مرت أكثر من سبعة عقود على العلاقات التي تربط إسرائيل وتركيا، ولكن حتى بعد المُصالحة في عام 2016، ظلت العلاقات متوترة إلا أنه لا تزال هناك مصالح مشتركة قوية بين الجانبين، وخاصة على الصعيد العسكري والاقتصادي، كما أنه لا يزال ملف تطوير الغاز الطبيعي مُحتملاً بينهما.

ورغم أن مجتمعات الأعمال الإسرائيلية – التركية ترغب في استئناف مستويات المشاركة السابقة، كما أن هناك اهتمامًا بالتعاون بشأن الغاز الطبيعي، إلا أن العلاقات في المجالين الدبلوماسي والأمني متوترة، بسبب عدم الثقة في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والخلافات بين الجانبين حول مستقبل سوريا والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

وكانت لإسرائيل وتركيا روابط ممتازة في السابق، وهي الأقرب في المنطقة، إلا أن الأمور تغيرت بمرور الوقت.

علاقات ممتدة

تقيم تركيا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ عام 1949، كما تُعد إسرائيل من بين أكبر 10 أسواق تصدير في تركيا.

وعلى الرغم من انعدام الثقة العميق بين البلدين، خاصة منذ حادثة مافي مرمرة في عام 2010، عندما صعد الكوماندوز الإسرائيلي على متن قارب مساعدات تركي وقتل عشرة نشطاء أتراك، وصلت التجارة الثنائية بين البلدين إلى 6 مليارات دولار العام الماضي.

وفي العامين الماضيين، كان التمثيل الدبلوماسي الثنائي على مستوى القائم بالأعمال وليس السفير، ردًا على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والسياسات الإسرائيلية في قطاع غزة.

شعر المسؤولون الإسرائيليون في أكتوبر 2009 بأن العلاقات الاستراتيجية الدافئة السابقة كانت على الأرجح قد انتهت.

واستمرت التجارة، التي كانت تصل في السابق بمليارات الدولارات، لكنها تغيرت كثيرًا.

بينما باعت إسرائيل الطائرات بدون طيار لتركيا، قامت تركيا ببناء قوتها من الطائرات بدون طيار.

وكانت هناك محاولات للتقارب في الماضي، ففي عام 2016، كان من المفترض أن تدفن صفقة مع تركيا جروحًا من حادثة مافي مرمرة عام 2010 عندما قُتل نشطاء أتراك على متن سفينة سياحية كانت تحاول كسر الحصار المفروض على غزة.

نفاق تركي واضح

بعد أن هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتعليق العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات بعد اتفاق التطبيع مع إسرائيل، دون الإشارة إلى أي خفض لعلاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، انتقد الكثيرون هذه الخطوة كنفاق، حيث وصفت وزارة الخارجية التركية الصفقة بأنها خيانة للقضية الفلسطينية.

وقالت صحيفة آراب نيوز البريطانية، “إنه على الرغم من أنها مناصرة قوية للفلسطينيين فيما يتعلق بالأعمال الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية، إلا أن تركيا تواصل الحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.

وقال سيث فرانتزمان، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل: “إن تركيا لديها موقف نفاق، حيث تنتقد الإمارات لبحثها العلاقات مع إسرائيل، بينما تركيا لديها أيضًا علاقات مع إسرائيل”.

ووفقًا لفرانتزمان، فإن هذا الخطاب هو جزء من خيار متعمد من جانب أنقرة لصرف الانتباه عن الفشل الاقتصادي في الداخل.

ويقول بيل بارك، باحث بجامعة لندن كولدج، إن كل ما تفعله الإمارات العربية المتحدة هو ما فعلته تركيا لما يقرب من 70 عامًا من الاعتراف بإسرائيل، مشككًا في استمرار نمو تجارة تركيا مع إسرائيل في ظل حزب العدالة والتنمية.

كان هناك تصاعد في التفاؤل في الآونة الأخيرة بشأن تحسن محتمل في العلاقات بين تركيا وإسرائيل.

كما تعد تركيا أول دولة ذات أغلبية مسلمة تمنح اعترافًا دبلوماسيًا بإسرائيل، ولم يتغير ذلك في ظل حزب العدالة والتنمية الحاكم.

وظهرت بوادر انفراجة محتملة عندما استأنفت شركة النقل الوطنية الإسرائيلية، الـ “عال” رحلات الشحن إلى تركيا، مع هبوط أول طائرة في اسطنبول في 24 مايو الماضي بعد توقف دام عقدًا من الزمن بعد حادث مرمرة.

