لم يكن الهجوم الذي استهدف محيط مطار أربيل، حيث تتواجد القوات الأمريكية، سوى استئناف للتصعيد والتوتر بين طهران وواشنطن. فالهجوم الصاروخي الذي انطلق، بحسب المعلومات الرسمية، من منطقة الكوير، التابعة لنينوى، تبنته ميلشيا “سرايا أولياء الدم”. مخلفًا قتيلًا أجنبيًا، ومصابين من بينهم 9 أمريكيين.
بالرغم من الاتهامات التي لاحقت الحشد الشعبي، المدعومة من إيران، سواء من الولايات المتحدة أو الحكومة في أربيل، إلا أن الميلشيا المسلحة التي أعلنت تبنيها للحادث، لا تربطها على نحو تنظيمي أي صلات مباشرة بالتنظيمات الولائية.
رسائل الهجوم السياسية
بينما يكشف الهجوم الصاروخي رسائل سياسية محددة، وتحول تكتيكي في الأدوار الوظيفية التي تؤديها المجموعات المسلحة، لاسيما بعد مقتل القياديين في الحرس الثوري الإيراني، أبي مهدي المهندس وقاسم سليماني.
“سرايا أولياء الدم” من بين التنظيمات المسلحة التي ظهرت في أعقاب مقتل سليماني، وبلغ عددها نحو عشرة تنظيمات مسلحة، من بينها “قاصم الجبارين” و”سرايا المنتقم” و”الغاشية” و”أصحاب وأهل المعروف” و”ربع الله” و”زلم الشايب”.
ولم تعلن أي منهم مرجعية سياسية أو إقليمية أو أيدولوجية لها. وفي النصف الثاني من العام الماضي، أعلنت تبنيها استهداف أرتال الإمدادات الخاصة بالتحالف الدولي في محافظات جنوبي العراق.
الهجوم بنفس الآلية والأسلوب والسلوك
القاسم المشترك بين هذه التنظيمات المسلحة، يتمثل في نشاطها المكثف، على مدار العام الماضي، ضد المصالح الأمريكية بالعراق، مثل استهداف مقرات الشركات الأمنية الأجنبية في العاصمة العراقية، بغداد، ومواصلة الهجوم على أرتال الدعم اللوجستي للقوات الأميركية.
ولذلك، ذكرت القوات الأكردية أن الهجوم الصاروخي يتماثل والاعتداءات السابقة، سواء من الميلشيات المستجدة، أو القوى التقليدية التابعة للحشد. حيث “نفد الهجوك بنفس الآلية والأسلوب والسلوك الذي استخدم في الهجوم السابق على مطار أربيل الدولي”. وهو الهجوم الذي وقع في أكتوبر الماضي.
وبحسب الجيش الأمريكي، فإن “ميليشيات إيران هي التي تقف وراء الهجمات التي تستهدف المصالح الأمريكية في العراق، بين اللحظة والأخرى”.
وقال بيان “سرايا أولياء الدم” إن “هجوم أربيل كان بمثابة رسالة لبعض السياسيين الكرد.. إنكم تسلكون الطريق الخاطئ، فإن لم تستقيموا، قومناكم بصواريخنا التي ما زلنا نخزنها في كردستان وفي أربيل بشكل خاص.. ونحن نسير في شوارع وأزقة أربيل الحبيبة ولا نفكر في إيذاء أحد”.
جهات تريد أكبر قدر ممكن من الضرر
الصحفي السوري المقيم في إقليم كردستان، محمد حسن، قال لـ”مصر 360″ إن الجهات التي تقف وراء الصواريخ التي استهدفت مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، كانت “تنوي إحداث أكبر قدر ممكن من الضرر بالمدينة.
كما أضاف: “يأتي ذلك نظرًا لسقوط أغلبها في مناطق مزدحمة بالسكان والمدنيين. وربما، لحسن الحظ لم تتجاوز ضحايا الحادث أكثر من قتيل (مدني متعاقد مع قوات التحالف) و9 جرحى بينهم جندي أمريكي”.
ويرى حسن أن القصف الذي تبنته مجموعة مقربة من الحشد الشعبي المدعوم من إيران، تدعى “سرايا أولياء الدم”، حمل في طياته أكثر من رسالة لكل من الولايات المتحدة، وحكومة إقليم كردستان، والحكومة المركزية العراقية.
كما لفت إلى “الاحتقان الذي شهدته المفاوضات بين الحكومتين العراقية والكردية، والخلاف حول الموازنة، ثم التعبئة والتجييش الكبيرين بالشارع الشيعي العراقي ضد حكومة كردستان، من قبل بعض النواب الشيعة، مؤخراً، سعياً لكسب أصوات الشارع الشيعي في الانتخابات البرلمانية المبكرة المرتقبة خلال الفترة القادمة”.
