فوجئ الملايين من محبي المطرب اللبناني فضل شاكر، بإصدار المحكمة العسكرية اللبنانية الدائمة، حكمًا بحق المواطن اللبناني “فضل شمندر” – المعروف فنيا بفضل شاكر – بالسجن لمدة تتجاوز الـ 20 عاما.

جاء الحكم العسكري على خلفية ضلوع شاكر في دعم وتمويل جماعات إرهابية بجنوب لبنان، فضلا عن تجريده من كافة حقوقه المدنية بعدما أُدين بالتدخل في أعمال الإرهاب الجنائية التي نظمها مجموعة من الإرهابيين خلال الفترة الأخيرة.

عرف الجمهور العربي فضل شاكر بالشاب مرهف الحس، صاحب الصوت العذب القادم من الجنوب اللبناني. صعد في هدوء وتربع لسنوات على القمة وكان نجم لبنان الأول وحقق نجاحًا كبيرًا، لكنه فجأة ودون سابق انظار، ظهر شاكر ملتحيا على محبيه معلنا اعتزاله العمل الفني لأسبابه الخاصة، أحدها سياسيا، ليدخل في صدام مباشر مع السلطات اللبنانية ويكون أحد أكثر المطلوبين على قائمة العناصر الإرهابية.

من المخيمات للقصور ومنها إلى الجحور

في الأول من أبريل من العام 1969 وفي مدينة صيدا بالجنوب اللبناني، كانت عائلة “شمندر” أحد أهم العائلات في تلك المنطقة وأكثرها شهرةً على موعد مع ميلاد “فضل” الذي عُرف بعد ذلك بفضل شاكر.

 لاحظت عائلته صوته العذب. وتطور الأمر إلى رغبة في احتراف الغناء منذ أن أتم عامه الخامس عشر، فشارك في إحياء أعراس بلدته وأعياد الميلاد والحفلات العائلية بغناء بعض الأغنيات لمطربين كبار، وببراعة وصوت لم يعهده أبناء بلدته تحول الشاب فضل شمندر إلى مطرب العائلة.

“كنت أغني على أسطح مخيمات الفلسطينيين حتى ظنوا أنني فلسطيني ولكني لبناني أبًا عن جد”..

 فضل شاكر.

اقرأ أيضًا: وزير العدل اللبناني السابق يتحدث لـ”مصر 360″ عن ضلوع حزب الله في اغتيال الحريري

حمل الألبوم الأول لـ”فضل شاكر” اسم ” والله يازمن”. شمل أغنية لحنها هو بنفسه، فقد كان يهوى العزف على البيانو وكان اسم الأغنية “متى حبيبي متى”.

وبعد نجاح هذا الألبوم الذي صدر عام 1998، بدأت النجاحات تتوالى عليه وأصبح يحتل مكانة متميزة بين مطربي جيله. وكانت أشهر أغنياته في تلك الفترة “الحب القديم” و”بياع القلوب” وسهرني الشوق” و”لو على قلبي” وغيرهم.

قدم فضل شاكر 12 ألبوم غنائي، لاقت معظم أغنياته النجاح الذي ربما لم يتوقعه فضل نفسه، مما دفع كبرى شركات الإنتاج في الفترة بين 2000 حتى 2003  للتهافت على التعاقد معه حتى أصبح لفترة طويلة تحت رعاية شركة “روتانا” الخليجية.

خلال تلك الفترة منحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أبو مازن” الجنسية الفلسطينية.

وطوال مسيرته الفنية لم يقحم فضل شاكر نفسه في أي قضية أو موقف أو رأي سياسي, كان “ملك الإحساس” فحسب.

المطرب الذي تربع على عرش الأغنية الرومانسية بصوت فريد وحنجرة قوية قادر على تطويعها كيفما يشاء مثلما وصفه بعض النقاد، ظهر فجأة ودون سابق إنذار وبالتزامن مع الثورات العربية ظهر ملتحيًا برفقة القيادي الجهادي أحمد الأسير يهدد ويتوعد ويعلن توبته.

اندلاع الثورة.. واعتزال فضل شاكر

عقب اندلاع الثورة السورية في مارس من عام 2011، استمر صداها يضرب داخل منزل أسرة فضل شاكر، إذ فوجئ ملايين من متابعي ملك الإحساس، بإعلانه عبر قناة  فضائية “الرحمة” الدينية ومن داخل مدينة صيدا مسقط رأسه، اعتزاله الفن نهائيًا مُرجعًا السبب في ذلك إلى أسباب بعضها سياسي وهو رفضه لسياسات الرئيس السوري بشار الأسد.

أما السبب الآخر فأرجعه إلى “تدني” المستوى الفني والذوق العام في البلاد بالتزامن مع قيام ثورات الربيع العربي في مصر وتونس وسوريا، والغياب التام للمؤسسات الفنية والنقابات التي تضبط هذه العملية. 

صحيفة جنائية صادمة!

الحكم الذي صدر منذ عدة أيام لم يكن الأول من نوعه، ففي عام 2013، قضت “المحكمة العسكرية اللبنانية” حكمها الغيابي بالسجن لمدة 15 عامًا على الفنان فضل شاكر، وأرجعت الحكم حينها إلى إدانته بعدد من التهم التي تتعلق بتمويل جماعات إرهابية مسلحة في جنوب لبنان وجردته من كافة حقوقه المدنية. 

