وظائف إنفاذ القانون المحلية سوى بشروط صارمة للغاية.

اقرأ ايضًا: مصريون بالولايات المتحدة: جميع طوائف الشعب تشارك في الاحتجاجات

قانون التمرد

في الوقت الذي يمنع فيه قانون “بوسيت كوميتاتوس” الجيش الأمريكي من الانتشار داخل الولايات، يمنح قانون التمرد لعام 1807 – حيث تم تعديله عدة مرات- استثناءات واسعة تسمح للرئيس الأمريكي بإرسال قوات بغرض الرد على “أي تمرد أو عنف أو تصرفات غير قانونية أو مؤامرة تعارض أو تعرقل تنفيذ قوانين الولايات المتحدة أو تعرقل سير العدالة.

وتم تمرير قانون التمرد وقتها  للحماية من “هجمات الهنود الحمر العدائية”، وتم تمديد القانون لاحقا للسماح باستخدام الجيش الأمريكي لمواجهة الاضطرابات الداخلية وحماية الحقوق المدنية، إذ يشير القانون إلى إمكانية أن يقوم الرئيس الأمريكي بناء على طلب من الجهاز التشريعي لولاية أو حاكمها باستخدام الجيش الفيدرالي لقمع التمرد.

 ومن هذا المنطلق، يمكن أن يتحرك ترامب استنادا إلى القواعد التي تجيز له التدخل في مينيسوتا الواردة في القانونين، حيث يمكنه أن  يتذرع بقانون التمرد دون استشارة الكونجرس ولكن يجب أن يفعل ذلك من خلال إعلان رسمي يمنح الأفراد في المنطقة أو المناطق المتضررة الوقت للعودة إلى منازلهم.

تطبيق القانون

تم استخدام قانون التمرد بشكل غير متكرر على مدى أكثر من قرنين منذ سن تشريعاته وقد حدث ذلك في عام 1992 عندما لجأ حاكم كاليفورنيا حينها إلى تطبيق قانون التمرد، لفض أعمال شغب حدثت في لوس أنجلوس بعد تبرئة شرطيين كانا ضالعين في قتل رودني كينج الذي قضى بسبب الضرب الوحشي، حينها طلب من الرئيس الراحل جورج بوش الأب التدخل لأن قوات الحرس الوطني في كاليفورنيا لم تكن قادرة على قمع الاضطراب الداخلي، ورد بوش بإصدار أمر تنفيذي يأذن لوزير الدفاع بتحويل الحرس الوطني في كاليفورنيا إلى قوات فيدرالية وتم نقل جنود في الخدمة من قواعد في كاليفورنيا إلى هناك للتعامل مع الأحداث.

اقرأ ايضًا: أيام أمريكا الدامية.. احتجاجات حاشدة ورصاص حي

كما وسع الكونجرس بشكل ملحوظ نطاق الظروف التي يمكن بموجبها العودة إلى القانون في أعقاب إعصار كاترينا في عام 2005، وقد تم ذلك على الرغم من اعتراضات كل حاكم في البلاد في ذلك الوقت ، الذين رأوا بشكل جماعي التعديلات على القانون باعتبارها تجاوزًا من قبل الحكومة الفيدرالية.

تنفيذ مشروط

لكن شروط إنفاذ القانون محددة بطرق مشروطة جدا، منها اللجوء إلى استخدام القوة كملاذ أخير وعدم استخدام القوة الفارطة إلا عند تعذر اللجوء إلى وسائل أقل قسوة، كما تجيز هذه القواعد استخدام القوة لحماية المرافق النووية والمرافق العامة المهمة، ومن هذا المنطلق يمكن لترامب أيضًا نشر القوات العسكرية الأمريكية للقيام بمهام غير متعلقة بإنفاذ القانون مثل حراسة البنية التحتية الحيوية أو تقديم الدعم الطبي أو اللوجستي.

وتذكرنا تصريحات “ترامب” وتهدداته بانتشار قوات الجيش، بتصريحاته أثناء حملته الانتخابية، والتي أثارت الجدل حينها، وأقلقت بعض القادة والجنود، حيث أشار إلى إمكانية استخدام أسلوب القصف بغض النظر عن سقوط ضحايا، وهو يعد أمرًا غير قانوني، وهو ما دفع السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، بيتر كوك، حينها، إلى التصريح بأن جميع القوات الأمريكية يجب عليها عدم اتباع الأوامر غير القانونية.

وأوضح أن القوات والقادة يتوقعون بأنهم لن يُطلب منهم القيام بذلك، وقال “كوك” رداً على سؤال: “لا أعتقد أن علينا حتى مناقشة ذلك الآن .. لن يحصلوا على أمر بانتهاك القانون”.