“سرايا أولياء الدم” و”أصحاب الكهف”
الصحفي المقيم بإقليم كردستان قال إن الهجوم الصاروخي يأتي “بعد يوم واحد من تبني مجموعة مماثلة لـ”سرايا أولياء الدم”، وتدعى “أصحاب الكهف”، هجوم على إحدى القواعد التركية في المناطق الحدودية الجبلية بين إقليم كردستان وتركيا. وكل ذلك ربما يأتي في إطار عدم رضا إيران عن حكومة كاظمي، وعلاقاته الإقليمية والدولية”.
اللافت أن الهجوم الصاروخي يتزامن والزيارة المتوقعة لبابا الفاتيكان إلى العراق. وأعلن البابا، مطلع ديسمبر العام الماضي، أنه سيزور العراق في الفترة من 5 إلى 8 مارس المقبل. وهي الرحلة الخارجية الأولى له، منذ انتشار الوباء العالمي.
وكشف الكاردينال لويس ساكو، بطريرك الكلدان الكاثوليك، أن البابا فرنسيس سيلتقي المرجع الشيعي، علي السيستاني، في النجف، خلال زيارته للعراق. كما من المقرر أن يزور البابا الموصل ومنطقة سهل نينوى المحيطة بها، والتي سيطر عليها تنظيم داعش عام 2014. كما سيزور أربيل، وسيقيم قداساً في أحد ملاعب المدينة.
ورغم الأحداث الدموية، مازالت الزيارة قائمة، ولم تصدر بيانات رسمية تشير إل ثمة تأجيل أو تراجع عن حضور البابا للعراق. كما بحث رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، ترتيبات الزيارة مع سفير الفاتيكان، في بغداد، ميتغا لسكوفر.
وكلاء إيران
ومن جانبه، اتهم المحلل السياسي الكردي، إبراهيم إبراهيم، والذي شغل منصب الناطق الرسمي السابق بلسان مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكلاء إيران بالعراق بتنفيذ الهجوم الصاروخي على مطار أربيل.
ووصف إبراهيم الحادث بأنه يحمل “رسائل سياسية وأمنية موجهة لأمريكا عبر الطرف الكردي، تلك المرة، وهذا القصف الصاروخي يقف وراءه تنظيمات ميلشياوية معروفة بتبعيتها للحرس الثوري الإيراني. وتستهدف خلق الفوضى، باللإضافة إلى تعقيد المشهد الأمني، والذي يتزامن مع زيارة بابا الفاتيكان للعراق”.
واعتبر المحلل السياسي الكردي في حديثه لـ”مصر 360″، أن الاستهداف الصاروخي، سيفاقم من الأزمات الموجودة، وتحولت الأراضي العراقية إلى ساحة لتبادل الرسائل وممارسة الضغوطات.
حيث تتكرر عمليات استهدف المصالح الأمريكية والغربية، لافتاً إلى أنه من بين المعطيات التي تدفعه إلى اتهام القوى المحلية التابعة لإيران هو “استخدام سلاح كاتيوشا عيار 107، الذي سبق واستخدمته كتائب حزب الله العراقي والحشد الشعبي في ضرب المنطقة الخضراء.
رد طهران
وإلى ذلك، قالت الخارجية الإيرانية إن “الجهود لتحميل طهران مسؤولية استهداف مطار أربيل مثيرة للشك، ومدانة بشدة”.
كما أشارت الخارجية الإيرانية إلى أن “إيران تعتبر أمن العراق واستقراره مفتاحاً للحلول في المنطقة وأمن دولها”، مؤكدة “رفضها لأي أعمال تخل بالأمن والاستقرار في العراق”.
وتابعت: “ندعو الحكومة العراقية إلى إصدار أوامر للتعامل مع من يبث الشائعات وينسب الهجوم على مطار أربيل إلى طهران”، نافية “أي صلة لطهران بهجوم أربيل”.
وشدد الناطق الرسمي بلسان الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، على أن “إيران تعتبر استقرار العراق وأمنه مسألة حاسمة بالنسبة للمنطقة، وترفض أي عمل يخل بالأمن والسلام في ذلك البلد”. ودان ما وصفه بأنه “محاولات مريبة لنسب الهجوم إلى إيران”.
بيد أن الباحث في معهد واشنطن، قال “إن الميليشيات المدعومة من إيران اتخذت خطوة غير مسبوقة بقصف مدينة أربيل وقاعدة أميركية بالصواريخ في كردستان العراق”.
وأوضح نايتس: “ربما تمت محاولة إطلاق ما يصل إلى 28 صاروخاً، مع سقوط أكثر من 12 صاروخا في المدينة المكتظة بالسكان، وهو قصف متهور بشكل غير مسبوق لمركز سكني مدني”.
ولفت الباحث في معهد واشنطن إلى أن “تسلسل التغطية الإعلامية للهجوم عبر حساب هذه المجموعة على تطبيق تلغرام، يبرز علاقاتها الواضحة بميليشيا واحدة على الأقل مدعومة من إيران، وهي عصائب أهل الحق”.