تصدرت احتجاجات الولايات المتحدة، المواقع الإخبارية و”السوشيال ميديا” خلال الأيام الماضية، فمع خروج آلاف المتظاهرين احتجاجًا على مقتل المواطن الأمريكي من أصل إفريقي، جورج فلويد، على يد شرطي بطريقة وحشية، تحولت المنصات الإعلامية إلى وسائل تكشف وحشية الشرطة في التعامل مع المحتجين.

ومنذ انطلاق الاحتجاجات في 25 مايو الماضي، ضجت مواقع التواصل بمقاطع وتسجيلات مصورة عن وحشية الشرطة الأمريكية، خلال تصديها للمتظاهرين، ما زاد من حالة الاحتقان لدي المتظاهرين.

 

وبعد تصاعد حدة المظاهرات، ومشاهدة أعمال عنف وشغب، تم فرض حظر التجول في عدد من المدن.

بداية الغضب

وبدأت موجة الغضب في الولايات المتحدة ضد العنصرية ووحشية الشرطة الأمريكية، بعد تداول فيديو لشرطي أمريكي وهو يجثو بركبته على رقبة جورج فلويد، في مدينة مينيابوليس، لعدة دقائق، حتى بعد أن ناشد الأخير الشرطي قائلا إنه “لا يستطيع التنفس”.

وبعد وفاة “فلويد” نتيجة لعنف الشرطي، وتداول فيديو الواقعة، اندلعت الاضطرابات، التي لا تزال مستمرة، في عدة مدن أمريكية وأيضا في مناطق أخرى من العالم، كـ أستراليا وفرنسا وهولندا وبريطانيا .

ومع استمرار الاحتجاجات، تم تنظيم حفل تأبين حضره مئات من الأشخاص، الذين وقفوا صامتين لمدة ثماني دقائق و46 ثانية، وهي المدة التي قيل إن فلويد ظل فيها ملقى على الأرض في مينيابوليس.

 

 

وقال محامي يمثل جورج فلويد أمام حفل التأبين إن “جائحة العنصرية” أدت إلى وفاته.

ولا يعتبر “فلويد” ضحية العنصرية الوحيد في الولايات المتحدة، فهناك حالات مماثلة مشهورة لمقتل أمريكيين من أصول أفريقية، شملت مايكل براون في فيرجسون؛ وإيريك جارنر في نيويورك، وساهمت هذه الحوادث في نشأة حركة “حياة السود تهم” خلال السنوات القليلة الماضية.

كما يرى البعض أن موت “فلويد” يعكس أيضًا الغضب الذي انتاب الناس بسبب سنوات من الإحباط جراء التفاوت والتمييز على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي .

اقرأ ايضًا: احتجاجات “فلويد” في العالم.. “سمعة أمريكا المضيئة” تنطفيء

وحشية الشرطة

ومن أكثر مشاهد العنف التي ارتكبتها الشرطة الأمريكية ضد المتظاهرين، وأثارت غضب المتظاهرين، هو تعامل بعض أفراد الشرطة مع مسن بطريقة غير آدمية، حيث يظهر فيديو في مدينة بوفالو رجل عمره 75 عاما وهو يقترب من ضباط الشرطة المكلفين بفرض حظر التجول، ثم اندفع هؤلاء نحوه ودفعوه إلى الوراء بحيث تسببوا في سقوطه على الأرض وارتطام رأسه بها.

وعندما سقط على الأرض، شوهد الدم يتدفق من أذنه، وتم نقله في سيارة إسعاف لتلقي العلاج، ثم اكتشف لاحقا أنه تعرض لجرح شديد في رأسه.

 

 

وجاء في بيان أولي لإدارة الشرطة في بوفالو أن الرجل “تعثر” وسقط خلال “مناوشة مع المحتجين”، الأمر الذي فاقم الغضب من الحادث على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب “بي بي سي” البريطانية.

 

 

وفي فيدو آخر، يظهر أفراد الشرطة في منطقة وليامزبورج وهم يهجمون على متظاهرين، حيث طرحوا أرضا شخصا على الأقل .

وأظهر فيديو ثاني رجلا ملقى على ظهره وهو ينزف من رأسه قبل أن يتعرض للاعتقال.

