عادت المظاهرات والاحتجاجات، من جديد لتملأ الشوارع والأقاليم الإثيوبية، إما للمطالبة بالانفصال كما هو الحال في شعوب الجنوب وخاصة إقليم وولايتا أورومو، أو من أجل الوصول لسدة الحكم، خاصة بعد إعلان تأجيل الانتخابات ودعوة أقلية التيجراي إلى ضرورة إتمامها، كما دعت المعارضة إلى التظاهر في أكتوبر المقبل، عقب انتهاء الولاية الحالية للحزب الحاكم، والمطالبة بحكومة انتقالية.
وتجددت المظاهرات بعد مصرع المغني الإثيوبي الشهير هاشالو هونديسا، الملقب “بفنان الثورة”، الذي ينتمي إلى عرقية الأورومو، بالرصاص بعد إجرائه مقابلة تلفزيونية، هاجم خلالها الائتلاف الحاكم، وسط أنباء تتحدث عن سقوط أعداد من المحتجين برصاص قوات الأمن، وحملة اعتقالات واسعة طالت عددًا من أبرز رموز المعارضة، أبرزهم الناشط جوهر محمد.
وسقط في الاحتجاجات بعد مقتل “هونديسا” المعروف بأغانيه السياسية، أكثر من 50 قتيلًا، وتستمر التحقيقات الشرطة حالياً في إطلاق النار عليه في ضواحي العاصمة أديس ابابا، في حين ذكرت وكالة فرانس برس أن عدد القتلى بلغ 81 شخصًا.
وتعاني قومية “أورومو”، أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، من التهميش السياسي والاقتصادي، وهو سبب خروج المنتمين لهذه الجماعة في مظاهرات عام 2016 لتحسين ظروفهم، والتي انتهت باستبدال الائتلاف الحاكم، رئيس الوزراء آنذاك، هايليمريم ديسالين، بآبي أحمد، الذي ينتمي لها.
وجاءت الاحتجاجات في أوقات تتنامى التوترات السياسية في أعقاب تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في أغسطس المقبل، وذلك بذريعة انتشار وباء كورونا.
وتشكلت الخلفية السياسية للمغني الإثيوبي، بوصفه منتمياً للأورومو، ولعبت كلمات أغانيه دوراً رئيسياً في خروج المحتجين لإسقاط رئيس الوزراء السابق.
وحاول الآلاف مرافقة جثمان “فنان الثورة”، غير أن قوات الأمن حاولت منعهم، مما أدى لاندلاع الاحتجاجات.
أسباب احتجاجات الأورومو
يشكو الأورومو، وهي أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا، منذ زمن طويل من تعرضهم للتهميش، وتتركز قومية الأورومو في أوروميا بوسط إثيوبيا ويشكلون نحو34% من عدد السكان البالغ نحو 103 ملايين نسمة، وهم يتحدثون اللغة الأورومية، ويعملون بالزراعة والرعي.
وتظاهر الأورومو، في نهاية 2016، مما دفع الائتلاف الحاكم في نهاية المطاف إلى استبدال رئيس الوزراء في حينه هايلي مريام ديسالين بآبي، الذي ينتمي إلى عرقية الأورومو.
وأدخل آبي أحمد، سلسلة من الإصلاحات غيرت صورة البلاد التي كانت تعتبر “دولة قمعية”، ليفوز على إثرها بجائزة نوبل للسلام في 2019، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى تحقيقه السلام مع إريتريا، وفي 24 أكتوبر من العام الماضي، تجددت الاحتجاجات مرة أخرى.
وبالرغم من مرور مسيرة آبي أحمد بالكثير من العثرات في الداخل والخارج منذ صعوده إلى السلطة، مهتدياً بسياسة الوساطة والحوار في العبور منها، إلا أن بروز شخص مثل جوهر أحمد – 35 عاماً – مؤخراً، وارتفاع نفوذه السياسي والشعبي، مع تلميحه إلى منافسة آبي أحمد في الانتخابات العامة التي كانت مقرة في مايو الماضي مثلت تطورًا كبيرًا، إلا أن جائحة كورونا اضطرت الحكومة إلى تأجيل الانتخابات إلى أغسطس المقبل، وذلك يُشكل أكبر التحديات أمام الأخير.