علاقات تركيا وحماس

وذكر تقرير لموقع المونيتور الأمريكي، “أنه تحت حكم أردوغان، تستضيف تركيا نشطاء حماس رفيعي المستوى على أراضيها وتواصل الانخراط في خطاب صارخ مناهض لإسرائيل ومعادٍ للسامية”.

وفي 13 أغسطس، ذكرت صحيفة “ديلي تلجراف” البريطانية، أن تركيا تمنح الجنسية لسبعة من كبار نشطاء حماس، وأعربت عن مخاوفها من التداعيات المحتملة لمثل هذه التحركات لمنح الحركة مزيدًا من الحرية لشن هجمات على الإسرائيليين في جميع أنحاء العالم، ونفى متحدث باسم الحكومة التركية هذه الأنباء.

وحماس مدرجة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنها جماعة إرهابية، لكن أنقرة تعتبرها حركة سياسية مشروعة.

ويرى فرانتزمان أن الحزب الحاكم في تركيا، الذي يدعم حماس ويقترب أكثر من النظام الإيراني، يحافظ فقط على علاقاته الحالية مع إسرائيل بسبب واشنطن وبسبب رغبتها في استغلال الناتو والاتحاد الأوروبي.

الهيمنة العربية

وتطرق التقرير البريطاني، إلى أجندة أنقرة الحقيقية، وهي محاولة الهيمنة على العالم العربي، معتقدة أن وجهات النظر المعادية لإسرائيل ستكسبها الدعم، بنفس الطريقة التي تسعى بها إيران لاستغلال معاناة الفلسطينيين لمصالح النظام.

ولم تنجح تركيا حتى الآن في جلب المزيد من الحقوق للفلسطينيين، كل ما فعلوه أدى إلى آمال كاذبة وفرص تخريب السلام والتسامح ، بحسب التقرير.

نهر مانا جفات

وفي ظل حرب المياه التي تخوضها تركيا خلال هذه الفترة ضد البلدان العربية، حيث يتعرض العراق لخطر الجفاف الشامل بفعل سد إليسو جنوب شرق الأناضول، وحرمان نحو مليون سوري في محافظة الحسكة بالشمال السوري من مياه الشرب النظيفة، وفي ظل استمرار فقر إسرائيل المائي، فمن جهة، يمكن أن تعرض تركيا قريبا بيع مياه مانافجات لإسرائيل، والمتضررين الأكبر من السدود التركية فوق دجلة والفرات، بحسب موقع “تركيا الآن”.

ومن جهة أخرى، يمكنها أن تعيد التفاوض مع إسرائيل حول الصفقة، خاصة بعد المصالحة بين أنقرة وتل أبيب برعاية الإدارة الأمريكية في العام 2016.

ففي يونيو من عام 1990، أعد مهندس المياه الإسرائيلي أبراهام شيمتوف، تقريرًا لصالح “تاهال”، وهو معهد متخصص في التخطيط المائي والبحث مملوك لحكومة تل أبيب، أوصى خلاله بضرورة شراء الدولة الصهيونية للمياه من تركيا لعلاج أزمة الشح المائي المزمنة التي تعانيها.

وعين شيمتوف نهر مانافجات تحديدًا، الواقع في الجنوب الغربي من الأناضول، على بعد 80 كيلومترًا من محافظة أنطاليا، وينتج سنويا نحو 4.7 مليار متر مكعب، ليكون المصدر الذي ستحصل منه إسرائيل على المياه العذبة، أولا بسبب ارتفاع درجة نقاء مياهه مقارنة بأنهار تركيا الأخرى، وثانيا بسبب الفائض الكبير الذي ينتجه النهر ويقدر بنحو بـ180 مليون متر مكعب ينتهي بها الحال مختلطة بالماء المالح للبحر المتوسط.

وتقرر في اللقاء الأول بين الطرفين، رصد تل أبيب لـ20 مليون دولار لصالح تجهيز المحطة المستقبلة لمياه مانافجات المستوردة.

وكذلك قنوات الأنابيب بطول 13 كيلومترا، والتي ستسير فيها تلك المياه حتى منطقة تل لاكيش جنوب إسرائيل، ثم التقى الطرفان مرة أخرى في 30 يونيو 2000 لمناقشة سعر الصفقة وتكلفة النقل.