 

وفي تسجيلات أخرى، شوهدت سيارة الشرطة وهي تقترب بشدة من المتظاهرين، حتى كادت تدهسم، مما أثار فزع واضطراب المحتجين، مع استخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل اليدوية، في مشاهد أخرى تم مشاهدة أفراد الشرطة وهم يعنفون المتظاهرين السلميين بدون ارتكابهم أي إجراء غير قانوني، وهو ما زاد حالة الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ ايضًا: أمريكا.. تاريخ من التفرقة العنصرية والإبادات الجماعية (2-2)

تقليل في الميزانية

في المقابل، دافعت أجهزة الشرطة الأمريكية عن نفسها بعد موجة الغضب التي اجتاحت “السوشيال ميديا”، حيث دافع حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو، الخميس الماضي، عن الشرطة، قائلا إنهم لم يضربوا المواطنين “بدون سبب”، وإن كانوا قد قاموا بذلك “فهذا خطأ .”

وقال رئيس بلدية نيويورك، بيل دي بلاسيو، إن السلطات “قامت بكل شيء في ما يتعلق بضبط النفس”.

رغم ذلك يبدو أن التنديدات التي تتعرض لها الشرطة الأمريكية، دفع الحديث عن تقليل الميزانية للأجهزة الأمنية، لاسميا مع تداعيات أزمة كورونا الاقتصادية للظهور على السطح من جديد.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، الجمعة، قول عمدة لوس أنجلوس، إريك جارسيتي، إنه سيخفض 150 مليون دولار من الزيادة المخطط لها في ميزانية إدارة الشرطة.

وفي نيويورك ، تعهد كوري جونسون ، رئيس مجلس المدينة، ودانيال دروم ، عضو المجلس من كوينز، قبيل الاحتجاجات الأخيرة بخفض ميزانية إدارة الشرطة البالغة 6 مليارات دولار، مشيرًا إلى أن أمر التخفيض لم يؤثر سلبًا على المنظومة الأمنية  .

سياسية “ترامب”

ومع بداية الاحتجاجات، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كغاز يساعد على الاشتعال وليس لتهدئة الأوضاع، كما رأى المراقبون، فمع بداية الأزمة شدد “ترامب” على ضرورة استخدام القوة لردع المتظاهرين، ووصف مرتكبي أحداث العنف بـ”المخربين”.

وقال الرئيس ترامب، الجمعة إنه اقترح على بعض حكام الولايات استدعاء الحرس الوطني لمواجهة احتجاجات سلمية في معظمها تشهدها معظم أنحاء البلاد احتجاجا على وفاة فلويد.

وأضاف في تصريحات بالبيت الأبيض: “أقترح على بعض هؤلاء الحكام الذين يبالغون في الفخر، لا تغتروا. أنجزوا المهمة. سيكون عملكم أفضل كثيرا في النهاية باستدعاء الحرس الوطني”.

 

اقرأ ايضًا: “ترامب” ورفع الإنجيل.. تديين السياسة في مواجهة مخاوف السقوط

وفي هذا، أرجع موقع شبكة “فوكس” الأمريكية عنف الشرطة، خلال الفترة الأخيرة والاحتجاجات عليها، إلى سياسات “ترامب”، التي تغذي العنف لدى قوات الشرطة، وذلك منذ بداية حكمه، بحسب الموقع .

وأشار الموقع، في تقريره، إلى أنه منذ تنصيب ترامب، عمل هو وإدارته على ترسيخ مكان لعنف الشرطة في الحياة الأمريكية من خلال خطاباتهم وسياساتهم.

وذكر التقرير أنه في أغسطس 2017 وقع “ترامب” أمراً تنفيذياً، يسمح لأقسام الشرطة بالحصول على فائض المعدات العسكرية، واستخدامها مثل قاذفات القنابل اليدوية، والمركبات التكتيكية والحربات إما مجاناً أو باستخدام الدولار الفيدرالي.

كما يرى الموقع أن إدارة دونالد ترامب، ساعدت على خلق بيئة نشطة لازدهار أعمال الشرطة الوحشية والأقل عدالة وبشكل غير دستوري، وما أعقب موت جورج فلويد ليس ردة فعل، بل إن سياسات “ترامب” هي التي خلقت هذه الحالة وكذلك ممارسات الشرطة خلال السنوات الماضية.