اقرأ أيضًا:
تسارع الاحتجاجات
اعتقلت قوات الأمن “جوهر محمد”، الناشط السياسي البارز، الذي ينتمي هو الآخر إلى قومية الأورومو، والذي يُعد أباً روحياً لنضال المجموعات الشبابية، ويتمتع بقاعدة شعبية عريضة في أرجاء أوروميا.
كما اقتحمت قوات الأمن، شبكة إعلام محلية في إثيوبيا، يديرها “جوهر”، واعتقلت جميع الصحفيين العاملين فيها، قبل أن تُفرج عنهم لاحقاً تحت الضغط الشعبي.
وبحسب وسائل إعلامية إثيوبية، فالتطورات في الشارع تُشير إلى سقوط 50 قتيلاً في مناطق متعددة من قومية أوروميا، وعدد غير معلوم من الجرحى، وحملات اعتقال طالت أعداداً كبيرة من رموز المعارضة، وتحديد الإقامة الجبرية لعدد من زعماء الأورومو السياسيين، أبرزهم داود أبسا قائد جبهة تحرير أوروميا، وميريرا جودينا رئيس حزب “مؤتمر الأورومو الاتحادي” المعارض.
من هو جوهر محمد؟
درس جوهر محمد، السياسي المناهض لأنظمة الحكم السابقة لآبي أحمد، العلوم السياسية في كبرى الجامعات الأميركية، وأقام في الولايات المتحدة تخوفاً من اعتقاله حال عودته للبلاد ودعواته المتكررة للمتظاهرين للخروج ضد السلطة.
والتقى جوهر محمد، برئيس الوزراء الإثيوبي خلال زيارته لأمريكا، ووعده الأخير بعدم التعرض له والترحيب به في البلاد، مما دفعه للعوده إلى بلاده.
وينتمي “جوهر”، إلى قومية الأورومو، كما يملك حضوراً فاعلاً على وسائل التواصل الاجتماعي حيث يتابع حسابه على “فيسبوك” نحو 1.75 مليون شخص مما يبرز قدرته على الحشد السريع للمظاهرات.
وأنشأ جوهر، العديد من المنظمات الشبابية التي تعنى بالشأن النضالي للشعب الأورومي، وقاد العديد من المظاهرات أمام جمعيات الأمم المتحدة في جنيف احتجاجاً على سياسات الحكومة الإثيوبية.
الإطاحة بـ”آبي أحمد”
من جانبه، قال الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي، راشد عبدي: “إننا نتحدث عن وفاة ربما أكثر الموسيقيين تأثيراً والمحبوب من قبل الملايين، محذراً من أن موت رمز الأورومو سيكون عاملاً مساعداً على تزايد العنف بالإقليم”.
وأضاف “عبدي”، في تصريحات نشرها موقع “ذي أفريقيا ريبورت”، “أنه من المؤكد أن رد الفعل سيكون عنيفًا واسع النطاق وسيطيح بالتأكيد برئيس الوزراء أبي الذي يعاني بالفعل من قلب أورومو”، مشيراً إلى أن العواطف، ووجع القلب، والضجة ستهز البلاد.
من جانبه قال بكري أحمد ناشط إثيوبي من قومية الأورومو، في تصريحات صحفية، إن الاحتجاجات مستمرة ولن تتوقف، في ظل استمرار الاعتقالات المستمرة، وسجن أي مطالب بالحقوق، مؤكداً أن “آبي أحمد لم يصنع تغييراً، لأنه من الحزب الحاكم، ما يجعلنا نُشكك في انتمائه للأورومو”.
