“الرئيس انتخب المجلس”.. يرى مراقبون ومحللون سياسيون المشهد الانتخابي بمجلس الشيوخ، الذي يختار رئيس الجمهورية ثلث أعضائه، ويُنتخب الثلث الثاني بنظام القائمة المغلقة التي اقتصرت على “القائمة الوطنية”، الموالية للرئيس، والثالث بنظام الفردي، حيث لم يُسمح للمعارضة بالترشح.
إقرار “القائمة” رغم المعارضة
في 22 يونيو الماضي، وافق مجلس النواب على مشروع تعديل قانوني المجلس ومباشرة الحقوق السياسية، الذي تقدم بهما عبدالهادي القصبي، النائب البرلماني، وهو شيخ مشايخ الطرق الصوفية، والقيادي البارز بـ”الحزب الوطني”- المنحل، ونتج عن ذلك إقرار نظام القائمة المغلقة- بواقع 50 في المئة للفردي، ومثلها للقائمة.
لم يلتفت المجلس لأصوات المعارضة، التي قالت إن التعديلات تؤدي إلى عزوف الأحزاب عن المشاركة في العملية الانتخابية “الترشح سيكون لأصحاب المال السياسي الوفير”.
موافقة سريعة
ربما الأمر كان مرتب له سلفًا، فبعد 10 أيام من الموافقة على التعديلات، صدق عليها من قبل عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، ونشرت التعديلات في الجريمة الرسميّة.
وفي 4 يوليو الماضي، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات، برئاسة المستشار لاشين إبراهيم، مواعيد فتح باب الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ، لتستمر 38 يومًا.
وخلال أسبوعين، كان حزب “مستقبل وطن”، الموالي لنظام الحكم، قد شكل “القائمة الوطنية الموحدة”- والتي تضم 11 حزبًا، لا يمثلون المعارضة إلا قليلاً، فيما فشلت باقية الأحزاب في تكوين قوائم.
المشاركة في العملية الانتخابية “سيكون لأصحاب المال السياسي الوفير”.
بحسب المحللون السياسيون فإن المشهد الانتخابي ما هو إلا “استفتاء” نتيجته محسومًا مسبقًا لـ”مستقبل وطن”، وهذا المشهد لم نعهده في فترة حكم حسني مبارك، الرئيس الراحل.
يقارن البعض ما بين “انتخابات مبارك” والوقت الراهن، فيقول إن إبان فترة حكم “الأول” : كنّا بنبقى عارفين إنه في انتخابات من الإعلانات واللافتات والدعاية”، أما حاليًا “الانتخابات من غير ولا حس ولا خبر”.
عودة إلى الوراء.. و”تحالف الأمل”
“القبض على خلية تحالف الأمل”.. قبل عام، أعلنت وزارة الداخلية، القبض على نشطاء سياسيين معارضين، يتقدمهم زياد العليمي، عضو مجلس النواب السابق، وحسام مؤنس، المتحدث الرسمّي باسم التيار الشعبيّ الذي يترأسه حمدين صباحي، المرشح الرئاسي الأسبق، وغيرهما.
الوزارة، نسبت للمقبوض عليهم “التنسيق مع القيادات الإثارية لتوحيد صفوفهم، لاستهداف الدولة ومؤسساتها، وصولاً لإسقاطها تزامنا مع احتفالات 30 يونيو”.
يأتي ذلك، في وقت أعلن “تحالف الأمل” جاهزيته لإعداد تحالف انتخابي، لخوض الانتخابات النيابية المرتقبة.
قانون “الشيوخ”
يمنح قانون مجلس الشيوخ، رئيس الجمهورية الحق في تعيين ثلث أعضاء المجلس “مسلوب القرار”، بواقع 100 عضو من أصل 300 عضو، مشترطًا “أن يكون المرشح مصري الجنسية متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، وأن يكون اسمه مدرجًا بقاعدة بيانات الناخبين بأي من محافظات الجمهورية، وألا يكون طرأ عليه سبب يستوجب حذف أو رفع قيده”.
وشملت شروط الأساسية للترشح في الانتخابات ألا يقل سن المرشح يوم فتح باب الترشح عن 35 سنة ميلادية، وأن يكون حاصلًا على مؤهل جامعي أو ما يعادله على الأقل، وأن يكون أدى الخدمة العسكرية أو أُعفي من أدائها قانونًا، وألا تكون أسقطت عضويته بقرار من مجلس الشيوخ أو من مجلس النواب بسبب فقد الثقة والاعتبار أو بسبب الإخلال بواجبات العضوية، ما لم يكن قد زال الأثر المانع من الترشح قانونًا.
منع ترشح أي من أصحاب التيارات الفكرية أو أستاذة الجامعات المفترض أنهم المعنيون بالمجلس
وحددت المادة 28 ألا يعيّن عدد من الأشخاص ذوي الانتماء الحزبي الواحد، ما يؤدي إلى تغيير الأكثرية النيابية في المجلس، وألا يعين أحد أعضاء الحزب الذى كان ينتمي إليه الرئيس قبل أن يتولى مهام منصبه، وألا يعين شخصاً خاض انتخابات مجلس الشيوخ في الفصل التشريعي ذاته، وخسرها، وأن تخصص 10% من المقاعد على الأقل للمرأة.