كان لثورات الربيع العربي التأثير الأكبر في تحول فضل شاكر من صاحب الحنجرة الاكثر رقة وعذوبة في تاريخ الفن العربي الحديث، إلى عضو وكادر بجماعة الأسير الإرهابية.

وسبق أن واجه “شاكر” حكما بالسجن لمدة 7 سنوات مع الأشغال الشاقة والتجرد من كافة حقوقه المدنية، وتغريمه بدفع 5 ملايين ليرة،لاتهامه بتمويل جماعة “أسير” الإرهابية والتي نظمت عددا من العمليات القتالية في الجنوب اللبناني. 

علاقة قوية بجماعة الأسير

“فضل يحمي نفسه من عائلته”.. في مداخلة هاتفية أجراها أجراها الإعلامي وائل الإبراشي في برنامجه “التاسعة” المذاع على الفضائية المصرية والأولى، مع الإعلامي اللبناني “جمال فياض” المقرب من شاكر أن الأخير يحمي نفسه وابنائه من عائلته.

وأكد فياض الذي كانت تربطه علاقة صداقة قوية بفضل شاكر قبل أن يشتهر ويدخل إلى عالم الغناء، معرفته بالأسباب التي دفعت إلى انغماس فضل في الجماعات الإرهابية.

“فضل كان يمر بمشاكل كبرى مع عائلته، في مرحلة من مراحل عمره، واضطر كي يحمي نفسه من بعض أفراد عائلته أن يلجأ إلى جماعة مسلحة يقودها الشيخ “أحمد الأسير” الذي أكد فضل بعد ذلك على أنه على علاقة قوية معه، من أجل حمايته”.

كما لفت فياض إلى أن عائلته كانت مدعومة من قبل أحزاب ومليشيات قوية داخل لبنان الأمر الذي جعل فضل شاكر يلجأ لمليشيات أكثر قوة وربما عنفًا أيضًا، وبدأ فضل يغدق عليهم الأموال مقابل حمايتهم له، وشعر حينها وهو في كنفهم بالارتياح.

وفي محاولة تحسين صورة صديق الطفولة قال فياض: “فضل بعد أن كشف تورطهم في أعمال من شأنها تعزيز الأمن والاستقرار في البلاد شعر بالخوف على حد قول صديقه ولم يجد أحدًا معه فلم يحضر المحاكمة فحُكم عليه غيابيًا بـ 22 عاما، وشدد صديقه المحامي على أنه إذا حضر المحكامة كان سيخفف الحكم إلى 3 أعوتم فقط”.

ابقى قابلني… فضل شاكر يعود للغناء

في الثلاثين من مارس من العام 2018، ظهر فضل شاكر لأول مرة بعد غياب استمر لأكثر من خمس سنوات، وهو حليق الذقن عبر فضائية “الجديد” اللبنانية، ليعلن عن عودته للغناء مرة أخرى، ورغبته في العودة للحياة الطبيعية، نافيًا ما تردد حول مشاركته في معركة “عبرا” المسلحة التي وقعت على يد جماعة الأسير التي دعمت فضل ودعمها لسنوات.

ولكي يكسب المزيد من المصداقية في خطوته الجديدة هذه طرح أغنية باللهجة المصرية تسمى “ليه الجرح”، وبعد ذلك تعاقد مع شركة العدل جروب لتقديم تتر مسلسل “لدينا أقوال أخرى” للفنانة يسرا، كما أشار إلى أنه سوف لن يغني في لبنان مرة أخرى، في خطوة وصفها البعض بـ “التوبة”، بينما رفض البعض عودة “إرهابي” كما وصفوه للغناء مرة أخرى.

 وبعد حوالي عامين، أطل علينا بأغنيتين حملت الثانية اسم “ابقى قابلني” والتي حظيت بملايين المشاهدات منذ إطلاقها على قناته الرسمية عبر يوتيوب، وقبل ذلك بحوالي خمسة أشهر أصدر أغنية باللهجة المصرية أيضا وهي “غيب عن عيني” وحققت نجاحًا كالذي حققته “ابقى قابلني”.

كان الأمر بمثابة “عربون محبة” ومصالحة عقدها “ملك الإحساس” مع جمهوره، ولكن ظلت القضايا والمحاكمات العسكرية تلاحقه. 

اقرأ أيضًا: حزب الله.. نفوذ ضد استقرار لبنان

 

في أعقاب الحكم على فضل شاكر بالحبس 22 عاما غيابيا وغرامة قدرها 5 ملايين ليرة لبنانية، انتشر مقطع فيديو يظهر فيه “شاكر” وقد أطلق لحيته ويقف خلفه عدد من الرجال أصحاب اللحي الطويلة، أثناء ترديده بعبارات وصفها البعض بالبذيئة قائلا: “قتلنا فطيستين وهناك 16 جريحا والله يزيدهم”.

فيما راح الرجال يبعثون رسائل التهديد بشكل مباشر: “أي شيء يصير للشيخ أحمد الأسير وفضل شاكر، سيكون الرد قويًا ومدويًا في كافة أنحاء صيدا وطرابلس والشمال اللبناني”.

أرجع بعد المحامين السبب في حصول فضل شاكر على هذا الحكم إلى ذاك المقطع الذي يدينه ويكشف جليا تورطه مع عناصر ومليشيات مسلحة في الجنوب اللبناني.