وأضاف الناشط السياسي وفقا لصحيفة “الشرق الأوسط اللندنية”، أن سياسة الاستبداد تشمل حرق مزارع العاملين من الأورومو، وفرض إتاوات على آلاف دون وجه حق، موضحاً أن ما حدث مع المغني الإثيوبي من رميه بالرصاص بعد إجرائه مقابلة تلفزيونية، هاجم خلالها الائتلاف الحاكم، يثير شكوكاً كبيرة في تنفيذ السلطة الحالية لواقعة اغتياله.
الخلاف بين “آبي” و”جوهر”
وفي هذا الصدد، أكد الصحفي الأثيوبي المنتمي لقومية الأورومو، عبد الفتاح العروسي، “أن الخلاف الرئيسي بين جوهر محمد وآبي أحمد يتمثل في النظرة العامة إلى الدولة، فالأخير يسعى إلى بناء دولة مركزية، بينما يتخوف جوهر من ذوبان المكونات الإثنية ضمن مركزية الدولة”.
وأوضح “العروسي”، في تصريحات صحفية، “أن جوهر ليس مجرد ناشط سياسي أو مناضل قومي، وإنما يعتبر أيقونة ورمزاً وزعيماً ملهماً للأورومو ولحراكهم الثوري في السنوات الأخيرة، والمحاولات التي يبذلها آبي أحمد لتحجيم دوره وأنشطته السياسية قد تأتي بنتائج عكسية”.
ونقلت وكالة “رويترز”، عن متحدث إقليمي، أن ما لا يقل عن 50 شخصاً قُتلوا في منطقة أوروميا الإثيوبية في الاحتجاجات إثر إطلاق النار على المغني الشعبي، ما كشف عن انقسامات في قلب رئيس الوزراء السياسي قبيل انتخابات العام .
وقالت تيرونة جيميتا، وهي مسؤولة من حزب المؤتمر الفدرالي لأورومو لاذاعة “بي بي سي”، إنهم قلقون بشأن اعتقال جوهر محمد، وأنهم لم يزوروا “أولئك الذين اعتقلوا بسبب الوضع الأمني”.
.
اقرأ أيضًا:
حقوق عرقية الأورومو
وكانت أغاني “هاشالو”، تركز في أغلب الأحيان على حقوق عرقية الأورومو في البلاد، وتحولت إلى أناشيد تصدح بها الحناجر في موجة من الاحتجاجات التي قادت إلى سقوط رئيس الوزراء السابق في 2018.
وكان المغني البالغ من العمر 34 عاماً قد قال إنه تلقى تهديدات بالقتل، ولكن من غير الواضح هوية من يقف وراء إطلاق النار عليه، ووقع الهجوم عليه يوم الاثنين في حوالي الساعة التاسعة والنصف مساءً، بالتوقيت المحلي بينما كان يقود سيارته.
وتوجه الآلاف من المعجبين به إلى المستشفى الذي نقلت إليه جثة المغني، حيث كان “هاشالو” بالنسبة لجمهوره ، صوت جيله الذي احتج على عقود من الاضطهاد الحكومي.
وفي أديس أبابا، استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود خارج المستشفى وسمعت أصوات إطلاق النار في المدينة حيث أضرمت نيران في إطارات السيارات.
وفي أداما، الواقعة على بعد 90 كيلومتراً جنوب شرق أديس أبابا، قتل خمسة أشخاص بعد إطلاق النار عليهم خلال مظاهرات كما جرح 75 آخرين، بحسب ما قال الدكتور ميكونين فيسا لإذاعة بي بي سي أفان أورومو.
وأضاف “فيسا” أن 19 شخصًا آخرين أصيبوا بجراح في مدينة ديرا المجاورة.
كما قتل شخصان بالرصاص في مدينة تشيرو الشرقية خلال مظاهرات احتجاجية، حسبما قالت مصادر طبية في المستشفى المحلي لـ”بي بي سي”.
وقطعت شبكة الإنترنت عن مناطق في البلاد مع انتشار الاحتجاجات في ولاية أوروميا الإقليمية.