المشهدين السابقين، كان كفيلان بتغيير صورة المشهد الانتخابي الذي دأب نظام مبارك على ترسيخهما في عقول المصريين لمدة 3 عقود، من خلال إيهامهم بوجود منافسة حقيقة.
المختارون للفردي
النظام الجديد لمقاعد الفردي، التي يتنافس عليها 787 مرشحًا بـ27 محافظة أو دائرة على 100 مقعد، تلزم الناخب باختيار عدد من المرشحين عن المحافظة بالكامل، وليس دائرته فقط كما كان معمولاً به.
ضيق الوقت، حمل عدد من المفارقات الجديدة، أبرزها منع ترشح أي من أصحاب التيارات الفكرية أو أستاذة الجامعات المفترض أنهم المعنيون بالمجلس، لعدم امتلاكهم أموالاً تجعلهم ينشرون لافتات، ويجوبون المحافظة بالكامل لإقناع مرشحيهم.
رغم محدودية المعارضة داخل مجلس النواب الحالي إلا إنها استطاعت إسماع صوتها
وبناءً على ذلك النظام، حرم المواطنين من زيارة المرشحين “المقررة” كل دورة انتخاب لإطلاق وعودهم البراقة، والقسم على خدمتهم ومساندتهم كالمعتاد.
ضآلة المساحة السياسية
النائب السابق محمد أنور السادات رئيس حزب الاصلاح والتنمية “المعارض”، قال في تصريحات صحفية، إن قرار المشاركة في القائمة الوطنية جاء من الهيئة العليا للحزب، وبعد محاولات لتشكيل قائمة من أحزاب الحركة المدنية لم تصل إلى نتائج، وتابع: “خلال مشاوراتنا في الحركة الوطنية كانت بعض الأحزاب تؤيد فكرة مقاطعة الانتخابات، حاولنا النظر في إمكانية تشكيل قائمة منافسة للقائمة الوطنية، ولكن لم يحدث توافق، وعرض علينا الانضمام إلى القائمة الوطنية ووافقنا على ذلك من أجل ممارسة دور سياسي في مجلس الشيوخ”.
ويرى السادات أن ضآلة المساحة السياسية في مصر لم تترك لهم الخيار، حيث لا يمكن ممارسة السياسة إلا من خلال مجلس النواب أو الشيوخ، ولذلك فإن لديهم الفرصة لإيجاد منبر يمكن من خلاله الحديث عن أفكارهم حتى ولو من خلال صوت أو اثنين، ورغم أن النسبة التي عرضت عليهم لم تكن مرضية لهم على الاطلاق (حصلوا على مقعد واحد في القائمة) إلا أنه يعتقد أن ذلك أفضل من لا شيء، خصوصا مع صعوبة المنافسة على المقاعد الفردية نظرا لاتساع الدوائر وعدم قدرة المرشحين في معظم الاحزاب على تحمل كلفة الدعاية الانتخابية.
حصر المشاركة في تيار سياسي معين هو سبب عزوف المواطنين
ويضيف السادات: “رغم محدودية المعارضة داخل مجلس النواب الحالي إلا إنها استطاعت إسماع صوتها في قضايا هامة مثل اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية وقضايا المعتقلين والمسجونين السياسيين، والعبرة تكون في الأداء والممارسة، لقد رأينا في مجلس الشيوخ فرصة تأتي مع تحديات استثنائية تمر بها المنطقة، وبعد نجاح القائمة كل الأعضاء سيمارسون دورهم بشكل مستقل، فهذه القائمة في النهاية هي تحالف انتخابي وليس سياسي.
المقاطعة خيار
وليد العماري المتحدث باسم حزب الدستور، قال تصريحات صحفية، إن أحد أسباب مقاطعة الانتخابات كونها مصدر لإهدار للمال العام من حيث أن عمل مجلس الشيوخ، يمكن أن تقوم به اللجان المتخصصة داخل البرلمان المصري وبالتالي لا حاجة لوجود 300 عضو يكلفون خزانة الدولة أعباءً إضافية في وقت يرزح المواطنون تحت ضغوط اقتصادية صعبة.
وأضاف العماري أن “نظام الانتخابات يخل مبدأ تكافؤ الفرص، حيث يعطي الفرصة لرجال الأعمال وأصحاب النفوذ والأحزاب الكبرى في الفوز بمعظم المقاعد، ولا يستطيع المواطن العادي أياً كانت خبراته الترشح لأنه لن يستطيع تحمل نفقات الدعاية الانتخابية في ظل اتساع الدوائر، وبالتالي فليس من الممكن المشاركة في قائمة تضم الاحزاب التي أصدرت القوانين التي أضرت بالمواطن”.
ويرى العماري أن حصر المشاركة في تيار سياسي معين هو سبب عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات، لأنها محسومة مسبقا: “لو تكرر هذا المشهد في انتخابات البرلمان المقبلة سيسوء الوضع أكثر، من المصلحة أن يكون هناك تنوع في الآراء والإيديولوجيات داخل السلطة التشريعية”.