ثم الوصول بالسعر النهائي مع إضافة تكلفة النقل إلى 50 أو 55 سنتًا للمتر المكعب الواحد.

وفي عام 2001 استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي في القدس وزير الطاقة التركي السابق زكي شاكان، بعرض مختلف، ظلت فيه النسبة السنوية من مياه مانافجات ثابتة عند رقم 50 مليون متر مكعب، فيما ارتفعت المدة الزمنية للعقد من عشر سنوات إلى عشرين عاما، مع إمكانية مدها خمس سنوات أخرى.

خطاب إعلامي ملون

ومن جهته، يقول طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، إن العلاقات التركية – الإسرائيلية علاقات جيدة في مجالات كثيرة، والتي ن بينها المجالات العسكرية والإنفاق على القوات المشتركة، وغيرها.

وأوضح أن هناك تطبيع للعلاقات بين تركيا – وإسرائيل، بعد أحداث مرمرة في عام 2010، فضلاً عن تطبيع العلاقات مثل عودة السفراء بينهما، مشيرًا إلى أن الرئيس التركي دائمًا ما يلجأ إلى “الشو الإعلامي” الذي لاعلاقة له بما بين البلدين.

وتطرق “فهمي” إلى خطاب “أردوغان” حول معارضته التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنه خطاب ملون وله معايير مزدوجة، فهو يدعم قطاع غزة ومع ذلك يهاجم السياسة الإماراتية التي تسعى لرفض قرار الضم، بالإضافة إلى أنه خطاب شعبوي لابد أن يأخذ في سياقه.

وأكدأن مشروع بيع نهر مانجفات يعد ربطًا للعلاقات والاتفاق بصورة كاملة ولكنه لم ينفذ بصورة أو بأخرى حتى الآن، مضيفاً أن اسرائيل ليس لديها أزمة في المياه وما يتم الإعلان عنه ليس له أساس من الصحة، إلا أن إسرائيل لديها مياه وتستطيع أن تورد إلى الأردن والعراق وسوريا.

ويرى فادي عاكوم المحلل السياسي اللبناني، أنه من الواضح أن ردود الفعل التركية على التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي لا تختلف عن البروبوجاندا العالمية التي تعتمدها تركيا للترويج لنفسها كقائد للعالم الإسلامي.

وذكر “يجب أن نعلم أن تركيا أول دولة في العالم الإسلامي اعترفت بإسرائيل عام 1949 وهذا كان لافتًا وهناك علاقات ثنائية، وأهمها العسكرية وتزويد إسرائيل لتركيا بالأسلحة وتطوير الأسلحة الثقيلة”.

وأضاف أن ما حدث بين تركيا وإسرائيل من أسطول الحرية ودعم قطاع غزة، ما هو إلا “شو” تم بموافقة الفريقين ودفع الشعب الفلسطيني الثمن وليست الفصائل التي تزودها تركيا بالسلاح بموافقة إسرائيل من أجل المزيد من الاحتقان لإعطاء إسرائيل الذرائع للتدخل العسكري في أي وقت.

وأشار إلى “أن العلاقة بين البلدين نموذج واضح مثل أي دولتين عكس ما يقول الإعلام التركي، وبالنظر للعلاقة بين البلدين فتركيا تدعم إسرائيل في حرب المياه التي تخوضها في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى اتفاق الطرفين على تزويد إسرائيل بكمية تصل لـ 50 مليون متر مكعب من المياه، كما أن هناك جسر بحري لميناء عسقلان والبواخر التي تنقل المياه ومن بعدها إلى البحيرات في الداخل الإسرائيلي، وتكلفة النقل أقل من دولار للمتر المكعب الواحد.

فيما أوضح “عاكوم” أن إسرائيل وتركيا تسعيان لإنشاء أنبوب لإيصال المياه بشكل دائم، لذلك تقوم تركيا بتعطيش سوريا والعراق.

ويرى “عاكوم” أن تعطيش تركيا لسوريا والعراق لتزود إسرائيل بالمياه بشكل دائم هو أمر طبيعي للسياسة التركية، بالإضافة إلى التلاعب بالشعار الديني والقومية لتحقيق الأهداف المرجوة لضمان صمت حلفائها وعلى رأسهم إسرائيل عن التجاوزات التي تقوم بها في المنطقة، بهدف توسيع حدودها والتمدد من أجل الحلم العثماني، فضلًا عن فرض سياسة الأمر الواقع، كما أنها تستغل ملف المياه لتنفيذ سياساتها بالمنطقة.